الجمعة، 8 مايو 2015

مفهوم التسامح في دين الاسلام.

  الشيخ محمد صالح المنجد
الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
مفهوم التسامح في دين الاسلام.
فإن التسامح في دين الإسلام بين المسلمين أمر معروف وواضح، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا، والتسامح في هذا الدين نصوصه كثيرة ومشهورة، والذين إذا ما غضبوا هم يغفرون، فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِسورة الشورى40. وتنازل المسلم لأخيه المسلم عن حقه مما يؤجر عليه عند الله ويزداد به في الدنيا والآخرة، وأما تسامح المسلمين مع غير المسلمين فإنها قضية لا بد من تسليط الضوء عليها حتى لا تختلط الأمور، ولا يحدث الانسياق وراء عدد من المروجين لأفكار أعداء الإسلام، أو المنهزمين من المسلمين، فما هو حدود التسامح تجاه أعداء الإسلام أو غير المسلمين في هذه الشريعة، ما هي حدود التسامح بين المسلم والكافر، ما معنى سماحة الإسلام، ما معنى أنه دين التسامح، ما هو المقصود بهذه العبارة وما هو  حكم الشريعة فيها.
التسامح مع غير المسلمين.
عباد الله: لقد كانت سماحة الإسلام من أعظم أسباب سرعة انتشاره، وكانت تلك السرعة الهائلة التي طوى فيها الإسلام أكثر المعمور من الأرض تحت ظله الظليل؛ كان راجعاً إلى عدل هذه الشريعة وحكمتها، عندما رأى العباد ما لا عهد لهم به من قبل، كانوا يرزحون تحت الظلم والبغي وعبادة العباد، فجاءت هذه الشريعة لتنقذهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ورأى أصحاب البلاد المفتوحة عدل المسلمين وتعاملهم فكان في ذلك أكبر الأثر في انتشار الإسلام في البلدان، على خلاف ما ردد أعداء الدين من تصوير الفتوحات الإسلامية غزواً مادياً لنهب ثروات الأمم واغتصاب خيراتها، وحرمانها من نعم الله عليها، وتصوير هذه الفتوحات بأنها إكراه للناس بقوة السلاح على الدخول في الدين، هذه الفتوحات كانت رحمة للبلاد المفتوحة، وكان التعامل شاهداً على عظمة الدين في نفوس الفاتحين، ممن التزم به وتقيد بشرعه، وفي يوم الفتح عندما تمكن النبي صلى الله عليه وسلم من أهل مكة الذين أخرجوه منها وكانوا قد منعوه من إبلاغ دين الله بينهم، وحالوا دون إيصال الدعوة إلى غيرهم فكفروا هم وصدوا غيرهم عن سبيل الله، ماذا فعل بهم نبي الله صلى الله عليه وسلم لما قدر عليهم؟ هل أخذ بيوتهم؟ هل سفك دمائهم بغير قتال، هل ذبح نسائهم وأطفالهم، أم أنه أطلقهم لا تثريب عليكم اليوم، أنتم الطلقاء، وهكذا كانت فتوحات المسلمين في البلاد الأخرى، فنقرأ مصالحات أبي عبيدة بن الجراح لأهل الشام على الإبقاء على معابدهم من البيع والكنائس داخل المدن وخارجها مصونة لا يُهدم منها شيء وصالحهم على حقن دمائهم وحفظ حياتهم، ولكن لا يبنوا كنيسة جديدة، ولا يضيفوا إلى الموجود شيئاً آخر، ولا يظهروا صلبانهم ولا نواقيسهم لأن إظهار الكفر في بلاد الإسلام لا يجوز، وصالحهم على الدفاع عنهم وحمايتهم من أي اعتداء آخر مقابل مبلغ من المال مقدور عليه، يدفعه كل واحد منهم ولذلك سموا بأهل الذمة، وهؤلاء المعاهدين وأهل الذمة وفيت لهم الشروط، وشاهدوا حسن السيرة فيهم، وبهذه المعاملة رغبوا في دين الإسلام، وأقبلوا عليه وارتفعت الجزية عمَّن أسلم منهم وصاروا أخوة لنا في الدين، وهكذا تحولت بلاد مصر والشام والعراق إلى بلاد إسلامية دخلت شعوبها في الإسلام لما رأوا من عدله وحسنه، هذه الأخلاق التي عبر عنها أعداء الإسلام أيضاً.
ولما كتب يزدجرد ملك الفرس إلى ملك الصين يستمده قال للرسول قد عرفت أن حقاً على الملوك إنجاد الملوك على من غلبهم فصف لي صفة هؤلاء القوم الذين أخرجوكم من بلادكم فإني أراك تذكر قلة منهم وكثرة منكم، ولا يبلغ أمثال هؤلاء القليل الذين تصف منكم فيما أسمع من كثرتكم إلا بخير عندهم وشر فيكم، قال سل عما أحببت، قال أيوفون بالعهد، قال نعم، قال ما يقولون لكم قبل أن يقاتلوكم، قال يدعوننا إلى واحدة من ثلاث إما دينهم، فإن أجبناهم أجرونا مجراهم، أو الجزية والمنعة، أي الجزية مع الحماية، أو القتال، قال فما يحلون وما يحرمون، قال فأخبرته قال أيحرمون ما حلل لهم أو يحلون ما حرم عليهم، قلت لا، قال فإن هؤلاء القوم لا يهلكون أبداً حتى يحلوا حرامهم ويحرموا حلالهم، فكتب ملك الصين إلى ملك الفرس إن هؤلاء القوم الذين وصف لي رسولك لو يحاولون الجبال لهدوها، ولو خُلي لهم طريقهم أزالوني ما داموا على ما وصف، فسالمهم وأرض منهم بالمساكنة ولا تهيجهم ما لم يهيجوك.
مفهوم لا إكراه في الدين.
الإسلام لا يجبر الشخص على الدخول فيه قال الله تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِسورة البقرة256. قال ابن كثير رحمه الله: "أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام فإنه بيّن واضح جلي في دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يُكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة، فأكثر الكفار دخلوا في دين الإسلام بالاقتناع، وليس بالقوة، وكانت الحرب عندما يرفض الكفار تسليم بلدانهم للمسلمين، كان المسلمون يريدون البلدان لإقامة شرع الله فيها، وتحكيم الإسلام فيها، ودعوة الناس بالحسنى، فإذا قام ملك دون ملكه وسلطان دون سلطانه وكفار يمنعون المسلمين من الدخول لتحيكم الإسلام كان القتال يقوم، من أجل أن يُقام الدين، وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهسورة الأنفال39. وهكذا كانت راية الإسلام تعلو في البلدان المختلفة، إن دعوة الإسلام إلى المسامحة شيء معروف لكنه ليس ذلاً ولا تنازلاً عن شيء من الدين، والكفار لا يُعاملون في الشريعة معاملة واحدة، لأنها قائمة على العدل، فهم أنواع، فمنهم كفار محاربون وكفار مسالمون، فالكفار المحاربون لا يجوز أن يُفعل لهم معروف، ولا نوع من البر، ولا الصلة، ما داموا قائمين بالحرب، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
 
إن دعوة الإسلام إلى المسامحة شيء معروف لكنه ليس ذلاً ولا تنازلاً عن شيء من الدين، والكفار لا يُعاملون في الشريعة معاملة واحدة، لأنها قائمة على العدل، فهم أنواع، فمنهم كفار محاربون وكفار مسالمون، فالكفار المحاربون لا يجوز أن يُفعل لهم معروف، ولا نوع من البر، ولا الصلة، ما داموا قائمين بالحرب، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
 
سورة الممتحنة9. إذاً هؤلاء لا يمكن عمل المعروف معهم، ما داموا قد حملوا السلاح على المسلمين، يريدون أن يطفئوا نور الله، وكفار آخرون مسالمون، يقولون للمسلمين هذه بلادنا ادخلوها وأقيموا فيها دينكم ونحن لا نريد حرباً ولا قتالاً ولا أن نرفع عليكم سلاحاً، هؤلاء الذين يرغبون في التعامل مع المسلمين على أساس السلم والاحترام المتبادل وأن تكون الهيمنة للإسلام والحكم للإسلام، والشريعة المطبقة في البلد الإسلام لا يجوز الاعتداء عليهم بأي نوع من الاعتداء البتة.
أمثلة من تعامل النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف مع غير المسلمي
عباد الله: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم بدعوة أهل الكتاب ويزور مرضاهم طاعة لله، ولا ينهى البنت المسلمة أن تبر أمها المشركة ما دامت جاءت راغبة في الصلة غير رافعة للسلاح على المسلمين، والكافر إذا كان معاهداً أو ذمياً فلا يجوز خرق عهد الأمان معه ولا الاعتداء عليه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة)[رواه أبو داود3052]. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
النبي صلى الله عليه وسلم قال من قتل معاهداً له ذمة الله، وذمة رسوله؛ حرّم الله عليه ريح الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين خريفا.
عباد الله: لقد جاء النهي عن قتل النساء، والصبيان في الحروب فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "وجدت امرأة مقتول في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان"، رواه البخاري ومسلم. فإذا لم يحملوا السلاح أي النساء، والصبيان ولم يعينوا على المسلمين لم يجز مسهم بسوء ولم يجز قتلهم ولا إعمال السلاح فيهم، وقام أئمة الإسلام بالدفاع عن أهل الذمة في البلدان التي كانت تحكم بالشريعة عندما يتعرضون للظلم، فقام الأوزاعي رحمه الله يشكو والي جبل لبنان من أقرباء الخليفة إلى الخليفة لأنه أجلى جماعة من أهل الذمة لخروج نفر منهم على عامل الخراج، فقال: "لا تزر وازرة وزر أخرى"، فلا يؤخذ البرئ بجريرة المذنب، ولما عمد الوليد بن يزيد إلى إجلاء الذميين من قبرص إلى الشام تحسباً لحملة رومية اعترض الفقهاء على مسلكه، وشيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله رحمه أن يطلق التتر أسرى المسلمين دون أهل الذمة، فأصر شيخ الإسلام على التتر أن يطلقوا أهل الذمة مع المسلمين، لأن التتر أخذوا من الجميع أسرى، صلاح الدين الأيوبي رحمه الله لما جاءته المرأة من الكفار النصارى وهم أعداؤه تطلب منه طلباً خاصاً أن يرد إليها ولدها الصغير، أمر بالبحث عنه فوجده قد بيع مع السبي وهذا حق للمسلمين إذا حاربوا الكفار وحاربهم الكفار أن يؤخذ نساء الكفار وأولادهم سبياً يتربون عند المسلمين فيتأثروا بالإسلام فينشئوا عليه، وكان في ذلك فائدة كبيرة بدلاً من أن ينشئوا عند آبائهم الكفار، فلما وجد صلاح الدين الولد قد بيع اشتراه بماله الخاص، ووهبه لتلك المرأة، ولما أراد بعض خلفاء المسلمين أن يبادل الأسرى مع الكفار وقف المسلمون على طرف النهر والكفار على الطرف الآخر وبينهما جسر وصار يعبر واحد من أسرى المسلمين من طرف الكفار وواحد من أسرى الكفار من طرف المسلمين مبادلة الأسرى واحد بواحد، وهكذا حصلت المبادلة فانتهى المسلمون الأسرى وبقي أسرى من الكفار في يد الخليفة فرأى إظهاراً لمنة الإسلام على الكفار وكسباً للموقف أن يطلق البقية الباقية بدون مقابل، ولذلك كان حكم الشريعة في الأسرى الكفار المأخوذين إما أن يقتلوا وإما أن يسترقوا وإما أن يفادوا بالمال وإما أن يُمن عليهم بلا مقابل، ليس بحسب الهوى، لكن بحسب ما تقتضيه المصلحة الشرعية، فإن كانوا من أهل الخبرة في القتال ولو رجعوا للكفار كانوا وبالاً على أهل الإسلام يقتلون ولا يتركون، ولو كان في أخذهم سبياً مصلحة لهم وللمسلمين يؤخذون سبياً، ولو كان من المصلحة تحصيل مال مقابل لهم من أجل حاجة للمسلمين كان الفداء بالمال، وإن كان عند الكفار أسرى في المقابل من المسلمين تكون المبادلة الأسرى بالأسرى، وإن كانت المنة هي المصلحة الشرعية كسباً للموقف وتأثيراً دعوياً في الكفار يطلق الأسرى بلا مقابل، بحسب ما تقتضيه الشريعة.
حلات لايجوز فيها التسامح مع الكفار.
لكن أيها الأخوة: التسامح إلى أي حد؟ لا شك أن التسامح مع أعداء الإسلام له حدود معينة، وهذه القضية التي يريد عدد من المنافقين والكفار أن يضيعوها، ويريدوا أن يقولوا أنه تسامح على طول الخط مهما فعل الكفار ومهما قاموا به تسامح على طول الخط، من الذي قال ذلك، وفي أي كتاب من كتب الشريعة هذا؟ أين الآية أو الحديث الدال عليه؟ بل إن الآيات والأحاديث تدل على خلاف ذلك، أنه يوجد حالات لا تسامح فيها مع الكفار، إطلاقاً والتسامح حرام وخزي وذل لا يجوز للمسلمين أن يفعلوه، فلما نقض بنو قينقاع العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغدر الصائغ ويهود بني قيقناع بالمسلمين واستصرخ المسلم أهل الإسلام قاموا إليهم، ونابذوهم وهكذا كانت الحرب على بني قينقاع لغدرهم، ولما قام بنو النضير بمحاولة أخرى غادرة أيضاً وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج إليهم مع بعض أصحابه من أجل أن يتحاوروا حوار الأديان واشتمل اليهود على الخناجر يريدون الانفراد بالنبي عليه الصلاة والسلام يتقدم ثلاثة ويتقدم النبي صلى الله عليه وسلم لمحاورتهم فيجهزوا عليه، اشتمل اليهود على الخناجر، فجاء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمؤامرة فرجع وتجهز وغزا بني النضير، وحرق نخيلهم إخزاءً لهم وفتاً في عضدهم، وحاصرهم حتى نزلوا على الجلاء، فخرجوا من ديارهم يجرون أذيال الخيبة والهزيمة وغادروا تلك الحصون والقلاع وسُلمت بالكامل للمسلمين، وبنو قريظة وما أدراك ما بنو قريظة عندما جاءت الأحزاب فحاصروا المدينة وابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد عاهد يهود بني قريظة من قبل حتى تستتب له الأمور فلما قام اليهود بالغدر والممالئة وممالئة كفار قريش على نبي الله صلى الله عليه وسلم ونقضوا العهد وخالفوا الشروط بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم جاء جبريل بالأمر بالقتال وأخذ يهود بني قريظة بعد الحصار وهكذا من أنبت منهم الشعر الدال على بلوغه قُتل فقتل رجالهم أجمعين، وهكذا حكم فيهم سعد بن معاذ رضي الله عنه بحكم الملك من فوق سبع سماوات، بحكم الملك من فوق سبع سماوات، إذاً هذه حالات لا تسامح فيها أبداً، إذا غدروا لا مسامحة البتة.
مثال آخر قدم أناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة وسكنوا فيها، هؤلاء الأعراب وأظهروا الإسلام، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أمر لهم بلقاح أعطاهم مجموعة من الإبل من بيت المال صدقة يتصدق عليهم من ألبانها ليشربوا منها، وأعطاهم راعياً مع الإبل يخدمهم، هؤلاء لما صحوا ورجعت إليهم العافية قتلوا راعي النبي عليه الصلاة والسلام وفقأوا عينه، وارتدوا عن الإسلام وأخذوا الإبل سرقوها وهربوا بها، فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول النهار، فبعث في آثارهم فلما ارتفع النهار جيء بهم، قوة المسلمون ما تعالى النهار إلا وجميع الكفار مرصوصين عند النبي صلى الله عليه وسلم، موثقين، جيء بهم قدرة على الإتيان بالمجرمين فوراً، ما تعالى النهار إلا وهم مقيدون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل هناك تسامح؟ هل هناك تسامح في هذه الحالة؟ إطلاقاً، ماذا فعل هؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم كحلوا بمسامير الحديد المحماة وفقئت أعينهم كما فعلوا بالراعي، قصاصاً ثم ألقوا في الحرة على الصخور الحامية يستسقون الماء فلا يسقون وينزفون حتى الموت، جزاءً وفاقاً بما فعلوا[رواه البخاري233، ومسلم1671]. والحديث في البخاري ومسلم.
ابن خطل الذي كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يوجد تسامح مع الذي يسب النبي عليه الصلاة والسلام، دخل عام الفتح صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاء رجل فقال إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، هذا الكافر الآن يلوذ بالكعبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اقتلوه، رواه البخاري ومسلم. قتلوه يؤخذ من الكعبة ويقتل لا مسامحة، لماذا؟ كان مسلماً فأرسله النبي صلى الله عليه وسلم مع أحد الأنصار وأعطاهم خادماً وفي الطريق قام ابن خطل فغضب عليه وقتله وارتد عن الإسلام واتخذ جاريتين تغنيان بهجاء النبي عليه الصلاة والسلام، فكان الجزاء من جنس العمل جزاءً وفاقا، وهكذا لما جاء عقبة بن أبي معيط الذي كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسبه جيء به مقبوضاً عليه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يقتله فقال الكافر ساب النبي عليه الصلاة والسلام يا محمد من للصبية، أولادي الصغار، هل هناك تسامح، من للصبية قال ( النار)، النار لك وهكذا قُتل هذا الرجل[رواه ابو داود2686]. والحديث رواه أبو داود، وهو حديث حسن صحيح،  النار عبارة عن الضياع إن صلحت النار أن تكون كافلة فهي فيها، إن صلحت النار أن تكون كافية لصبيتك تصلح أنت عندئذ لكفالتهم، ليس لك بقاء على وجه الأرض ولا تستحق المعيشة، ويقتل وهكذا لما قامت امرأة تشتم النبي صلى الله عليه وسلم عند رجل أعمى من المسلمين فأخذ المغول فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دم تلك المرأة وقال: (ألا اشهدوا أن دمها هدر)[رواه ابو داود4361]. رواه أبو داود. فلا تسامح في الحدود الشرعية وساب النبي عليه الصلاة والسلام يقتل وهكذا يقام الحد ولا تسامح، حد الردة أيضاً ولذلك لما جاء معاذ بن جبل إلى أبي موسى وهما باليمن فألقى أبو موسى وسادة إكراماً لمعاذ، قال انزل وإذا رجل عنده موثق قال: "ما هذا؟" قال: "كان يهودياً فأسلم ثم تهود، ارتد، اجلس"، قال: "لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله، ثلاث مرات"، فأمر به فقتل، حد الردة لا بد أن يقام والحدود الأخرى أيضاً إذا بلغت الحاكم والقاضي لا شفاعة ولا تسامح أتشفع في حد من حدود الله، إذاً القضية أيها الأخوة: واضحة جداً لا يمكن التسامح في هذه الحالات، فمن زعم أن التسامح على طول الخط فهو ضال مضل كذاب مفترٍ على هذه الشريعة، هناك رحمة في الدين نعم، لعن الله من فرق بين والده وولدها، لا يباع الطفل ولو كان في السبي وتباع أمه إلى شخص آخر، يباعان جميعاً، لا يفرق بين الوالده وولدها، حتى في سبيل الكفار رحمة بالوالدة، هناك تسامح في حالات كما مر معنا نعم، ولكن في الحالات الأخرى لا، فينبغي أن نعرف إذاً ما حقيقة التسامح في دين الإسلام. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المتخلقين بأخلاق هذا الدين. اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مؤمنين وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق