الاثنين، 10 أغسطس 2015

لقَدْ مَيَّزَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذِهِ الشَّرِيعَةَ وَاخْتَصَّهَا بِالسَّمَاحَةِ وَالْيُسْرِ وَالتَّيْسِيرِ،

 كتب / دكتور وائل بكري‏.

لَقَدْ مَيَّزَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذِهِ الشَّرِيعَةَ وَاخْتَصَّهَا بِالسَّمَاحَةِ وَالْيُسْرِ وَالتَّيْسِيرِ، فَلَمْ تَكُنْ شَرِيعَةَ تَشْدِيدٍ يَوْماً، وَلَا دِينَ عُسْرٍ لَحْظَةً؛ فَقَدْ جَاءَتْ لِتَحْقِيقِ رَغَبَاتِ الإِنْسَانِ النَّفْسِيَّةِ وَمُتَطَلَّبَاتِهِ الرُّوحِيَّةِ، وَهِيَ شَرِيعَةُ الْوَسَطِ وَالاِعْتِدَالِ، لَا تَعْرِفُ الْجِدَّ الْمُرْهِقَ، وَلَا الْعَمَلَ الشَّاقَّ، وَفِي الْمُقَابِلِ لَيْسَ لِلَّهْوِ الْمُسْتَمِرِّ وَاللَّعِبِ الدَّائِمِ وُجُودٌ فِي قَامُوسِهَا؛ قَالَ تَعَالَى: (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) [القصص:77].
وإِذَا كَانَتِ النُّفُوسُ تَمَلُّ وَتَسْأَمُ حَالَ الْعِبَادَةِ مَعَ تَعَلُّقِهَا بِاللهِ تَعَالَى، فَإِنَّهَا فِي حَالِ الْمُبَاحَاتِ مِنْ بَابِ أَوْلَى أَكْثَرُ سَآمَةً وَأَشَدُّ مَلَلاً.
فَهَذَا أَبُو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه لَمَّا أَرْهَقَ نَفْسَهُ بِكَثْرَةِ التَّعَبُّدِ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ لَا يُفْطِرُ إِذَا صَامَ، وَلَا يَنَامُ إِذَا قَامَ؛ قَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
وَهَذَا ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَقُولُ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا»
[رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
وَقَدْ عَقِلَ السَّلَفُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ هَذَا الْمَعْنَى جَيِّداً، فَقَدْ كَانَ لِلتَّرْوِيحِ وُجُودٌ فِي حَيَاتِهِمْ، وَاللَّهْوِ الْمُبَاحِ حُصُولٌ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَحُضُورٌ فِي أَقْوَالِهِمْ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه : «إِنَّ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الأَبْدَانُ، فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكَمِ».
وَكَانَ يَقُولُ أَيْضاً رضي الله عنه : «رَوِّحُوا الْقُلُوبَ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ؛ فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا أُكْرِهَ عَمِيَ».
أَمَّا طَرِيقَةُ السَّلَفِ الْعَمَلِيَّةُ: فَقَدْ كَانُوا يَتَرَامَوْنَ بِالْبَطِّيخِ، فَإِذَا جَدَّ الْجِدُّ كَانُوا هُمْ مَنْ هُمْ فِي الشَّجَاعَةِ وَالإِقْدَامِ، وَقَدْ كَانُوا يَتَصَارَعُونَ وَيَتَسَابَقُونَ عَلَى الأَقْدَامِ تَارَةً، وَعَلَى الْخَيْلِ وَالإِبِلِ تَارَةً، وَكَانُوا يَضْحَكُونَ وَيَتَمَازَحُونَ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا يُنْقِصُ مِنْ قَدْرِهِمْ، وَلَا يَحُطُّ مِنْ شَأْنِهِمْ؛ قَالَ عُمَرُ t: «كَانَ الْقَوْمُ يَضْحَكُونَ وَالإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ أَرْسَى مِنَ الْجِبَالِ». ضَحِكٌ لَا يُفْسِدُ الأَخْلَاقَ، وَلَعِبٌ لَا يُسْقِطُ الْهَيْبَةَ، وَفَرَحٌ لَا يُنْقِصُ الْقَدْرَ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق