الجمعة، 9 يناير 2015

مفهوم السلام في الإسلام



إنَّ السلامَ -بمعناه السلمي- أُمنية غاليةٌ، ورغبةٌ أكيدةٌ يتمناها كل إنسان يعيش في هذه الحياة الدنيا؛ لما في السَّلام من معاني الطمأنينة، والصحة، والعافية.
فالسَّلام يشمل جميع مناحي الحياة، وأمور المسلمين كلها، يشمل الأفراد والجماعات، والدول والمجتمعات، والشعوب والقبائل.
فإذا وجد السلام: وجدت الطمأنينة، والراحة، والحرية، والمودة والمحبة بين الشعوب.
وإذا وجد السلام: انتفت الحروب، والأحقاد، والضغائن بين الناس.
فالدعوة إلى السلام دعوةٌ جميلةٌ مُحبَّبة إلى النفسِ.
ولما كان لفظ الإسلام من التسليم لله، والخضوع له، والتسليمُ لله سلامٌ في النفس، وطمأنينة في القلب، وصفاء في الروح: كانت تحية أهل الجنة هي السلام، كما قال تعالى: (تَحِيَّتُهُم يَوْمَ يَلْقَونَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُم أَجْرًا كَرِيمًا) [الأحزاب:44].
وقال تعالى: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ) [النحل:32].
وقال تعالى: (لا يَسْمَعُونَ فِيْهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيْلًا سَلَامًا سَلَامًا) [الواقعة:25-26].
ولا يُدرك قيمةَ السلام الحقيقية إلا من عاش الحربَ واصطلى بنارها، ورأى وسائل الدَّمار والخراب، وهي تنشر الرعبَ بين الأبرياء، وتهدم المنشآتِ، وتهلك الحرثَ والنسل.
قال الله تعالى: (وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [يونس:25].
وقد حاولنا في هذه المقالة توضيح مفهوم السلام في الشريعة الإسلامية، وبيان المقصود منه، وأنَّ الإسلام يدعو إلى السلام، ويأمر به حيث كان.
 
* مفهوم السلام لغة واصطلاحًا:
«السين، واللام، والميم: مُعظم بابِه من الصَّحةِ والعافيةِ، ويكون فيه ما يشذُّ، والشاذُّ عنه قليل، فالسلامةُ: أن يسلمَ الإنسانُ من العاهةِ والأذى.
فالله -جلَّ ثناؤه- هو السلام؛ لسلامتِه مما يلحقُ المخلوقين من العيبِ والنقصِ والفناء، قال الله جل جلاله: (واللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ) [يونس:25]»، ومن معناه: المسالمة»، وهو المصالحة، وتجنب الحرب([1]).
وقيل: «السلام والسلامة: البراءة، وتسلَّم منه: تَبَرَّء.. ومنه قوله تعالى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الفرقان:63]؛ أي: تسلُّمًا وبراءةً، لا خير بيننا وبينكم ولا شرَّ..
ويقولون: سلام عليكم؛ فكأنَّه علامةُ المسالمةِ، وأنه لا حرب هنالك.. وقيل: (قَالُوا سَلَامًا)؛ أي: سدادًا من القول وقصدًا، لا لغو فيه..
ومنه قوله -عز وجل-: (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ) [القدر:5]؛ أي: لا داء فيها، ولا يستطيع الشيطانُ أَن يصنعَ فيها شيئًا.
وقد يجوز أن يكون (السلام) جمع: سلامة، والسلام: التحيَّة، ومنه قوله: (دَعْوَاهُم فِيْهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، وَتَحِيَّتُهُم فِيْهَا سَلَامٌ) [يونس:10]»([2]).
والذي يهمُّنا من معنى السلام في هذه المقالة هو: المسالمة من الحرب.
 
* السلام في القرآن الكريم، والسنة النبوية:
ورد لفظُ: (السلام) وما اشتُقَّ منه في كتاب الله -عز وجل- في أربع وأربعين آية، منها خمس مدنية، والباقيات مكية، في حين لم يرد لفظ الحرب إلا في ستِّ آياتٍ، كلُّها مدنية.
وهنا لفتة جميلة لا بد من التنبُّه إليها،وهي أنَّ القرآنَ الكريم يدعو إلى السلامِ في الدرجة الأولى، ويحث عليه، ويرغب فيه، ويرفض الحرب والتنازع والفرقة.
ومن الآيات الكريمة الدالة على هذا المفهوم:
1-قوله تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ) [الأنفال:61].
أي: إن مالوا إلى المسالمة والمصالحة والمهادنة؛ فَمِلْ إلى ذلك، واقْبَلْهُ منهم، كما وقع في صلح الحديبية لما طلبَ المشركون الصلحَ ووضع الحرب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك مع ما اشترطوا عليه من الشروط؛ رغبة في السلم والمسالمة.
2-قوله تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَن أَلْقَى إِلَيكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا) [النساء:94]، فقد فُسِّر معنى (السلام) فيها بـ(السَّلَم)؛ أي: بالمسالمة التي هي ضد الحرب.
ويدل على ذلك قوله: (أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ)، ولم يقل: (عَلَيكُم)، فدل على أن المقصود به: ترك القتال؛ كما في الآية الأخرى: (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُم وَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقُوا إِلَيكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُم عَلَيْهِمْ سَبِيلًا) [النساء:90]، وقوله: (فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُم وَيُلْقُوا إِلَيكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُم فَخُذُوهُم) [النساء:91].
أما السنة النبوية:
فالأحاديث والسيرة العطرة شاهدة على أنَّ دعوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ هي: (السلام)، فلم يكن نبينا صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الحرب، ولا إلى المخاصمة، والتنازع، ولا إلى التشاجر، بل يدعو إلى السلام، ويهدي الناس إليه ويدلهم عليه.
فمن ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم، لا يَظْلِمُه، ولا يُسْلِمُه»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تَحاسدوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدَابَرُوا، ولا يَبِعْ بعضُكم على بيعِ بعضٍ، وكونوا عبادَ الله إخوانًا، المسلمُ أَخو المسلمِ، لا يَظلِمُه، وَلا يَخْذِلُه، ولا يَحْقِرُه، التقوى هاهنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسبِ امرئ مِنَ الشرِّ أَن يَحقِرَ أَخاهُ المسلمَ، كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ: دَمُه، وَمالُه، وعِرْضُه».
وهذا كلُّه يدل على السلام والمسالمة، والمصالحة بين الناس.
وفي حديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «من أَصبحَ آمنًا في سِرْبِه، معافًى في جَسدِه، عنده قوتُ يومِه؛ فكأنما حيزت له الدُّنيا» دلالة واضحة على الإنسان لا يكون سعيدًا في هذه الدنيا إلى بالسلام.
 
* دعائم السلام و آدابه:
أما دعائم السلام وآدابه، وشروطه وقواعده؛ ففي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، عدَّة قواعد وأحكام ينبني عليها مفهوم السلام، مما يُشكِّلُ للمسلمين قانونًا دوليًّا يسيرون عليه، وينطلقون من خلاله.
فمن هذه القوانين والشروط الواجب توفرها حتى يتم السلام:
أولًا:المساواة بين الشعوب بعضها ببعض؛ كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِير) [الحجرات:13].
فالإسلام يُقرِّر أنَّ الناسَ -بغض النظر عن اختلاف معتقداتهم وألوانهم وألسنتهم-  ينتمون إلى أصلٍ واحدٍ، فهم إخوة في الإنسانية.
ومنه قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكم لآدمَ، وآدمَ من ترابٍ، لا فضلَ لعربيٍّ على أَعْجَمِيٍّ إلا بالتقوى».
ثانيًا:الوفاء بالعهود، ومنع العدوان، وإيثار السلم على الحرب إلا للضرورة.
ويدل عليه: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) [المائدة:1]، وقوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا) [الإسراء:34].
فالأخوة الإنسانية العامة، توجب قيام العلاقةِ بين الشعوب والأمم على المودَّةِ والوفاء بالعقود والعهود، ما دام الاعتداءُ غيرَ قائم، كما في قوله تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الذَّينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُم أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيهِم إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ) [الممتحنة:8].
ثالثًا:إقامة العدل والإنصاف، ودفع الظلم:
إن من شروط تحقيق السلام بين الشعوب والمجتمعات: إقامة العدل والإنصاف بينهم، فلا يعتدي أحدٌ على حق أحدٍ، ولا يظلم أحدٌ أحدًا.
بل الإنصاف والعدل والمساواة، كلها من ركائز السلام وقواعده.
وعلى الدولة الإسلامية أن تعدل مع أَعدائِها، كما قال الله عز وجل: (وَلَا يَجْرِمُنَّكُم شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة:8].
فإذا حصل ظلمٌ أو تَعَدٍّ من الطرفِ الآخر، فليكن ردُّ الاعتداءِ بمثلِه، لا يتعدَّاه، بل إنَّ المعاملةَ بالمثلِ تخضع في كثير من جوانبها لأخلاقِ الإسلام الساميةِ، ومبادئه السمحةِ الراقية.
فإذا لجأ العدوُّ إلى قتل الأطفالِ والنساء والشيوخ، فليس من الاسلام أَن نفعلَ كفعلهم، وإذا اعتدوا على الأعراضِ والممتلكات، فليس من الاسلام أيضًا أن نفعل كفعلهم.
 
ثمرات نشر السلام بين المجتمعات والشعوب:
1- السلام في التوحيد:
تقدم أنَّ مفهوم (السلام) من حيث اللغة؛ هو: الصحة والعافية، والسلامة من النقص والعيب.
وهذا مفهوم ملازم لأمر التوحيد، فالسلام في التوحيد: هو التزام الصحة في المعتقد، وأن يسلم الإنسان من عقائد النقص والشذوذ.
ومتى ما تحقق السلام في التوحيد بين المجتمعات والشعوب: انتشر العدل بينهم، وأمن الناس، وعاشوا بسعادة وطمأنينة.
2- السلام في تطبيق الأحكام الشرعية:
جاءت الشريعة الإسلامية لتحقيق المصالح العامة، ودفع المفاسد الضارة، والسلام بمعناه العام يحقق المصالح الشرعية، ويدفع المفاسد، ولنضرب على ذلك أمثلة:
أ- السلام في تحريم الخمر:
فالإنسان متى ما ابتعد عن الخمر؛ فإنَّ عَقْلَه يَسلَمُ مِنَ الغفلةِ والاضطرابِ والضياعِ والسُّكْرِ والغيبوبة، وبذلك يَسْلَمُ المجتمعُ من تكاليفِ السُّكْرِ والكحولِ، ويَسْلَمُ من تدميرِ أُسَرٍ تَسبَّبَ الكحولُ في تدميرها وضياعها، ويَسْلَم من انتهاكِ أعراضٍ، وتدمير أجيالٍ وأطفالٍ، وتضييع الأموال.
إن تطبيق معنى (السلام) في منع المسكرات والمخدرات المختلفة، ينتج منه السلامة من الشرور والآثار المترتبة على المخدرات، فيسلم المجتمعُ من آثار السرقات، والانتهاكات، والأمراض، وتدمير الفرد والمجتمع.
ب- السلام في الحياة الزوجية:
يعيش المجتمع الحديث مرحلةَ تَفكُّكٍ أُسري ضخمٍ جدًّا، وبناء أُسَرٍ جديدةٍ من الشواذ والعلاقات الجديدة التي تُدمِّرُ المجتمعات الغربية، وتهتك بأستارها.
إلا أَنَّ الإسلامَ بشريعتِه السمحةِ، الداعية إلى السلام، تنظر إلى الحياة الزوجية من باب المسالمة والمصالحة بين الزوجين.
فالزوج في الشريعة الإسلامية سكن لزوجته، ومفتاح مودة ورحمة لها.
وقد وضعت الشريعة الإسلامية للحياة الزوجية قواعد وأصولًا تسير عليها، فمتى وجد الزوجان أن هذه القواعدَ والأصولَ صعبةُ المنال، ولا يمكن تحقيقها، كان حكم الشريعة بين الزوجين: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة:229].
وهذا تحقيق لمعنى (السلام) والمسالمة، وتنفيذ لمقتضاه.
والأمثلة على ذلك كثيرة وكثيرة جدًّا، وهي تشمل أمور الحياة كلها.
 

([1]) انظر: «مقاييس اللغة» لابن فارس، مادة (س ل م) (3/90).
([2]) انظر: «لسان العرب» لابن منظور، مادة (س ل م) (12/289).
lمنقول من موقع السعودي ا لبرنامج التبادل المعرفي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق