الأربعاء، 15 يناير 2014

نواسخ القرآن


نواسخ القرآن
للامام ابن الجوزي


[ 1 ]
نواسخ القرآن تصنيف الحافظ جمال الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن الجوزى القريشي البغدادي

[ 2 ]
جميع الحقوق محفوظة لدار الكتب العلمية بيروت - لبنان

[ 3 ]
بسم الله الرحمن الرحيم المصنف والمصنف المؤلف: الامام (ابن الجوزى) (*) 508 - 597 ه‍ 1 - نسبه: هو الامام أبو الفرج عبد الرحمن بن على بن محمد بن على بن عبيدالله ابن عبد الله بن هادى بن أحمد بن محمد بن جعفر الجوزى وقد لقب جعفر بالجوزى نسبة الى مشرعة الجوز على نهر البصرة أو الى جوزة كانت في داره وهو عربي قريشي تيمى بكرى يتصل نسبه بأبى بكر الصديق (رضى الله عنه) وعرف بالبغدادي مولدا واقامة وبالحنبلي مذهبا. 2 - درس العلم وهو صغير، فسمع الحديث وحفظ القرآن على الحافظ محمد بن ناصر الحنبلى ثم درس الوعظ على أبى القاسم الهروي وبعده صاحب الفقيه ابن الزاغونى الحنبلى (ت 528) فأخذ عنه من فنون العلم حظا وافرا وخصوصا الحديث والفقه والوعظ الذى أصبح في عصر ابن الجوزى فنا له أصوله وقواعده

راجع ترجمته في وفيات الاعيان 1 - 279 البداية والنهاية 13 - 28 - 30 مفتاح السعادة 1 - 207 ذيل الروضتين 21 - 28 ابن الوردى 2 - 118 آداب اللغة 3 - 91 دائرة المعارف 1 - 125 الكامل لابن الاثير 10 - 228 اليافعي 3 - 489 - 492 مختصر دول الاسلام 9 - 2 - 79 النجوم الزاهرة 6 - 174 - 176 تذكرة الحفاظ 4 - 131 الاعلام 2 - 316 (*)

[ 4 ]
ثم قرأ الفقه والخلاف والجدل والاصول على أبى بكر الدينورى والقاضى أبى يعلى وغيرهم كثير كابن منده الذين تلقى منهم علم عصره ومن شدة انصرافه لطلب العلم لم يكن في صغره على ما كان عليه أترابه من حب اللهو واللعب بل انشغل في العلم وحفظه وكتابته، وهذا لما له من نضوج عقلي الى جانب حافظة واعية وقد قال عن نفسه (قد رزقت عقلا وافرا في الصغر يزيد على عقل الشيوخ). 3 - قال عنه ابن خلكان (1 / 279) (كان علامة عصره وامام وقته في الحديث وصناعة الوعظ، صنف في فنون كثيرة، منها (زاد المسير في علم التفسير) أربعة أجزاء أتى فيه بأشياء غريبة، وله في الحديث تصانيف كثيرة وله (المنتظم) في التاريخ وهو كبير وله (الموضوعات) في أربعة أجزاء... وبالجملة فكتبه أكثر من أن تعد، وكتب بخطه شيئا كثيرا، والناس يغالون في ذلك حتى يقولوا انه جمعت الكراريس التى كتبها وحسبت مدة عمره وقسمت الكراريس على المدة فكان ما خص كل يوم تسع كراريس (1) وهذا شئ عظيم لا يكاد يقبله عقل). ويقال: جمعت براية أقلامه التى كتب بها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فحصل منها شئ كثير، وأوصى أن يسخن بها الماء الذى يغسل به بعد موته، ففعل ذلك فكفت وفضل منها) (له أشعار لطيفة (2) منها قوله يخاطب أهل بغداد: عذيري من فتية بالعراق قلوبهم بالجفا قلب يرون العجيب كلام الغريب وقول الغريب فلا يعجب

1 - اشهر هذا الاسلوب في مدح العلماء الذين عرفوا بكثرة التاليف كالطبري مثلا. 2 - كتب الكثير من الشعر، انظر كتابه هذا (باب الوعظ) وسائر كتبه (*)

[ 5 ]
ميازيبهم ان تندت بخير الى غير جيرانهم تطلب وعذرهم عند توبيخهم مغنية الحى لا تطرب) 4 - وعرف ابن الجوزى بحضور الذهن وسرعة البديهة وحسن التصرف والاجابات اللبقة تجاه الاسئلة المحرجة. نقل ابن خلكان أن نزاعا في المفاضلة بين أبى بكر وعلى قد وقع بين أهل السنة والشيعة في عهد ابن الجوزى (فرضى الكل يما يجيب به الشيخ فأقاموا شخصا يسأله عن ذلك وسط مجلس وعظه فقال: (أفضلهما من كانت ابنته تحته) ونزل في الحال حتى لا يراجع في السؤال، فقال السنية: أراد أبا بكر لان ابنته عائشة تحت النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الشيعة: أراد عليا لان ابنة النبي فاطمة كانت تحت على وعلق ابن خلكان على ذلك (وهذا من لطائف الاجوبة ولو حصل بعد الفكر التام وامعان النظر كان في غاية الحسن فضلا عن البديهة). 5 - قال عنه ابن كثير في البداية والنهاية: (أحد أفراد العلماء، برز في علوم كثيرة، وانفرد بها عن غيره وجمع المصنفات الكبار والصغار نحوا من ثلاثمائة مصنف، وكتب بيده نحوا من مائتي مجلد). (وله في العلوم كلها اليد الطولى والمشار كات في سائر أنواعها من التقسير والحديث والتاريخ والحساب والنجوم والطب والفقه وغير ذلك من اللغة والنحو). (وله من المصنفات في ذلك ما يضيق هذا المكان عن تعدادها وحصر أفرادها منها كتابه في التفسير المشهور (بزاد المسير) وله تفسير أبسط منه لكنه ليس بمشهور. وله جامع المسانيد استوعب غالب مسند أحمد وصحيحي البخاري ومسلم وجامع الترمذي). (وله كتاب (المنتظم في تواريخ الامم من العرب والعجم) في عشرين مجلدا.

[ 6 ]
(وقد أوردنا في كتابنا هذا كثيرا من حوادثه وتراجمه، ولم يزل يؤرخ أخبار العالم حتى صار هو تاريخا). مازلت تدأب في التاريخ مجتهدا حتى رأيتك في التاريخ مكتوبا 6 - قال الحافظ الذهبي: (ما علمت أ ن أحدا من العلماء صنف ما صنف هذا الرجل). وقال ابن تيمية (ذيل الروضتين لابن رجب). (عددت له أكثر من الف مصنف ورأيت بعد ذلك ما لم أره). 7 - وكما شارك ابن الجوزى في علوم عصره وبرز بها، فقد كانت له المنزلة التى لا تدانى في الوعظ، فاشتهر بمجالس وعظه التى كان يحضرها أهل الحكم ويقصدها الناس من كل حدب وصوب يجتمعون لها بأعداد كبيرة وبز حام قل نظيره (1). وقد كان له اتصال بالخليفة العباسي الرابع والعشرين (المستضئ) (حكم 566 - 575) فألف له كتاب (المصباح المضئ في دولة المستضئ)، كما أذن له الخليفة أن يجلس للوعظ في باب بدر في قصره الذى كان يفتح للعامة ليسمعوا ابن الجوزى. 8 - وقد وصف الرحالة الاندلسي ابن جبير مجلسا من مجالس وعظه عام 580 ه‍ بعد أن ذكر له مجلسا حضره أولا: (ثم شاهدنا مجلسا ثانيا له بكرة الخميس بباب بدر في ساحة قصر الخليفة (2) ومناظره مشرفة عليه، وهذا الموضع من حرم الخليفة قد خص ابن الجوزى بالوصول إليه والتكلم فيه ليسمعه من تلك المناظر الخليفة نفسه ووالدته ومن حضر من الحرم ثم يفتح الباب للعامة فيدخلون الى ذلك الموضع وقد بسط بالحصر، وجلوس ابن الجوزى بهذا الموضع كل يوم خميس).

1 - بعض الروايات تبالغ في عدد من كان يحضر مجالسه. 2 - الخليفة وقتها كان الناصر 575 - 622. (*)

[ 7 ]
(فبكرنا لمشاهدته وقعدنا الى أن وصل هذا الخبير المتكلم فصعد المنبر وأزاح طيلسانه عن رأسه تواضعا لحرمة المكان، وقد تسطر قراء القرآن أمامه على كراسي موضوعة، فابتدروا القراءة على الترتيب، فشوفوا ما شاؤوا وأطربوا ما أرادوا وبادرت العيون بارسال الدموع). (فلما فرغوا من القراءة، وقد احصينا لهم تسع آيات من سور مختلفات، صدع ابن الجوزى بخطبته الزهراء، وأتى بأوائل الايات في أثنائها منتظمات، ومشى في الخطبة على فقرة آخر آية منها في الترتيب الى أكملها. وكانت الاية * (الله الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا، ان الله لذو فضل على الناس (1)) * (فتمادى على هذا اليسين، وحسن أي تحسين، فكان يومه هذا أعجب من أمسه، ثم أخذ في الثناء على الخليفة والدعاء له ولوالدته، وكن بها (الستر الاشرف والجناب الارأف (2)). (ثم سلك سبيله في الوعظ، كل ذلك بديهة لا روية ويصل كلامه في ذلك بالايات التى قرأها القراء من قبل في المجلس، فأرسلت وابلها العيون، وأبدت النفوس سر شوقها المكنون، وتطارح الناس عليه بذنوبهم معترفين وبالتوبة معلنين، وطاشت الالباب والعقول، وكثر الوله والذهول، وصارت الناس لا تملك تحصيلا ولا تميز معقولا ولا للبصر سبيلا). (ثم في أثناء مجلسه كان اشعارا في النسب مبرحة التشويق بديعة الترقيق، تشعل القلوب وجدا ويعود موضعها الغزلى وجدا (3)، فمن ذلك ما أنشده:

1 - سورة غافر، الاية: 61. 2 - كثر في العصر العباسي الثاني تدخل نساء الخلفاء في الحكم وخصوصا الامهات اللواتى كان لهن الاثر الكبير في سير الاحداث في بغداد، فلا بد اذن والحالة هذه ان تذكر النساء في الخطب وتمدح مع الممدوحين. 3 - تطالع في هذا الكتاب استشهاداته في شعر الغزل والمديح التى يحول معناها الى حب في الله. (*)

[ 8 ]
أين فؤادى ؟ أذابه الوجد وأين قلبى ؟ فما صحا بعد يا سعد زدنى جوى بذكرهم بالله زدنى - فديت - يا سعد ولم يزل يردد هذه الابيات والانفعال قد أثر فيه، والمدامع تكاد تمنع خروج الكلام من فيه، الى أن خاف الافحام فابتدر القيام ونزل عن المنبر عجلا، وقد أطار القلوب وجلا، وترك الناس على أحر من الجمر، يشيعونه بالمدامع الحمر، فمن معلن بالانتحاب ومن متعفر بالتراب، فيا له من مشهد ما أهول مرآه وما أسعد من رآه). (وما كنا نحسب أن متكلما في الدنيا يعطى من امتلاك النفوس والتلاعب فيها ما أعطى هذا الرجل، فسبحان من يخص بالكلام من يشاء من عباده) ا. ه‍. 9 - قال ابن عباد: (كان يراعى حفظ صحته وتلطيف مزاجه وما يفيد عقله قوة وذهنه حدة). وقال ابن كثير: (وكان فيه بهاء وترفع واعجاب بنفسه وسمو بها أكثر من مقامها وذلك ظاهر في كلامه ونثره ونظمه فمن ذلك قوله: ما زلت أدرك ما غلا بل ما علا وأكايد النهج العسر الاطولا تجرى بى الامال في حلباته جرى السعيد الى مدى ما أملا أفضى من التوفيق فيه الى الذى أعيا سواى توصلا وتغلغلا لو كان هذا العلم شخصا ناطقا وسألته هل زار مثلى ؟ قال: لا !) ولا شك لدينا أن العلوية النفسانية التى تضفيها أجواء مجالس الوعظ ومن ثم رؤية انبهار وتأثر عوام الناس بالموعظة وخصوصا المتعلقة بقضايا الموت والبعث والحساب وما شاكلها، كل هذا يولد لدى القائل اعجابا بنفسه، وهذا ما يؤثر بالتالى على أسلوب كتابته وانشائه ووعظه، فيجعله يحرص على الاستمرا في استعمال وايراد غريب القول والاثر رغبة في اظهار التفوق العلمي وفى المحافظة على مستواه المعتاد من

[ 9 ]
التأثير، كما سيأتي في كلامنا على الكتاب. ولسنا نريد بهذا، الغض من منزلة ابن الجوزى في وعظه فمثلنا يقصر عن نقد الاعلام الكبار، ولكن قصدنا التعليق على أسلوب الوعظ سواء ما كان في عصر ابن الجوزى أم في عصرنا الحاضر. 10 - توفى أبو الفرج ابن الجوزى - رحمه الله تعالى - ليلة الجمعة 12 رمضان عام 597 ه‍ / 1201 وعمره نحو التسعين، ودفن بباب حرب بالقرب من مدفن الامام أحمد بن حنبل، وأوصى بأن يكتب على قبره هذه الابيات: يا كثير العفو عمن كثر الذنب لديه جاءك المذنب يرجو الصفح عن جرم يديه أنا ضيف وجزاء الضيف احسان إليه

[ 11 ]
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤلف حدثنا الشيخ الامام العالم الاوحد شيخ الاسلام وحبر الامة قدوة الائمة سيد العلماء، جمال الدين أبو الفرج، عبد الرحمن بن على بن محمد بن على بن الجوزى قدس الله روحه، ونور ضريحه. قال: الحمد لله على التوفيق، والشكر لله على التحقيق، وأشهد أن لا اله الا هو شهادة سالك من الدليل أوضح طريق، ومنزه له عما لا يجوز ولا يليق. وصلى الله على أشرف فصيح، وأطرف منطيق، محمد أرفق نبى بأمته وألطف شفيق، وعلى أصحابه، وأزواجه وأتباعه الى يوم الجمع والتفريق، وسلم تسليما كثيرا. أما بعد: فان نفع العلم بدرايته لا بوراثته وبمعرفة أغواره لا بروايته وأصل الفساد الداخل على عموم العلماء تقليد سابقيهم، وتسليم الامر الى معظميهم، من غير بحث عما صنفوه ولا طلب للدليل عما ألفوه. وانى رأيت كثيرا من المتقدمين على كتاب الله عزوجل بآرائهم الفاسدة، وقد دسوا في تصانيفهم للتفسير أحاديث باطلة وتبعهم على ذلك مقلدوهم، فشاع ذلك وانتشر، فرأيت العناية بتهذيب علم الاغاليط من اللازم. وقد ألفت كتابا كبيرا سميته بالمغنى في التفسير يكفى عن جنسه، وألفت كتابا متوسط الحجم مقنعا في ذلك العلم سميته زاد المسير وجمعت كتابا دونه سميته بتيسير التبيان في علم القران واخترت فيه الاصوب من الاقوال ليصلح للحفظ واختصرته بتذكرة الاريب في تفسير الغريب، وارجو أن تغنى هذه المجموعات عن كتب التفسير مع كونها مهذبة عن خللها سليمة من زللها.

[ 12 ]
فصل ثم انى رأيت الذين وقع منهم التفسير صحيحا قد صدر عنهم ما هو أفظع فألمني وهو الكلام في الناسخ والمنسوخ، فانهم أقدموا على هذا العلم فتكلموا فيه وصنفوه. وقالوا بنسخ ما ليس بمنسوخ، ومعلوم أن نسخ الشئ، رفع حكمه واطلاق القول برفع حكم آية لم يرفع جرأة عظيمة. ومن نظر في كتاب الناسخ والمنسوخ للسدى رأى من التخليط العجائب، ومن قرأ في كتاب هبة الله المفسر (2) رأى العظائم. وقد تداوله الناس لاختصاره، ولم يفهموا دقائق أسراره فرأيت كشف هذه الغمة عن الامة ببيان ايضاح الصحيح، وهتك ستر القبيح، متعينا على من أنعم الله عليه بالرسوخ في العلم وأطلعه على أسرار النقل، واستلب زمامه من أيدى التقليد فسلمه الى يد الدليل فلا يهوله قول معظم، فكيف بكلام جاهل مبرسم. فصل وقد قدمت أبوابا قبل الشروع في بيان الايات هي كالقواعد والاصول للكتاب ثم أتيت بالايات المدعى عليها النسخ على ترتيب القرآن الا أنى أعرضت عن ذكر آيات أدعى عليها النسخ من حكاية لا تحصل الا تضييع الزمان أفحش تضييع كقول السدى: * (وآتوا اليتامى أموالهم) * (3) نسخها * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) * (4) وقوله * (والذين

(1) اسماعيل بن عبد الرحمن بن ابى كريمة السدى، نسبة الى سدة مسجد الكوفة اخرج له مسلم والاربعة، ووثقه ايضا الامام أحمد وابن حبان والنسائي في الكنى. وايضا العجلى في تاريخه صفحة 66. توفى سنة 128 ه‍. (2) هبة الله المفسر، وهو ابن سلامة بن نصر بن على أبو القاسم الضرير، له مؤلفات عديدة منها الناسخ والمنسوخ في القرآن. توفى سنة 410 للهجرة. انظر تاريخ بغداد 4 / 170، وشذرات الذهب 3 / 192. (3) سورة النساء جزء من الاية: 2. (4) سورة النساء، جزء من الاية: 5. (*)

[ 13 ]
ينفقون أموالهم رئاء الناس) * (1) نسخها * (قل أنفقوا طوعا أو كرها) * (2) وقوله: * (إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان) *. (3) نسخها * (أو آخران من غيركم) * (4) وقوله: * (ثم ردوا الى الله مولاهم الحق) * (5) نسخها * (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا) * (6) وقوله: * (ولذكر الله أكبر) * (7) نسخها * (فاذكروني أذكركم) * (8) في نظائر كثيرة الايات. لا ادرى أي الاخلاط الغالبة حملته على هذا التخليط. فلما كان مثل هذا ظاهر الفساد، وريت عنه غيرة هعلى الزمان أن يضيع، وان كنت قد ذكرت مما يقاربه طرفا، لابنه. بمذكوره على مغفله. فصل ولما رأيت المصنفين في هذا العلم قد تباينوا، فمنهم من أطال بما لا حاجة بمثل هذا التصنيف إليه، ومنهم من قلد القائلين ولم يحكم على الاحتلاف ببيان الصواب ومنهم من نقص بحذف ما يحتاج إليه أنبئك بهذا الكتاب متوسطا، وحذفت كثيرا من الاسانيد والطرق خوف الملل والله ولى التوفيق.

(1) سورة النساء، جزء من الاية: 38. (2) سورة التوبة، الاية: 53. (3) سورة المائدة، الاية: 106. (5) سورة الانعام، الاية: 62. (6) سورة محمد صلى الله عليه وسلم، الاية: 11. (7) سورة العنكبوت، الاية: 45. (8) سورة البقرة، الاية: 152. (*) تم تصحيحه أنس نواسخ القرآن

[ 14 ]
الباب الأول باب بيان جواز النسخ والفرق بينه وبين البداء اتفق جمهور علماء الأمم على جواز النسخ عقلا وشرعا وانقسم اليهود في ذلك ثلاثة أقسام فالقسم الأول قالوا لا يجوز عقلا ولا شرعا وزعموا أالنسخ هو عين البداء والقسم الثاني قالوا يجوز عقلا وإنما منع الشرع من ذلك وزعموا أن موسى عليه السلام قال إن شريعته لا تنسخ من بعده وإن ذلك في التوارة ومن هؤلاء من قال لا يجوز النسخ إلا في موضع واحد وهو أنه يجوز نسخ عبادة أمر الله بها بما هو أثقل على سبيل العقوبة لا غير والقسم الثالث قالوا يجوز شرعا لا عقلا واختلف هؤلاء في عيسى ومحمد صلى الله عليهما فمنهم من قال لم يكونا نبيين لأنهما لم يأتيا بمعجزة وإنما أتيا بما هو من جنس الشعوذة ومنهم من قال كانا نبيين صادقين غير أنهما لم يبعثا بنسخ شريعة موسى ولا بعثا إلى بني إسرائيل إنما بعثا إلى العرب والأميين فصل وأما الدليل على جواز النسخ عقلا فهو أن التكليف لا يخلو أن يكون موقوفا على مشيئة المكلف أو على مصلحة المكلف فإن كان الأول فلا يمتنع أن يريد تكليف العباد عبادة في مدة معلومة ثم يرفعها ويأمر بغيرها

[ 15 ]
وإن كان الثاني فجائز أن تكون المصلحة للعباد في فعل عبادة زمان دون زمان ويوضح هذا أنه قد جاز في العقل تكليف عبادة متناهية كصوم يوم وهذا تكليف انقضى بانقضاء زمان ثم قد ثبت أن الله تعالى ينقل من الفقر إلى الغنى ومن الصحة إلى السقم ثم قد رتب الحر والبرد والليل والنهار وهو أعلم بالمصالح وله الحكم فصل والدليل على جواز النسخ شرعا أنه قد ثبت أن من دين آدم عليه السلام وطائفة من أولاده جواز نكاح الأخوات وذوات المحارم والعمل في يوم السبت ثم نسخ ذلك في شريعة موسى وكذلك الشحوم كانت مباحة ثم حرمت في دين موسى فإن ادعوا أن هذا ليس بنسخ فقد خالفوا في اللفظ دون المعنى فصل وأما قول من قال لا يجوز النسخ قال إلا على وجه العقوبة فليس بشئ لأنه إذا أجاز النسخ في الجملة جاز أن يكون للرفق بالمكلف كما جاز للتشديد عليه فصل وأما دعوى من ادعى أن موسى عليه السلام أخبر أن شريعته لا تنسخ فمحال ويقال ان ابن الراوندي علمهم أن يقولوا ان موسى قال لا نبي بعدي ويدل على ما قلنا انه لو صح قولهم لما ظهرت المعجزات على يد عيسى عليه السلام لأن الله تعالى لا يصدق بالمعجزة من كذب موسى فإن أنكروا معجزة عيسى لزمهم ذلك في معجزة موسى فإن اعترفوا ببعض معجزاته لزمهم تكذيب من نقل عن موسى عليه السلام لأنه قال لا نبي بعدي ومما يدل على كذبهم فيما ادعوا أن اليهود ما كانوا يحتجون على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بكل شئ

[ 16 ]
وكان نبينا صلى الله عليه وسلم مصدقا لموسى عليه السلام وحكم عليهم بالرجم عملا بما في شريعة موسى صلى الله عليه وسلم فهلا احتجوا عليه بذلك ولو احتجوا لشاع نقل ذلك فدل على أنه قول ابتدع بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فصل وأما قول من قال ان عيسى ومحمدا عليهما السلام كانا نبيين لكنهما لم يبعثوا إلى بني إسرائيل فتغفيل عن من قائله لأنه إذا أقر بنبوة نبي فقد أقر بصدقه لأن النبي لا يكذب وقد كان عيسى عليه السلام يخاطب بني إسرائيل ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول بعثت إلى الناس كافة ويكاتب ملوك الأعاجم فصل فأما الفرق بين النسخ والبداء فذلك من وجهين الأول أن النسخ تغيير عبادة أمر بها المكلف وقد علم الآمر حين الأمر أن لتكليف المكلف بها غاية ينتهي الإيجاب إليها ثم يرتفع بنسخها والبداء أن ينتقل الأمر عن ما أمر به وأراده دائما بأمر حادث لا بعلم سابق والثاني أن سبب النسخ لا يوجب إفساد الموجب لصحة الخطاب الأول والبداء يكون سببه دالا على إفساد الموجب لصحة الأمر الأول مثل أن يأمره بعمل يقصد به مطلوبا فيتبين أن المطلوب لا يحصل بذلك الفعل فيبدو له ما يوجب الرجوع عنه وكلا الأمرين يدل على قصور في العلم والحق عز وجل منزه عن ذلك

[ 17 ]
الباب الثاني باب إثبات أن في القرآن منسوخا انعقد إجماع العلماء على هذا إلا أنه قد شذ من لا يلتفت إليه فحكى أبو جعفر النحاس أن قوما قالوا ليس في القرآن ناسخ ولا منسوخ وهؤلاء قوم لا يقرون لأنهم خالفوا نص الكتاب وإجماع الأمة قال الله عز وجل ما ننسخ من آية أو ننسها وأخبرنا المبارك بن علي قال أخبرنا أحمد بن قريش قال أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال أخبرنا أبو بكر محمد بن إسماعيل بن العباس الوراق قال بنا عبد الله بن داود وقال حدثنا محمد بن عامر بن إبراهيم عن أبيه عن نشهل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى يمحو الله ما يشاء

[ 18 ]
ويثبت قال في الناسخ والمنسوخ قال ابن داود وحدثنا يعقوب بن سفيان قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما يمحو الله ما يشاء ويثبت ويقول يبدل الله ما يشاء من القرآن فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدله وما يبدل وما يثبت وكل ذلك في كتاب قال ابن أبي داود وحدثنا يونس بن حبيب قال حدثنا أبي داود وقال حدثنا همام عن قتادة عن عكرمة في قوله يمحو الله ما يشاء ويثبت قال ينسخ الآية بالآية فترفع وعنده أم الكتاب أصل الكتاب قال وحدثنا علي بن حرب ومصعب بن محمد ويعقوب بن سفيان قالوا حدثنا عبيد الله بن موسى عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب في قوله عز وجل يمحو الله ما يشاء ويثبت قال نزلت في الناسخ والمنسوخ قال وحدثنا محمد بن الحسن قال حدثنا كثير بن يحيى قال حدثنا أبي قال بنا يونس بن عبيد وهشام ابن حسان جميعا عن محمد بن سيرين يمحو الله ما يشاء يرفعه ويثبت ما يشاء

[ 19 ]
فيدعه مقرا له قال وحدثنا موسى بن هرون قال حدثنا الحسين قال ثنا شيبان عن قتادة ومنه آيات محكمات قال المحكمات الناسخ الذي يعمل به قال وحدثنا محمد بن معمر قال ثنا روح قال حدثنا الحسن بن علي بن عفان عن عامر ابن الفرات عن أسباط عن السدي يمحو الله ما يشاء ويثبت ما يشاء من المنسوخ ويثبت من الناسخ قال وحدثنا منه آيات محكمات قال لم تنسخ ورواه سفيان عن سلمة عن الضحاك قال المحكمات الناسخ أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أخبرنا إسحاق بن أحمد الكاذي قال حدثنا عبد الله ابن أحمد بن حنبل رضي الله عنه قال حدثني أبي قال حدثنا وكيع عن سلمة بن نبيط عن الصحابة قال المتشابه ما قد نسخ والمحكمات ما لم ينسخ وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي أعلمنا بالمنسوخ

[ 20 ]
الباب الثالث باب بيان حقيقة النسخ النسخ في اللغة على معنيين الأول الرفع والإزالة يقال نسخت الشمس الظل إذا رفعت ظل الغداة بطلوعها وخلفه ضوؤها ومنه قوله تعالى فينسخ الله ما يلقي الشيطان والثاني تصوير مثل المكتوب في محل آخر يقولون نسخت الكتاب ومنه قوله تعالى إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون وإذا أطلق النسخ في الشريعة أريد به المعنى الأول لأنه رفع الحكم الذي ثبت تكليفه للعباد إما بإسقاطه إلى غير بدل أو إلى بدل وقال شيخنا علي بن عبيد الله الخطاب في التكليف على ضربين أمر ونهي فالأمر استدعاء الفعل والنهي استدعاء الترك واستدعاء الفعل يقع على ثلاثة أضرب الضرب الأول ما يكون على سبيل الالزام والانحتام من إما بكونه فرضا أو واجبا ونسخ ذلك يقع على ثلاثة أوجه الأول أن يخرج من الوجوب إلى المنع مثل ما كان التوجه إلى بيت المقدس واجبا ثم نسخ بالمنع منه

[ 21 ]
والثاني أن ينسخ من الوجوب إلى الاستحباب مثل نسخ وجوب الوضوء لكل صلاة إلى أن جعل مستحبا والثالث ان ينسخ من الوجوب إلى الإباحة مثل نسخ وجوب الوضوء مما غيرت النار إلى الجواز فصار الوضوء منه جائزا والضرب الثاني استدعاء على سبيل الاستحباب فهذا ينتقل إلى ثلاثة أوجه أيضا الأول أن ينتقل من الاستحباب إلى الوجوب وذلك مثل الصوم في رمضان كان مستحبا فإن تركه وافتدى جاز ثم نسخ ذلك بانحتامه في في حق الصحيح المقيم والثاني أن ينسخ من الاستحباب إلى التحريم مثل نسخ اللطف بالمشركين وقول الحسنى لهم فإنه نسخ بالأمر بقتالهم والثالث أن ينسخ من الاستحباب إلى الاباحة مثل نسخ استحباب الوصية للوالدين بالإباحة والضرب الثالث المباح وقد اختلف العلماء هل هو مأمور به والصحيح أنه مأذون فيه غير مأمور به ويجوز أن يدخله النسخ عن وجه واحد وهو النسخ إلى التحريم مثاله أن الخمر مباحة ثم حرمت وأما نسخ الإباحة إلى الكراهة فلا يوجد لأنه لا تناقض فأما انتقال المباح إلى كونه واجبا فليس بنسخ لأن إيجاب المباح إبقاء تكليف لا نسخ وأما القسم الثاني من الخطاب وهو النهي فهو يقع على ضربين الأول على سبيل التحريم فهذا قد ينسخ بالإباحة مثل تحريم الأكل على الصائم في الليل بعد النوم والجماع والثاني على سبيل الكراهة لم يذكر له مثال فصل فأما الأخبار فهي على ضربين الأول ما كان لفظه لفظ الخبر ومعناه معنى الأمر كقوله تعالى لا يمسه إلا المطهرون فهذا لا حق بخطاب التكليف في جواز النسخ عليه

[ 22 ]
والثاني الخبر الخالص فلا يجوز عليه لأنه يؤدي إلى الكذب وذلك محال وقد حكى جواز ذلك عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم والسدي وليس بشئ يعول عليه وقال أبو جعفر النحاس وهذا القول عظيم جدا يؤول إلى الكفر لأن قائلا لو قال قام فلان ثم قال لم يقم فقال نسخته لكان كاذبا وقال ابن عقيل الأخبار لا يدخلها النسخ لأن نسخ الأخبار كذب وحوشى القرآن من ذلك فصل وقد زعم قوم أن المستثنى ناسخ لما استثنى منه وليس هذا بكلام من يعرف ما يقول لأن الاستثناء إخراج بعض ما شمله اللفظ وليس ذلك بنسخ وكذلك التخصيص وقد يجوزه بعض السلف فيقول هذه الآية نسخت هذه الأية أي نزلت بنسختها

[ 23 ]
الباب الرابع باب شروط النسخ الشروط المعتبرة في ثبوت النسخ خمسة الشرط الأول أن يكون الحكم في الناسخ والمنسوخ متناقضا بحيث لا يمكن العمل بهما جميعا فإن كان ممكنا لم يكن أحدهما ناسخا للآخر وذلك قد يكون على وجهين الوجه الأول أن يكون أحد الحكمين متناولا لما تناوله الثاني بدليل العموم والآخر متناولا لما تناوله الأول بدليل الخصوص فالدليل الخاص لا يوجب نسخ دليل العموم بل يبين أنه إنما تناوله التخصيص لم يدخل تحت دليل العموم والوجه الثاني أن يكون كل واحد من الحكمين ثابتا في حال غير الحاله التي ثبت فيها الحكم الآخر مثل تحريم المطلقة ثلاثا فإنها محرمة على مطلقها في حال وهي ما دامت خالية عن زوج وإصابة فإذا أصابها زوج ثان ارتفعت الحالة الأولى وانقضت بارتفاعها مدة التحريم فشرعت في حالة آخرى حصل فيها حكم الإباحة للزوج المطلق ثلاثا فلا يكون هذا ناسخا لاختلاف حالة التحريم والتحليل والشرط الثاني أن يكون الحكم المنسوخ ثابتا قبل ثبوت حكم الناسخ فذلك يقع بطريقتين أحدهما من جهة النطق كقوله تعالى الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم

[ 24 ]
ضعفا وقوله فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن ومثل قول النبي صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزروها بن والثاني أن يعلم بطريق التاريخ وهو أن ينقل بالرواية بإن يكون الحكم الأول ثبوته متقدما على الآخر فمتى ورد الحكمان مختلفين على وجه لا يمكن العمل بأحدهما إلا بترك الآخر ولم يثبت تقديم أحدهما على صاحبه بأحد الطريقين امتنع ادعاء النسخ في أحدهما والشرط الثالث أن يكون الحكم المنسوخ مشروعا أعني أنه ثبت بخطاب الشرع فأما إن كان ثابتا بالعادة والتعارف لم يكن رافعه ناسخا بل يكون ابتداء شرع وهذا شئ ذكر عند المفسرين فإنهم قالوا كان الطلاق في الجاهلية لا إلى غاية فنسخه قوله الطلاق مرتان وهذا لا يصدر ممن يفقه لأن الفقيه يفهم أن هذا ابتداء شرع لا نسخ والشرط الرابع أن يكون ثبوث الحكم الناسخ مشروعا كثبوت المنسوخ فأما ما ليس بمشروع بطريق النقل فلا يجوز أن يكون ناسخا للمنقول ولهذا إذا ثبت حكم منقول لم يجز نسخه بإجماع ولا بقياس والشرط الخامس أن يكون الطريق الذي ثبت به الناسخ مثل الطريق الذي ثبت به المنسوخ أو أقوى منه فأما إن كان دونه فلا يجوز ان يكون الأضعف ناسخا للأقوى

[ 25 ]
الباب الخامس باب ذكر ما اختلف فيه هل هو شرط في النسخ أم لا اتفق العلماء على جواز نسخ القرآن بالقرآن والسنة بالسنة فأما نسخ القرآن بالسنة فالسنة تنقسم قسمين القسم الأول ما ثبت بنقل متواتر كنقل القرآن فهل يجوز أن ينسخ القرآن بمثل هذا حكى فيه شيخنا علي بن عبيد الله روايتين عن أحمد قال والمشهور أنه لا يجوز وهو مذهب الثوري والشافعي والرواية الثانية يجوز وهو قول أبي حنيفه ومالك قال ووجه الأولى قوله تعالى ما ننسخ من آيه أو ننسها نأت

[ 26 ]
بخير منها أو مثلها والسنة ليست مثلا للقرآن وروى الدارقطني من حديث جابر ابن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامي لا ينسخ القرآن ينسخ بعضه بعضا ومن جهة المعنى فإن السنة تنقص عن درجة القرآن فلا تقدم عليه ووجه الرواية الثانية قوله تعالى وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم والنسخ في الحقيقة بيان مدة المنسوخ فاقتضت هذه الآية قبول هذا البيان قال وقد نسخت الوصية للوالدين والأقربين بقول النبي صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث ونسخ قوله تعالى ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه بأمره عليه الصلاة والسلام أن يقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ومن جهة المعنى أن السنة مفسرة للقرآن وكاشفة لما يغمض من معناه فجاز أن ينسخ بها والقول الأول هو الصحيح لأن هذه الأشياء تجري مجرى البيان للقرآن لا النسخ وقد روى أبو داود السجستاني قال سمعت أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول السنة تفسر القرآن ولا ينسخ القرآن إلا القرآن وكذلك قال الشافعي إنما ينسخ الكتاب الكتاب والسنة ليست ناسخة له

[ 27 ]
والقسم الثاني الأخبار المنقولة بنقل الآحاد فهذه لا يجوز بها نسخ القرآن لأنها لا توجب العلم بل تفيد الظن والقرآن يوجب العلم فلا يجوز ترك المقطوع به لأجل مظنون وقد احتج من رأى جواز نسخ التواتر بخبر الواحد بقصة أهل قباء لما استداروا بقول واحد فأجيب بأن قبلة بيت المقدس لم تثبت بالقرآن فجاز أن تنسخ بخبر الواحد فصل واتفق العلماء على جواز نسخ نطق الخطاب واختلفوا في نسخ ما ثبت بدليل الخطاب وتنبيهه وفحواه فذهب عامة العلماء إلى جواز ذلك واستدلوا بشيئين أحدهما أن دليل الخطاب دليل شرعي يجري مجرى النطق في وجوب العمل به فجرى مجراه في النسخ والثاني أنه قد وجد ذلك فروى جماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الماء من الماء وعملوا بدليل خطابه فكانوا لا يغتسلون من التقاء الختانين ثم نسخ ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام إذا التقى الختان بالختان وجب الغسل أنزل أو لم ينزل وقد حكى عن جماعة من أهل الظاهر أنه لا يجوز نسخ ما ثبت بدليل الخطاب وفحواه قالوا لأن ذلك معلوم بطريق القياس والقياس لا يكون ناسخا ولا منسوخا وليس الأمر على ما ذكر بل هو مفهوم من معنى النطق وتنبيهه فصل واتفق العلماء على أن الحكم المأمور به إذا عمل به ثم نسخ بعد ذلك أن النسخ يقع صحيحا جائزا واختلفوا هل يجوز نسخ الحكم قبل العمل به فظاهر كلام أحمد

[ 28 ]
جواز ذلك وهو اختيار عامة أصحابنا وكان أبو الحسن التميمي يقول لا يجوز ذلك وهو قول أصحاب أبي حنيفة واحتج الأولون بأن الله تعالى أمر إبراهيم بذبح ولده ثم نسخ ذلك بالفداء قبل فعله وأن النبي صلى الله عليه وسلم فرض عليه وعلى أمته ليلة المعراج خمسون صلاة ثم نسخ ذلك بخمس صلوات ومن جهة المعنى فإن الأمر بالشئ يقع فيه تكليف الإيمان به والاعتقاد له ثم تكليف العزم على فعله في الزمان الذي عين له ثم إذا فعل على الوجه المأمور به فجاز أن ينسخ قبل الأداء لأنه لم يفقد من لوازمه غير الفعل والنية نائبة عنه واحتج من منع من ذلك بأن الله تعالى إنما يأمر عباده بالعبادة لكونها حسنة فإذا أسقطها قبل فعلها خرجت عن كونها حسنة وخروجها قبل الفعل يؤدي إلى البداء وهذا كلام مردود بما بينا من الإيمان والامتثال والعزم يكفي في تحصيل المقصود من التكليف بالعبادة

[ 29 ]
الباب السادس باب فضيلة علم الناسخ والمنسوخ والأمر بتعلمه أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي قال أخبرنا عبد الله بن محمد الصريفيني قال أخبرنا عمر بن إبراهيم الكتاني قال حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال بنا زهير بن حرب قال حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن أن عليا عليه السلام مر بقاص فقال أتعرف الناسخ والمنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت أخبرنا محمد بن ناصر قال أخبرنا علي بن الحسين بن أيوب قال أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن شاذان قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن سليمان النجاد قال حدثنا أبو داود السجستاني قال حدثنا حفص بن عمر قال حدثنا شعبة عن أبي

[ 30 ]
حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي قال مر أمير المؤمنين علي رضي الله عنه على قاص يقص فقال تعلمت الناسخ والمنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت أخبرنا عبد الله بن علي المقري قال أخبرنا أحمد بن ندار هذه البقال قال أخبرنا محمد بن عمر بن بكير النجاب قال أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال بنا إبراهيم بن عبد الله البصري قال حدثنا أبو عمر حفص بن عمر الضرير قال أبنا حماد بن سلمة أن عطاء بن السائب أخبرهم عن أبي البختري الطائي قال أتى علي عليه السلام على رجل في مسجد الكوفة وهو يقص فقال من هذا قالوا رجل يحدث ثم أتى عليه يوما آخر فإذا هو يقص فقال من هذا قالوا رجل يحدث فقال اسألوه يعرف الناسخ من المنسوخ فسألوه فقال لا فقال إن هذا يقول اعرفوني اعرفوني أنا فلان ثم قال لا تحدث أخبرنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي قال أخبرنا عمر بن عيبد االله البقال قال أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال أخبرنا إسحاق بن أحمد الكاذي قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الملك بن عمرو قال حدثنا يزيد يعني ابن إبراهيم بن العلاء الغنوي أن سعيد بن أبي الحسن لقي أبا يحيى فقال يا أبا يحيى من الذي قال له علي عليه السلام اعرفوني إعرفوني فقال إني أظنك عرفت أني أنا هو قال قال ما عرفت أنك هو قال فإني أنا هو مر بي وأنا أقص بالكوفة فقال من أنت فقلت أنا أبو يحيى قال لست بأبي يحيى ولكنك اعرفوني هل عرفت الناسخ من المنسوخ قلت لا قال هلكت وأهلكت قال فلم أعد بعد ذلك أقص على أحد قال أحمد وبنا عبد الصمد قال أخبرنا القاسم بن الفضل قال حدثنا علي بن زيد عن أبي يحيى قال أتاني عليه عليه السلام وأنا أقص قال فذهبت أوسع له

[ 31 ]
فقال إني لم آتك لأجلس إليك هل تعلم الناسخ من المنسوخ قلت لا قال هلكت وأهكلت ما اسمك قلت أبو يحيى قال أنت أبو إعرفوني أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي قال أخبرنا أبو العباس أحمد بن الحسين بن قريش قال أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال أخبرنا أبو بكر محمد بن إسماعيل ابن العباس الوراق قال أخبرنا أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد قال حدثنا حجاج قال حدثنا يزيد بن إبراهيم قال بنا إبراهيم بن العلاء الغنوي أبو هرون عن سعيد بن أبي الحسن أنه لقي أبا يحيى المعرقب فقال له من الذي قال له إعرفوني إعرفوني قال يا سعيد أني أنا هو قال ما عرفت أنك هو قال فإني أنا هو مر بي علي رضي الله عنه وأنا أقص بالكوفة فقال لي من انت فقلت أنا أبو يحيى فقال لست بأبي يحيى ولكنك إعرفوني إعرفوني ثم قال هل علمت الناسخ من المنسوخ قلت لا قال هلكت وأهلكت قال فما عدت بعدها أقص على أحد قال ابن أبي داود وحدثنا محمد بن عثمان العجلي قال حدثنا أبو أسامة عن هشام ابن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي عبيدة بن حذيفة قال قال حذيفة إنما يفتي الناس أحد ثلاثة رجل قد علم ناسخ القرآن من منسوخه وأمير لا يجد من ذلك بداأو أحمق متكلف أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أخبرنا عمر بن عبيد الله قال أخبرنا علي بن محمد ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا وكيع عن سلمة بن نبيط عن الضحاك قال مر ابن عباس على قاص قال تعرف الناسخ من المنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت

[ 32 ]
قال أحمد وحدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال أخبرني سليم عن ابن عون عن محمد قال جهدت أن أعلم الناسخ من المنسوخ فلم أعلمه وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا قال المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحرامه وحلاله وأمثاله

[ 33 ]
الباب السابع باب أقسام المنسوخ المنسوخ من القرآن على ثلاثة أقسام فالقسم الأول ما نسخ رسمه وحكمه أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أخبرنا عمر بن عبيد الله البقال قال أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال أخبرنا إسحاق بن أحمد الكاذي قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أن رهطا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه أنه قام رجل منهم من جوف الليل يريد أن يفتتح سورة كان قد وعاها فلم يقدر منها على شئ إلا بسم الله الرحمن الرحيم فأتى باب النبي صلى الله عليه وسلم حين أصبح يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك جاء آخر وآخر حتى اجتمعوا فسأل بعضهم بعضا ما جمعهم فأخبر بعضهم بعضا بشأن تلك السورة ثم أذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبرهم وسألوه عن السورة فسكت ساعة لا يرجع إليهم شيئا ثم قال نسخت البارحة فنسخت من صدورهم ومن كل شئ كانت فيه أخبرنا المبارك بن علي قال أخبرنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال أبنا أبو بكر محمد بن إسماعيل الوارق قال حدثنا أبو

[ 34 ]
بكر عبد الله بن أبي داود قال حدثنا سليمان بن داود بن حماد قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أن رجلا كانت معه سورة فقام من الليل يقرؤها فلم يقدر عليها قال فأصبحوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا عنده فقال بعضهم يا رسول الله قمت البارحة لأقرأ سورة كذا وكذا فلم أقدر عليها وقال الآخر ما جئت يا رسول الله إلا لذلك وقال الآخر وأنا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها نسخت البارحة قال أبو بكر بن أبي داود وحدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي قال أبنا عوان قال بنا حماد قال بنا علي بن زيد عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عن أبي موسى قال نزلت سورة مثل براءة ثم رفعت فحفظ منها ان الله يؤيد الدين بأقوام لا خلاق لهم ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب قال ابن أبي داود وحدثنا محمد بن عثمان العجلي قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سيف عن مجاهد قال إن الأحزاب كانت مثل البقرة أو أطول قال ابن داود وحدثنا عباد بن يعقوب قال أخبرنا شريك عن عاصم عن زر قال قال أبي بن كعب كيف تقرأ سورة الأحزاب قلت سبعين أو إحدى وسبعين آية قال والذي أحلف به لقد نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم وإنها لتعادل البقرة أو تزيد عليها وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية فكتبتها في مصحفي فأصبحت ليلة فإذ الورقة بيضاء فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما علمت أن تلك رفعت البارحة

[ 35 ]
القسم الثاني ما نسخ رسمه وبقي حكمه أخبرنا ابن الحصين قال أخبرنا ابن المذهب قال أخبرنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثني إسحاق بن عيسى الطباع قال حدثنا مالك بن أنس قال حدثني ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله أن ابن عباس أخبره قال جلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذن قام فاثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد أيها الناس فإني قائل مقالة قد قدر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي فمن وعاها وعقلها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ومن لم يعها فلا أحل له ان يكذب على أن الله عز وجل بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وانزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها وعقلناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فاخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل لا نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله فالرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف ألا وإنا قد كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم أخرجاه في الصحيحين وفي رواية ابن عيينة عن الزهري وأيم الله لولا أن يقول قائل زاد عمر في كتاب الله لكتبتها في القرآن أخبرنا المبارك بن علي قال أخبرنا أبو العباس بن قريش قال أخبرنا أبو إسحاق البرمكي قال أخبرنا محمد بن إسماعيل الوراق قال حدثنا ابن أبي داود قال حدثنا عيسى بن حماد قال أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال أيها الناس قد سننت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتكم على الواضحة أن لا تضلوا بالناس يمينا وشمالا وآية الرجم لا تضلوا عنها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ورجمنا وأنها قد أنزلت وقرأناها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها البتة ولولا أن يقال زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي

[ 36 ]
قال ابن أبي داود وحدثنا موسى بن سفيان قال حدثنا عبد الله يعني ابن الجهم قال حدثنا عمرو بن أبي قيس عن عاصم بن أبي النجود عن زر أن أبي بن كعب سأله كم تقرأ هذه السورة يعني الأجزاب سنة قال إما ثلاثا وسبعين وإما أربعا وسبعين قال إن كنا لنقرأها عمرو كما نقرأ سورة البقرة وإن كنا لنقرأ فيها إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم قال ابن أبي داود وحدثنا يعقوب بن سفيان قال حدثنا سعيد بن أبي مريم قال أخبرنا نافع بن عمر قال حدثني أن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخزمة قال عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف ألم تجذ فيما أنزله الله علينا أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة فإنا لا نجدها قال سقطت فيما أسقط من القرآن قال وحدثنا محمد بن معمر قال حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال حدثني ابن أبي حميد قال أخبرتني حميدة قال أوصت لنا عائشة رضي الله عنها بمتاعها فكان في مصحفها إن الله وملائكته يصلون على النبي والذين يصلون الصفوف الأولى أخبرنا ابن الحصين قال أخبرنا ابن المذهب قال وأخبرنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني ابي قال بنا عبد الصمد قال حدثنا همام قال حدثنا إسحاق عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حراما خاله في

[ 37 ]
سبعين رجلا فقتلوا يوم بير معونة قال فأنزل علينا فكان مما نقرأ فنسخ أن بلغوا قومنا إنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا إنفرد بإخراجه البخاري فصل ومما نسخ رسمه واختلف في بقاء حكمه أخبرنا المبارك بن علي قال أخبرنا أبو العباس بن قريش قال أخبرنا أبو إسحاق البرمكي قال أخبرنا محمد بن إسماعيل الوراق قال أبنا ابن أبي داود قال حدثنا عبد الله بن سعد قال حدثني عمر قال حدثني أبي عن محمد بن إسحاق قال حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت لقد نزلت آية الرجح ورضعات الكبير عشرا وكانت في ورقة تحت سرير في بيتي فلما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشاغلنا بأمره ربيبة لنا فأكلتها تعني الشاة قال ابن أبي داود حدثنا أبو الطاهر قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخت بخمس رضعات معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مما يقرأ من القرآن قلت أما مقدار ما يحرم من الرضاع فعن أحمد بن حنبل رحمه الله فيه ثلاث روايات الأولى رضعة واحدة وبه قال أبو حنيفة ومالك أخذا بظاهر القرآن في قوله وأخواتكم من الرضاعة وتركا لذلك الحديث

[ 38 ]
والثانية ثلاث لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تحرم المصة والمصتان والثالثة خمس لم روينا في حديث عائشة وتأولوا قولها وهي مما يقرأ من القرآن أن الإشارة إلى قوله وأخواتكم من الرضاعة وقالوا لو كان يقرأ بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لنقل إلينا نقل المصحف ولو كان بقي من القرآن شئ لم ينقل لجاز أن يكون ما لم ينقل ناسخا لما نقل فذلك محال ومما نسخ خطه واختلف في حكمه ما روى مسلم في أفراده عن عائشة رضي الله عنها أنها أملت على كاتبها حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين وقالت سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اختلف الناس في الصلاة الوسطى على خمسة أقوال بعدد الصلوات الخمس وقد شرحنا ذلك في التفسير القسم الثالث ما نسخ حكمه وبقي رسمه وله وضعنا هذا الكتاب ونحن نذكره على ترتيب الآيات والسور ونذكر ما قيل ونبين صحة الصحيح وفساد الفاسد إن شاء الله تعالى وهو الموفق بفضله

[ 39 ]
الباب الثامن باب ذكر السور التي تضمن الناسخ والمنسوخ أو أحدهما أو خلت عنهما زعم جماعة من المفسرين أن السور التي تضمنت الناسخ والمنسوخ خمس وعشرون سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة وإبراهيم والنحل ومريم والأنبياء والحج والنور والفرقان والشعراء والأحزاب وسبأ والمؤمن والشورى والذاريات والطور والواقعة والمجادلة والمزمل والتكوير والعصر قالوا والسور التي دخلها المنسوخ دون الناسخ أربعون الأنعام والأعراف ويونس وهود والرعد والحجر وسبحان والكهف وطه والمؤمنون والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة والملائكة والصافات وص والزمر والمصابيح والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف وسورة محمد وق والنجم والقمر والممتحنة ون والمعارج والمدثر والقيامة والإنسان وعبس والطارق والغاشية والتين والكافرون وقالوا والسور التي اشتملت على الناسخ دون المنسوخ ست الفتح والحشر والمنافقون والتغابن والطلاق والأعلى والسور الخاليات عن ناسخ ومنسوخ ثلاث وأربعون سورة الفاتحة ويوسف ويس والحجرات والرحمن والحديد والصف والجمعة والتحريم والملك والحاقة ونوح والجن والمرسلات والنبأ والنازعات والانفطار والمطففين

[ 40 ]
والانشقاق والبروج والفجر والبلد والشمس والليل والضحى وألم نشرح والقلم والقدر والانفكاك والزلزلة والعاديات والقارعة والتكاثر والهمزة والفيل وقريش والدين والكوثر والنصر وتبت والإخلاص والفلق والناس قلت واضح بأن التحقيق في الناسخ والمنسوخ يظهر أن هذا الحصر تخريف من الذين حصروه والله الموفق

[ 41 ]
باب ذكر الآيات اللواتي أدعي عليهن النسخ في سورة البقرة ذكر الآية الأولى قوله تعالى ومما رزقناهم ينفقون اختلف المفسرون في المراد بهذه النفقة على أربعة أقوال الأول أنها النفقة على الأهل والعيال قاله ابن مسعود وحذيفة والثاني الزكاة المفروضة قاله ابن عباس وقتادة والثالث الصدقات النوافل قاله مجاهد والضحاك والرابع أن الاشارة بها إلى نفقة كانت واجبة قبل الزكاة ذكره بعض ناقلي التفسير وزعموا أنه كان فرض على الانسان أن يمسك مما في يده قدر كفايته يومه وليلته ويفرق باقيه على الفقراء ثم نسخ ذلك بآية الزكاة وهذا قول ليس بصحيح لأن لفظ الآية لا يتضمن ما ذكروا وإنما يتضمن مدح المنفق والظاهر أنها تشير إلى الزكاة لأنها قرنت مع الإيمان بالصلاة وعلى هذا لا وجه للنسخ وإن كانت تشير إلى الصدقات النوافل والحث عليها

[ 42 ]
باق والذي أرى ما بها مدح لهم على جميع نفقاتهم في الواجب والنفل وقد قال أبو جعفر يزيد بن القعقاع نسخت آية الزكاة كل صدقة كانت قبلها ونسخ صوم رمضان كل صوم كان قبله والمراد بهذا كل صدقة وجبت بوجود المال مرسلا كهذه الآية ذكر الآية الثانية قوله تعالى إن الذين آمنوا والذين هادوا الآية اختلف المفسرون في معنى هذه الآية على ثلاث أقوال الأول ان المعنى إن الذين آمنوا من هذه الأمة والذين هادوا وهم أتباع موسى والنصارى وهم أتباع عيسى والصابؤون الخارجون من الكفر إلى الإسلام من آمن أي من دام منهم على الإيمان والثاني إن الذين آمنوا بألسنتهم وهم المنافقون والذين هادوا وهم اليهود والنصارى والصابؤون وهم كفار أيضا من آمن أي من دخل في الإيمان بنية صادقة والثالث إن المعنى إن الذين آمنوا ومن آمن من الذين هادوا فيكون قوله بعد هذا من آمن راجعا إلى المذكورين مع الذين آمنوا ومعناه من يؤمن منهم وعلى هذه الأقوال الثلاثة لا وجه لادعاء نسخ هذه الآية وقد قيل إنها منسوخة بقوله ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه فأخبرنا المبارك بن علي الصيرفي قال أخبرنا أحمد بن الحسن بن قريش قال أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال أخبرنا محمد بن إسماعيل الوراق قال حدثنا أبو بكربن أبي داود قال حدثنا يعقوب بن سفيان قال حدثنا أبو صالح قال

[ 43 ]
حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين الآية قال فأنزل الله تعالى بعد هذه الآية ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين قلت فكأنه أشار بهذا إلى النسخ وهذا القول لا يصح لوجهين الأول أنه إن أشير بقوله والذين هادوا والنصارى إلى من كان تابعا لنبيه قبل أن يبعث النبي الآخر فأولئك على الصواب وإن أشير إلى من كان في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم فإن من ضرورة من لم يبدل دينه ولم يحرف أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ويتبعه والثاني أن هذه الآية خبر والأخبار لا يدخلها النسخ ذكر الآية الثالثة قوله تعالى بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته جمهور المفسرين على أن المراد بالسيئة الشرك فلا يتوجه على هذا القول نسخ أصلا وقد روى السدي عن أشياخه أن المراد بالسيئة الذنب من الذنوب التي وعد الله تعالى عليها النار فعلى هذا يتوجه النسخ بقوله إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء على أنه يجوز أن يحمل ذلك على من أتى السيئة مستحلا فلا يكون نسخا ذكر الآية الرابعة قوله تعالى وقولوا للناس حسنا اختلف المفسرون في المخاطبين بهذا على قولين

[ 44 ]
الأول أنهم اليهود والتقدير من سألكم عن شأن محمد صلى الله عليه وسلم فاصدقوه وبينوا له صفته ولا تكتموا أمره قاله ابن عباس وابن جبير وابن جريح ومقاتل والثاني أمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم اختلف أرباب هذا القول فقال الحسن مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر وقال أبو العالية وقولوا للناس معروفا وقال محمد ابن علي بن الحسين كلموهم بما تحبون أن يقولوا لكم فعلى هذا الآية محكمة وذهب قوم إلى أن المراد بذلك مساهلة المشركين في دعائهم إلى الإسلام فالآية عند هؤلاء منسوخة بآية السيف وهذا قول بعيد لأن لفظ الناس عام فتخصيصه بالكفار يفتقر إلى دليل ولا دليل ها هنا ثم إن إنذار الكفار من الحسنى ذكر الاية الخامسة قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا قال المفسرون كانت هذه الكلمة لغة في الأنصار وهي من راعيت الرجل إذا تأملته وتعرفت أحواله ومنه قولهم أرعني سمعك وكانت الأنصار تقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بلغة اليهود سب

[ 45 ]
بالرعونة وكانوا يقولونها له وينوون بها السب فنهى الله سبحانه المؤمنين عن قولها لئلا يقولها اليهود وأمرهم أن يجعلوا مكانها أنظرنا وقرأ الحسن والأعمش وابن المحيصن راعنا بالتنوين فجعلوه مصدرا أي لا تقولوا رعونة وقرأ ابن مسعود لا تقولوا راعونا على الأمر بالجماعة كأنه نهاهم أن يقولوا ذلك فيما بينهم والنهي في مخاطبة النبي بذلك أولى وهذه الآية قد ذكروها في المنسوخ ولا وجه لذلك بحال ولولا إيثار ذكر ما ادعى عليه النسخ لم أذكرها قال أبو جعفر النحاس هي ناسخة لما كان مباحا قبله قلت وهذا تحريف في القول لأنه إذا نهى عن شئ لم تكن الشريعة أتت به لم يسم النهي نسخا ذكر الآية السادسة قوله تعالى فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره قال المفسرون أمر الله بالعفو والصفح عن أهل الكتاب قبل أن يؤمر بقتالهم ثم نسخ العفو والصفح بقوله قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله الآية هذا مروي عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما أخبرنا أبو بكر بن حبيب العامري قال أخبرنا علي بن الفضل قال أخبرنا

[ 46 ]
عبد الصمد قال أخبرنا ابن حموية قال أخبرنا إبراهيم بن حريم قال بن عبد الحميد قال بنا مسلم بن إبراهيم وأخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أخبرنا أبو الفضل البقال قال أبنا ابن بشران قال أخبرنا إسحاق الكاذي قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الصمد كلاهما عن همام بن يحيى عن قتادة قال أمر الله نبيه أن يعفو عنهم ويصفح حتى يأتي الله بأمره فأنزل في براءة قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر لآية فنسخها بهذه الآية وأمره فيها بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يقروا بالجزية قال أحمد وحدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن قتادة فاعفوا واصفحوا نسختها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم أخبرنا ابن ناصر قال أخبرنا علي بن أيوب قال أخبرنا ابن شاذان قال أخبرنا أبو بكر النجاد قال أخبرنا أبو داود السجستاني قال بنا أحمد بن محمد المروزي قال أخبرنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا أبو جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية فاعفوا واصفحوا قال نسخ بقوله قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر الآية فصل واعلم أن تحقيق الكلام دون التحريف فيه أن يقال إن هذه الآية ليست بمنسوخه قبل لأنه لم يأمر بالعفو مطلقا وإنما أمر به إلى غاية وبين الغاية بقوله حتى يأتي الله بأمره وما بعد الغاية يكون حكمه مخالفا لما قبلها وما هذ سبيله لا يكون أحدهما ناسخا للآخر بل يكون الأول قد انقضت مدته بغايته والآخر محتاجا إلى حكم آخر وقد ذهب إلى ما قالته جماعة من فقهاء المفسرين وهو الصحيح وهذا إذا قلن إن المراد

[ 47 ]
العفو عن قتالهم وقد قال الحسن هذا فيما بينكم وبينهم دون ترك حق الله تعالى حتى يأتي الله بالقيامة وقال غيره بالعقوبة فعلى هذا يكون الأمر بالعفو محكما لا منسوخا ذكر الآية السابعة قوله تعالى ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على ثمانية أقوال القول الأول أنها نزلت في اشتباه القبلة أخبرنا أبو بكر بن حبيب قال أخبرنا علي بن الفضل قال أخبرنا محمد بن عبد الصمد قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال أخبرنا إبرهيم بن حريم قال حدثنا عبد الحميد قال أخبرنا يزيد بن هارون قال اخبرنا أشعث بن سعيد قال حدثنا عاصم ابن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة في ليلة سوداء مظلمة فلم نعرف القبلة فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم وروى جابر بن عبد الله قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة فقالت طائفة القبلة هاهنا فصلوا وخطوا خطا وقال بعضهم هاهنا فصلوا وخطوا خطا فلما أصبحنا أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة فلما قفلنا من سفرنا سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسكت فأنزل الله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله قلت وهذا الحكم باق عندنا وإن من اشتبهت عليه القبلة فصلى بالاجتهاد فصلاته

[ 48 ]
صحيحة مجزية وهو قول سعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء والشعبي والنخعي وأبي حنيفة وللشافعي قولان الأول كمذهبنا والثاني يجب الإعادة وقال الحسن والزهري وربيعة يعيد في الوقت فإذا فات الوقت لم يعد وهو قول مالك القول الثاني ان المراد بالآية صلاة التطوع أخبرنا أبو بكر بن حبيب قال بنا علي بن الفضل قال أخبرنا ابن عبد الصمد قال أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حموية قال أبنا إبراهيم بن حريم قال حدثنا عبد الحميد قال أخبرنا يزيد بن هارون قال أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان قال سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته تطوعا أينما توجهت به وهو جاي من مكة إلى المدينة ثم قرأ ابن عمر ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله فقال ابن عمر رضي الله عنه في هذا أنزلت الآية

[ 49 ]
القول الثالث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صلى على النجاشي قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نصلى على رجل مات وهو يصلي على غير قبلتنا وكان يصلي إلى بيت المقدس حتى مات وقد صرفت القبلة إلى الكعبة فنزلت هذه الآية رواه عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما القول الرابع أن المراد بالآية أينما كنتم من شرق أو غرب فاستقبلوا الكعبة قاله مجاهد القول الخامس أن اليهود لما تكلموا حين صرفت القبلة إلى الكعبة نزلت هذه الآية ومعناها الا تلتفتن يحيى إلى اعتراض اليهود بالجهل وإن المشرق والمغرب لله يتعبدكم بالصلاة إلى مكان ثم يصرفكم عنه كما يشاء ذكره أبو بكر بن الأنباري وقد روى معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما والقول السادس أنه ليس المراد بالصلاة وحدها وإنما معنى الآية من أي وجه قصدتم الله وعلى أي حال عبدتموه علم ذلك وأثابكم عليه والعرب تجعل الوجه بمعنى القصد قال الشاعر * استغفر الله ذنبا لست محصيه * رب العباد إليه الوجه والعمل * معناه إليه القصد والتقدم ذكره محمد بن القاسم أيضا والقول السابع أن معنى الآية أينما كنتم من الأرض فعلم الله بكم محيط لا يخفى عليه شئ من أعمالكم ذكره ابن القاسم أيضا وعلى هذه الأقوال الآية محكمة القول االثامن الرحمن ذكر أربابه أنها منسوخة فروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة قوله تعالى ولله المشرق والمغرب

[ 50 ]
فأينما تولوا فثم وجه الله فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاته صخرة بيت المقدس فصلى إليها وكانت قبلة اليهود ليؤمنوا به وليتبعوه وليدعوا بذلك الأميين من العرب فنسخ ذلك ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره أخبرنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي قال أبنا أبو الفضل عمر بن عبيد الله البقال قال أبنا أبو الحسين علي بن محمد بن بشران قال أبنا أبو الحسين إسحاق بن أحمد الكاذي قال بنا عبد الله بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني حجاج بن محمد قا أنبا ابن جريح عن عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أول ما نسخ من القرآن فيما ذكر لنا والله أعلم شأن القبلة قال ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق ثم صرفه الله إلى البيت العتيق فقال سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها يعنون بيت المقدس فنسخها وصرف إلى البيت العتيق فقال ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره قال أحمد بن حنبل وحدثنا عبد الوهاب بن عطاء أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة فأينما تولوا فثم وجه الله قال كانوا يصلون نحو بيت المقدس ونبي الله بمكة وبعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجهه الله تعالى بعد ذلك نحو الكعبة البيت الحرام قال أحمد وبنا عبد الصمد بن عبد الوارث

[ 51 ]
قال بنا همام قال بنا قتاده فأينما تولوا فثم وجه الله قال وكانوا يصلون نحو بيت المقدس ثم وجهه الله نحو الكعبة وقال عز وجل فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من قبلة أخبرنا محمد بن عبد الله العامري قال أبنا علي بن الفضل قال أبنا محمد بن عبد الصمد قال أبنا عبد الله بن أحمد قال أبنا إبراهيم بن حريم قال بنا عبد الحميد قال بنا يونس عن شيبان عن قتادة فأينما تولوا فثم وجه الله قال نسخ هذا بعد ذلك فقال الله عز وجل فول وجهك شطر المسجد الحرام قلت وهذا قول أبي العالية والسدي فصل واعلم أن قوله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله ليس فيه أمر بالتوجه إلى بيت المقدس ولا إلى غيره بل هو دال على أن الجهات كلها سواء في جواز التوجه إليها فأما التوجه إلى بيت المقدس فاختلف العلماء هل كان برأي النبي صلى الله عليه وسلم واجتهاده أو كان عن وحي فروى عن ابن عباس وابن جريج أنه كان عن أمر الله تعالى لقوله عز وجل وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول وأخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا إبراهيم ابن عمر البرمكي قال حدثنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا محمد بن الحسين قال بنا كثير بن يحيى قال بنا أبي قال بنا أبو بكر

[ 52 ]
الهدبي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قالت اليهود إن محمدا مخالف لنا في كل شئ فلو تابعنا على قبلتنا أو على شئ تابعناه فظن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا منهم جد وعلم الله منهم الكذب وأنهم لا يفعلون فأراد الله أن يبين ذلك لنبيه صلى الله عليه وسلم فقال إذا قدمت المدينة فصل قبل بيت المقدس ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت اليهود قد تابعنا على قبلتنا ويوشك أن يتابعنا على ديننا فأنزل الله عز وجل وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه فقد علمنا انهم لا يفعلون ولكن أردنا أن نبين ذلك لك قال الحسن وعكرمة وأبو العالية والربيع بل كان برأيه واجتهاده وقال قتادة كان الناس يتوجهون إلى أي جهة شاؤوا بقوله تعالى ولله المشرق والمغرب ثم أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم باستقبال بيت المقدس وقال ابن زيد كانوا ينحون أن يصلوا إلى قبلة شاؤوا لأن المشارق والمغارب لله وأنزل الله تعالى فأينما تولوا فثم وجه الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء يهود قد استقبلوا بيتا من بيوت الله يعني بيت المقدس فصلوا إليه فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابة بضعة عشر شهرا فقالت اليهود ما اهتدى لقبلته حتى هديناه فكره النبي صلى الله عليه وسلم قولهم ورفع طرفه إلى السماء فأنزل الله تعالى قد نرى تقلب وجهك في السماء أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا أبو إسحق البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل الوراق قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال بن محمد بن أيوب قال بنا أحمد بن عبد الرحمن قال بنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قال حدثني أبو العالية أن نبي الله خير بين أن يوجه حيث يشاء فاختار بيت المقدس لكي يتألف أهل الكتاب ثم مجهه وكان الله إلى البيت الحرام واختلف العلماء في سبب اختياره بيت المقدس على قولين

[ 53 ]
الأول أن العرب لما كانت تحج ولم تألف بيت المقدس أحب الله امتحانهم بغير ما ألفوه ليظهر من يتبع الرسول ممن لا يتبعه كما قال تعالى وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وهذا قول الزجاج والثاني انه اختاره ليتألف أهل الكتاب قاله أبو جعفر بن جرير الطبري قلت فإذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختار بيت المقدس فقد وجب استقباله بالسنة ثم نسخ ذلك بالقرآن والتحقيق في هذه الآيه أنها أخبرت أن الإنسان أين تولى بوجهه فثم وجه الله فيحتاج مدعي نسخها أن يقول فيها إضمار تقديره فولوا وجوهكم في الصلاة أين شئتم ثم نسخ ذلك المقدر وفي هذا بعد والصحيح إحكامها ذكر الآية الثامنة قوله تعالى ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم قد ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا الكلام اقتضى نوع مساهلة للكفار ثم نسخ بآية السيف ولا أرى هذا القول صحيحا لأربعة أوجه الأول أن معنى الآية أتخاصموننا في دين الله وكانوا يقولون نحن أولى بالله منكم لأننا أبناء الله وأحباؤه ومنا كانت الأنبياء وهو ربنا وربكم أي نحن كلنا في

[ 54 ]
حكم العبودية سواء فكيف يكونون أحق به ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم أي لا اختصاص لأحد به إلا من جهة الطاعة والعمل وإنما يجازى كل منا بعمله ولا تنفع الدعاوى وعلى هذا البيان لا وجه للنسخ والثاني أنه خبر خارج فخرج الوعيد والتهديد والثالث انا قد علمنا أعمال أهل الكتاب وعليها أقررناهم والرابع أن المنسوخ ما لا يبقى له حكم وحكم هذا الكلام لا يتغير فإن كل عامل له جزاء عمله فلو ورد الأمر بقتالهم لم يبطل تعلق أعمالهم بهم ذكر الآية التاسعة قوله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية قد ذكر عن بعض المفسرين أنه قال معنى الآية فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما قال ثم نسخ ذلك بقوله تعالى ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه والسعي بينهما من ملة إبراهيم قلت وهذا قول مرذول لا يصلح الالتفات إليه لأنه يوجب إضمارا في الآية ولا يحتاج إليه كان قد قرئ به فإنه مروي عن ابن مسعود وأبي بن كعب وابن جبير وابن سيرين وميمون بن مهران أنهم قرأوا فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ولهذ القرأة وجهان الأول أن تكون دالة على أن السعي بينهما لا يجب والثاني أن يكون لا صلة كقوله ما منعك أن لا تسجد فيكون معناه

[ 55 ]
معنى القراءة المشهورة وقد ذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أن السعي من أركان الحج وقال أبو حنيفة وأصحابه هو واجب يجزي عنه الدم والصحيح في سبب نزول هذه الآية ما أخبرنا به أبو بكر بن حبيب قال أبنا علي بن الفضل قال أبنا محمد بن عبد الصمد قال أبنا ابن حموية قال أبنا إبراهيم ابن حريم قال أبنا عبد الحميد قال أبنا عبد الوهاب بن عطاء بن داود عن عامر قال كان على الصفا وثن يدعى أساف ووثن على المروة يدعى نائلة وكان أهل الجاهلية يسعون بينهما ويمسحون الوثنين فلما جاء الاسلام أمسك المسلمون عن السعي بينهما فنزلت هذه الآية قلت فقد بان بهذا أن المسلمين إنما امتنعوا عن الطواف لأجل الصنمين فرفع اللع عز وجل الجناح عمن طاف بينهما لأنه إنما يقصد تعظيم الله تعالى بطوافه دون الأصنام ذكر الآية العاشرة قوله تعالى إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى إلى قوله اللاعنون قد زعم قوم من القراء الذين قل حظهم من علم العربية والفقه أن هذه الآية منسوخة بالاستثناء بعدها ولو كان لهم نصيب من ذلك لعلموا أن الاستثناء ليس بنسخ وإنما هو إخراج بعض ما شمله اللفظ وينكشف هذا من وجهين الأول ان الناسخ والمنسوخ لا يمكن العمل بأحدهما إلا بترك العمل بالآخر وههنا يمكن العمل بالمستثنى والمستثنى منه والثاني أن الجمل إذا دخلها الاستثناء يثبت أن المستثنى لم يكن مرادا دخوله في الجملة السابقة وما لا يكون مرادا باللفظ الأول لا يدخل عليه النسخ

[ 56 ]
ذكر الآية الحادية عشرة قوله تعالى إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير الآية ذهب جماعة من مفسري القرآن إلى أن اول هذه الآية منسوخ بقوله تعالى فمن اضطر غير باغ ولا عاد وزعم بعضهم أنه إنما نسخ منها حكم الميتة والدم بقول النبي صلى الله عليه وسلم أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال وكلا القولين باطل لأن الله تعالى استثنى من التحريم حال الضرورة والنبي صلى الله عليه وسلم استثنى بالتخصيص ما ذكره في الحديث ولا وجه للنسخ بحال ذكر الآية الثانية عشرة قوله تعالى يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ذهب بعض المفسرين إلى أن دليل خطاب هذه الآية منسوخ لأنه لما قال الحر بالحر اقتضى أن لا يقتل العبد بالحر وكذا لما قال الأنثى بالأنثى اقتضى أن لا يقتل الذكر بالأنثى من جهة دليل الخطاب وذلك منوسخ روى بقوله تعالى وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس وإلى هذا أشار ابن عباس فيما رواه عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس قال نسختها الآية التي في المائدة أن النفس بالنفس وإلى نحو هذا ذهب سعيد بن جبير ومقاتل أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا أبو إسحق البرمكي قال أبنا أبو بكر محمد بن إسماعيل أذنا قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال أبنا يعقوب بن سفيان قال أبنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني عبد

[ 57 ]
الله بن لهيعة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير أن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل فكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا وكان أحد الحيين يتطاولون على الآخر في العدة والأموال فحلفوا أن لا نرضى حتى نقتل بالعبد منا الحر منهم وبالمرأة منا الرجل منهم فنزل فيهم الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فرضوا بذلك فصارت آية الحر بالحر والعبد بالعبد والأثنى بالأثنى منسوخة نسخها النفس بالنفس قلت وهذا القول ليس بشئ لوجهين الأول أنه إنما ذكر في آية المائدة ما كتبه على أهل التوراة وذلك لا يلزمنا وإنما نقول في إحدى الروايتين عن أحمد إن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه وخطابنا بعد خطابهم قد ثبت النسخ فتلك الآية أولى أن تكون منسوخة بهذه من هذه بتلك والثاني أن دليل الخطاب عند الفقهاء حجة ما لم يعارضه دليل أقوى منه وقد ثبت بلفظ الآية أن الحر يوازي الحر فلأن الحر يوازي العبد أولى ثم إن أول الآية يعم وهو قوله كتب عليكم القصاص وإنما الآية نزلت فيمن كان يقتل حرا بعبد وذكرا بأنثى فأمروا بالنظر في التكافؤ أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن حبيب قال أبنا علي بن الفضل قال أبنا محمد ابن عبد الصمد قال أبنا عبد الله بن أحمد السرخسي قال أبنا إبراهيم بن حريم قال أبنا عبد الحميد قال أبنا يونس عن شيبان عن قتادة يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى قال كان أهل الجاهلية فيهم بغي وطاعة للشيطان فكان الحي منهم إذا كان فيهم عدد وعدة فقتل لهم عبد قتله عبد قوم آخرين قالوا لن نقتل به إلا حرا تعززا وتفضلا على غيرهم في أنفسهم وإذا قتلت لهم أنثى قتلتها امرأة قالوا لن نقتل بها إلا

[ 58 ]
رجلا فأنزل الله هذه الآية يخبرهم أن الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى وينهاهم عن البغي ثم أنزل في سورة المائدة وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس إلى قوله والجروح قصاص ذكر الآية الثالثة عشرة قوله تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين اختلف المفسرون في هذه الوصية هل كانت واجبة أم لا على قولين الأول أنها كانت ندبا لا واجبة وهذا مذهب جماعة منهم الشعبي والنخعي واستدلوا بقوله بالمعروف قالوا المعروف لا يقتضي الإيجاب وبقوله على المتقين والواجب لا يختص به المتقون والثاني أنها كانت فرضا ثم نسخت وهو قول جمهور المفسرين واستدلوا بقوله كتب وهو بمعنى فرض كقوله تعالى كتب عليكم الصيام وقد نص أحمد في رواية الفضل بن زياد على نسخ هذه الآية فقال الوصية للوالدين منسوخة وأجاب أرباب هذا القول أهل القول الأول فقالوا ذكر المعروف لا يمنع الوجوب لأن المعروف بمعنى العدل الذي لا شطط فيه ولا تقصير كقوله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ولا خلاف في وجوب هذا الرزق والكسوة فذكر المعروف في الوصية لا يمنع وجوبها بل يؤكده وكذلك تخصيص الأمر بالمتقين دليل على توكيده لأنها إذا وجبت على المتقين كان وجوبها على غيرهم أولى وإنما خصهم بالذكر لأن فعل ذلك من تقوى الله تعالى والتقوى لازمة لجميع الخلق

[ 59 ]
فصل ثم اختلف القائلون بإيجاب الوصية ونسخها بعد ذلك في المنسوخ من الآية على ثلاثة أقوال القول الأول أن جميع ما في الآية من إيجاب الوصية منسوخ قاله ابن عباس رضي الله عنهما أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال أبنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي قالا أخبرنا ابن شاذان قال أبنا أحمد بن كامل قال أبنا محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي الحسين بن الحسن بن عطية قال حدثني أبي عن جدي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين قال نسخت الفريضة التي للوالدين والأقربين الوصية أخبرنا ابن ناصر قال أبنا ابن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود السجستاني قال أبنا الحسين بن محمد وأخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله البقال قال أبنا علي بن محمد بن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال بنا حجاج قال بنا ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله عنهما كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية نسختها للرجال نصيب مما ترك الوالدان الآية أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق بن يوسف قال أبنا محمد بن مرزوق قال أبنا أببكر الخطيب قال أبنا ابن رزق قال أبنا أحمد بن سليمان قال بنا أبو داود قال بنا أحمد بن محمد هو المروزي قال حدثني علي بن الحسين بن واقد عن أبيه

[ 60 ]
عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين فكانت الوصية كذلك حتى نسختها آية الميراث أخبرنا أبو بكر العامري قال أبنا علي بن الفضل قال أبنا ابن عبد الصمد قال أبنا ابن حموية قال بنا إبراهيم بن حريم قال بنا عبد الحميد قال أبنا النضر ابن شميل قال أبنا ابن عون عن ابن سيرين قال كان ابن عباس يخطب فقرأ هذه الآية إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين فقال هذه نسخت قال عبد الحميد وحدثنا يحيى بن آدم عن ابن حماد الحنفي عن جهضم عن عبد الله بن بدر الحنفي قال سمعت ابن عمر يسأل عن هذه الآية الوصية للوالدين والأقربين نسختها آية المواريث قال عبد الحميد وحدثنا يحيى بن آدم عن محمد بن الفضل عن أشعث عن الحسن إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين قال نسختها آية الفرائض قال عبد الحميد وأخبرني شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كان الميراث للولد والوصية للوالدين والأقربين فهي منسوخة وكذلك قال سعيد بن جبير إن ترك خير الوصية قال نسخت القول الثاني أنه نسخ منها الوصية للوالدين أخبرنا عبد الوهاب قال أبنا أبو ظاهر الباقلاوي قال ابنا ابن شاذان قال أبنا عبد الرحمن بن الحسن قال بنا إبراهيم بن الحسين قال بنا آدم عن الورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد إن ترك خيرا الوصية قال كان الميراث للولد والوصية للوالدين والأقربين ثم نسخ منه الوالدين أخبرنا إسماعيل قال أبنا أبو الفضل البقال قال أبنا بن بشران قال أبنا

[ 61 ]
إسحاق الكاذي قال أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال بنا أسود بن عامر قال بنا إسرائيل عن مغيرة عن إبراهيم قال كانت الوصية للوالدين فنسختها آية الميراث وصارت الوصية للأقربين قال أحمد وحدثنا أبو داود عن زمعة عن ابن طاؤس عن أبيه قال نسخت الوصية عن الوالدين وجعلت للأقربين قال أبو داود وحدثنا حماد بن مسلمة عن عطاء بن أبي ميمونة قال سألت العلاء ابن زياد ومسلم بن يسار عن الوصية فقالا هي للقرابة القول الثالث ان الذي نسخ من الآية الوصية لمن يرث ولم ينسخ الأقربون الذين لا يرثون رواه عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو قول الحسن والضحاك وأبي العالية أخبرنا أبو بكر العامر قال أبنا علي بن الفضل قال أبنا ابن عبد الصمد قال أبنا عبد الله بن أحمد قال أبنا إبراهيم بن حريم قال بنا عبد الحميد قال بنا مسلم بن إبراهيم عن همام بن يحيى عن قتادة قال أمر أن يوصي لوالديه وأقربيه ثم نسخ الوالدين والحق لكل ذي ميراث نصيبه منها وليست لهم منه وصية فصارت الوصية لمن لا يرث من قريب أو غير قريب أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا أبو الفضل البقال بنا أبو الحسن بن بشران قال أبنا إسحاق الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا هشيم قال أبنا يونس عن الحسن قال كانت الوصية للوالدين والأقربين فنسخ ذلك وأثبتت لهما نصيبهما في سورة النساء وصارت الوصية للأقربين الذين لا يرثون ونسخ من الأقربين كل وارث

[ 62 ]
قال أحمد وحدثنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت قال أمر الله أن يوصي لوالديه وأقربائه ثم نسخ ذلك في سورة النساء فألحق لهم نصيبا معلوما والحق لكل ذي ميراث نصيبه منه وليست لهم وصية فصارت الوصية لمن لا يرث من قريب أو بعيد أخبرنا أبو بكر العامري قال أبنا علي بن الفضل قال أبنا عبد الصمد قال أبنا ابن حموية قال أبنا إبراهيم قال بنا عبد الحميد قال بنا يحيى بن آدم قال بنا إسماعيل بن عياش قال بنا شرحبيل بن مسلم قال سمعت أبا أمامة الباهلي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ذكر الاية الرابعة عشرة قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم أما قوله كتب فمعناه فرض والذين من قبلنا هم أهل الكتاب وفي كاف التشبيه في قوله كما ثلاثة أقوال القول الأول انها ترجع إلى حكم الصوم وصفته لا إلى عدده أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق قال أبنا محمد بن مرزوق قال أبنا أحمد بن علي بن ثابت قال أبنا عبد الله بن يحيى السكري قال أبنا جعفر الخلدي ولم وقال أبنا أبو علاثة محمد بن عمرو بن خالد قال بنا أبي قال بنا يونس بن راشد عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما

[ 63 ]
وأخبرنا إسماعيل بن أحمد وقال بنا أبو الفضل البقال قال أبنا أبو الحسين بن بشران قال بنا إسحاق الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما ولم يذكر عكرمة قال كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم يعني بذلك أهل الكتاب وكان كتابه على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن الرجل كان يأكل ويشرب وينكح ما بينه وبين أن يصلي العتمة أو يرقد وإذا صلى العتمة أو رقد منع ذلك إلى مثلها فنسختها هذه الآية أحل لكم ليلة صيام الرفث إلى نسائكم أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أبنا علي بن أبي أيوب قال أبنا أبو علي بن شاذان قال أخبرنا أبو بكر النجاد قال بنا أبو داود السجستاني قال أبنا نصر بن علي قال بنا أبو أحمد قال بنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال كان الرجل إذا صام فنام لم يأكل إلى مثلها من القابلة وأن قيس بن صرمة أتى امرأته وكان صائما فقال عندك شئ قالت لعلي أذهب فأطلب لك فذهبت وغلبته عينه فجاءت فقالت خيبة لك فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله من الفجر وقال سعيد بن جبير كتب عليهم إذا نام أحدهم قبل أن يطعم لم يحل له أن يطعم إلى القابلة والنساء عليهم حرام ليلة الصيام وهو عليهم ثابت وقد أرخص لكم فعلى هذا القول تكون الآية منسوخة بقوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم الآية وقد روى أن قيس بن صرمة أكل بعدما نام وأن عمر بن الخطاب جامع زوجته بعد ان نامت فنزل فيهما قوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث الاية القول الثاني أنها ترجع إلى عدد الصوم لا إلة صفته ولأرباب هذا القول في ذلك ثلاثة أقوال

[ 64 ]
أما الأول فأخبرنا أبو بكر بن حبيب قال أبنا علي بن الفضل العامري قال أبنا ابن عبد الصمد قال أبنا ابن حموية قال أبنا إبراهيم بن حريم قال حدثنا عبد الحميد قال بنا هاشم بن القاسم قال بنا محمد بن طلحة عن الأعمش قال قال ابن عباس رضي الله عنهما كتب على النصاري الصيام كما كتب عليكم فكان أول أمر النصارى أن قدموا يوما قالوا حتى لا نخطئ قال ثم آخر أمرهم صار إلى أن قالوا نقدمه عشرا ونؤخر عشرا حتى لا نخطئ فضلوا وقال دغفل بن حنظلة كان على النصارى صوم رمضان فمرض ملكهم فقالوا إن شفاه الله تعالى لنزيدن عشرة ثم كان بعده ملك آخر فأكل اللحم فوجع فوه فقال إن شفاه ليزيدن سبعة أيام ثم ملك بعده ملك فقال ما ندع من هذه الثلاثة الأيام أن نتمها ونجعل صومنا في الربيع ففعل فصارت خمسين يوما وروى السدي عن أشياخه قال اشتد على النصاري صيام رمضان وجعل يتقلب عليهم في الشتاء والصيف فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف وقالوا نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا فجعلوا صيامهم خمسين يوما فعلى هذا البيان الآية محكمة غير منسوخة وأما الثاني فأخبرنا عبد الوهاب قال أبنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي قالا أخبرنا أبو علي بن شاذان قال أبنا أحمد بن كامل قال أبنا محمد ابن سعد قال حدثنا أبي قال حدثني عمي الحسين بن الحسن بن عطية قال حدثني أبي عن جدي عن ابن عباس رضي الله عنهما كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم فكان ثلاثة أيام في كل شهر ثم نسخ ذلك ما أنزل من صيام رمضان وقال قتادة كتب الله عزوجل على الناس قبل نزول شهر رمضان ثلاثة أيام من كل شهر

[ 65 ]
وأما الثالث فقد روى النزال بن سبرة عن ابن مسعود أنه قال ثلاثة أيام من كل شهر ويوم عاشوراء وقد زعم أرباب هذا القول أن الآية منسوخة بقوله شهر رمضان وفي هذا بعد كثير لأن قوله شهر رمضان جاء عقيب قوله كتب عليكم الصيام فهو كالتفسير للصيام والبيان له القول الثالث إن التشبيه راجع إلى نفس الصوم لا إلى صفته ولا إلى عدده وبيان ذلك أن قوله تعالى كما كتب على الذين من قبلكم لا يدل على عدد ولا صفة ولا وقت وإنما يشير إلى نفس الصيام كيف وقد عقبه الله بقوله تعالى أياما معدودات فتلك يقع على يسير الأيام وكثيرها فلما قال تعالى في نسق التلاوة شهر رمضان بين عدد الأيام المعدودات ووقتها وأمر بصومها فكان التشبيه الواقع في نفس الصوم والمعنى كتب عليكم أن تصوموا كما كتب عليهم وأما صفة الصوم وعدده فمعلوم من وجوه أخر لا من نفس الآية وهذا المعنى مروي عن ابن أبي ليلى وقد أشار السدي والزجاج والقاضي أبو يعلى وما رأيت مفسرا يميل إلى التحقيق إلا وقد أومى إليه وهو الصحيح وما ذكره المفسرون فإنه شرح حال صوم المتقدمين وكيف كتب عليهم لأنه تفسير للآية وعلى هذا البيان لا تكون الآية منسوخة أصلا ذكر الآية الخامسة عشرة قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين اختلف المفسرون في معنى الآية على قولين القول الأول انه يقتضي التخيير بين الصوم والإفطار مع الإطعام لأن معنى الكلام

[ 66 ]
وعلى الذين يطيقونه ولا يصومونه فدية فعلى هذا يكون الكلام منسوخا بقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا أبو الفضل البقال قال أبنا ابن بشران قال بنا الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي أحمد بن حنبل قال بنا عبد الرزاق قال بنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن ابن عباس رضي الله عنهما وعلى الذين يطيقونه قال نسختها فمن شهد منكم الشهر فليصمه قال أحمد وحدثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله عنهما وعلى الذين يطيقونه وكانت الإطاقة أن الرجل والمرأة يصبح صائما ثم إن شاء أفطر وأطعم لذلك مسكينا فنسختها فمن شهد منكم الشهر فليصمه قال أحمد وحدثنا عبد الله بن ادريس قال بنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة وعلى الذين يطيقونه قال نسختها فمن شهد منكم الشهر فليصمه قال أحمد وحدثنا وكيع قال بنا محمد بن سليم عن ابن سيرين عن عبيدة وعلى الذين يطيقونه قال نسختها التي بعدها والتي تليها أخبرنا أبو بكر بن حبيب قال أبنا علي بن الفضل قال أبنا ابن عبد الصمد قال بنا عبد الله بن أحمد قال بنا إبراهيم بن حريم قال بنا عبد الحميد قال أبنا عبيد الله موسى عن إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال كانوا إذا أرادوا الرجل أن يفطر يوما من رمضان من غير مرض أفطر وأطعم نصف صاع حتى نسختها فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فلم يكن إلا لهما

[ 67 ]
قال عبد الحميد وحدثنا مسلم بن إبراهيم قال بنا وهيب بن خالد عن ابن شبرمة عن الشعبي قال لما نزلت وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين أفطر الأغنياء وأطعموا وحصل الصوم على الفقراء فأنزل الله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه فصام الناس جميعا أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال أبنا أحمد بن علي بن ثابت قال أبنا أبو عمرو بن مهري قال أبنا محمد بن مخلد قال بنا القاسم بن عياد قال بنا بشر بن عمر قال بنا حماد بن زيد عن سلمة بن علقمة عن ابن سيرين أن ابن عباس رضي الله عنهما قال وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال هذه منسوخة وروى عطية وابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان في الصوم الأول فدية طعام مسكين فمن شاء من مسافر أو مقيم أن يطعم مسكينا ويفطر كان ذلك رخصة له ثم نسخ ذلك أخبرنا محمد بن ناصر قال أبنا علي بن أيوب قال أبنا علي بن شاذان قال بنا أبو بكر النجاد قال بنا أبو داود السجستاني قال بنا قتيبة وأبنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا أبو بكر محمد بن هبة الله الطبري قال أبنا أبو الحسين بن الفضل القطان قال بنا أبو محمد بن درستويه قال بنا يعقوب بن سفيان قال بنا أبو صالح قال بنا بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن يزيد مولى أم سلمة عن سلمة بن الأكوع قال لما نزلت وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين كان من أراد منا أن يفطر ويفتدي فعل حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها وقال أنس رضي الله عنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أمرهم بصيام ثلاثة أيام

[ 68 ]
وكانوا قوما لم يتعودوا الصيام وكان الصوم عليهم شديدا وكان من لم يصم أطعم مسكينا وقد روى هذا المعنى أنه كان من شاء صام ومن شاء أفطر وافتدى لقوله وعلى الذين يطيقونه فدية إلى أن نزل قوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه فنسخ ذلك بهذه عن جماعة منهم معاذ بن جبل وابن مسعود وابن عمر والحسن وعكرمة وقتادة والضحاك والنخعي والزهري رضي الله عنهم والقول الثاني أنه محكم غير منسوخ وأن فيه إضمارا تقديره وعلى الذين كانوا يطيقونه أو لا يطيقونه فدية وأشير بذلك إلى الشيخ الفاني الذي يعجز عن الصوم والحامل التي تتأذى بالصوم والمرضع أخبرنا عبد الوهاب قال أبنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي قالا ابنا ابن شاذان قال أبنا أحمد بن كامل قال أبنا محمد بن سعد العوفي قال حدثني أبي قال بنا عمي الحسين بن حسن بن عطية قال حدثني أبي عن جدي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعلى الذين يطيقونه فدية هو الشيخ الكبير كان يطيق صيام رمضان وهو شاب فكبر وهو عليه لا يستطيع صومه فليتصدق على مسكين واحد لكل يوم أقط واخبرنا إسماعيل بن أحمد قل أبنا عمر بن عبيد الله البقال قال أبنا بشران قال أبنا إسحاق الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا روح قال بنا زكريا بن إسحق قال بنا عمرو بن دينار عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقرأ وعلى الذين يطيقونه فدية قال ليست بمنسوخة وهو الشيخ الكبير والمرأة الكبير لا يستطيعان أن يصوما فيطعما مكان كل يوم مسكينا أخبرنا أبو بكر العامري قال أبنا علي بن الفضل قال أبنا بن عبد الصمد

[ 69 ]
قال أبنا عبد الله بن أحمد قال أبنا إبراهيم بن حريم قال أبنا عبد الحميد قال أبنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة قال كان ابن عباس يقول لم ينسخ قال عبد الحميد وأخبرنا النضر بن شميل قال بنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما وعلى الذين يطيقونه فدية قال هم الذي يكلفونه ولا يطيقونه هو الشيخ والشيخة قال عبد الحميد وأخبرنا إبراهيم عن أبيه عن عكرمة وعلى الذين يطيقونه فدية قال هو الشيخ الكبير الذي لا يطبق الصيام يطعم عنه لكل يوم مسكين وقد روى قتادة عن عكرمة قال نزلت في الحامل والمرضع وقد أخبرنا ابن الحصين قال أبنا أبو طالب بن غيلان قال أبنا أبو بكر الشافعي قال أبنا إسحق بن إبراهيم بن الحسن قال بنا موسى بن مسعود النهدي قال بنا سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد قال كان ابن عباس رضي الله عنهما يقرؤها وعلى الذين يطوقونه قال الشيخ الكبير الذي لا يطبق الصيام يطعم عنه وبالإسناد حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب وعلى الذين يطوقونه قال الشيخ الكبير الذي يصوم فيعجز والحامل إن أشتد عليها الصوم يطعمان لكل يوم مسكينا قلت هذه القراءة لا يلتفت إليها لوجوه الأول أنها شاذة خارجة عما اجتمع عليه المشاهير فلا يعارض ما تثبت الحجة بنقله والثاني أنها تخالف ظاهر الآية لأن الآية تقتضي الاطاقة لقوله وأن تصوموا خير لكم وهذه القراءة تقتضي نفيها والثالث إن الذين يطيقون الصوم ويعجزون عنه ينقسمون إلى قسمين

[ 70 ]
الأول من يعجز لمرض أو لسفر أو لشدة جوع أو عطش فهذا يجوز له الفطر ويلزمه القضاء من غير كفارة والثاني من يعجز لكبر السن فهل يلزمه الكفارة من غير قضاء لم يلزمه القضاء والكفارة وقد يجوز الافطار للعذر لا للعجز كما نقول في الحامل والمرضع إذا خافتا على الولد وهذا كله ليس بمستفاد من الآية إنما المعتمد فيه على السنة وأقوال الصحابة فعلى هذا البيان يكون النسخ أولى من الآية بالإحكام يدل على ما قلنا قوله تعالى في تمام الآية وأن تصوموا خير لكم وغير جائز أن يعود هذا الكلام إلى المرض والمسافرين ولا إلى الشيخ الكبير ولا إلى الحامل والمرضع إذا خافتا على الولد لأن الفطر في حق هؤلاء أفضل من الصوم من جهة أنهم قد نهوا أن يعرضوا أنفسهم للتلف وإنما عاد الكلام إلى الأصحاء المقيمين خيروا بين الصوم والإطعام فانكشف بما أوضحنا أن الآية منسوخة قال أبو عبيد القاسم بن سلام لا تكون الآية على القراءة الثانية وهي يطيقونه إلا منسوخة ذكر الآية السادسة عشرة قوله تعالى وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين اختلف المفسرون في هذه الآية هل هي منوسخة أو محكمة على قولين القول الأول أنها منسوخة ثم اختلف أرباب هذا القول في المنسوخ منها على قولين الأول انه أولها وهو قوله قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم قالوا وهذا يقتضي أن القتال إنما يباح في حق من قاتل من الكفار فأما من لم يقاتل فإنه لا يقاتل ولا يقتل

[ 71 ]
ثم اختلف هؤلاء في ناسخ ذلك على أربعة أقوال الأول أنه قوله تعالى وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة والثاني أنه قوله تعالى واقتلوهم حيث ثقفتموهم والثالث قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر والرابع فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قلت وهذا القول الذي قالوا وإنما أخذوه من دليل الخطاب إنما هو حجة ما لم يعارضه دليل أقوى منه وقد عارضه ما هو أقوى منه كآية السيف وغيرها مما يقتضي اطلاق قتل الكفار قاتلوا فأما الآية الأولى التي زعموا أنها ناسخة فإنها تشبه المنسوخة وتوافقها في حكمها لأنها إنما تضمنت قتال من قاتل واما الآية الثانية فإنها تضمنت قتال الذين أمروا بقتالهم لأن قوله واقتلوهم عطف على المأمور بقتالهم وأما الآية الثالثة فإنها تتضمن قتال أهل الكتاب والآية التي ادعى نسخها مطلقة في كل من يقاتل وأما الرابعة تصلح ناسخة لو وجدت ما تنسخه وليس ههنا إلا دليل الخطاب وليس بحجة ههنا على ما بينا القول الثاني أن المنسوخ منها قوله ولا تعتدوا للمفسرين في معنى هذا الاعتداء خمسة أقوال الأول لا تعتدوا بقتل النساء والولدان رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وابن أبي نجيح عن مجاهد

[ 72 ]
الثاني بقتال من لم يقاتلكم قاله أبو العالية وسعيد بن جبير وابن زيد وهؤلاء إن عنوا من لم يقاتل لأنه لم يعد نفسه للقتال كالنساء والولدان والرهبان فالآية محكمة لأن هذا الحكم ثابت وإن عنوا من لم يقاتل من الرجال المستعدين للقتال توجه النسخ والثالث أن الاعتداء إتيان ما نهى الله عنه قاله الحسن والرابع أنه ابتداء المشركين بالقتال في الشهر الحرام في الحرم قاله مقاتل والخامس لا تعتدوا بقتال من وادعكم وعاقدكم بين قاله ابن قتيبة والظاهر أحكام الآية كلها ويبعد ادعاء النسخ فيها ذكر الآية السابعة عشرة قوله تعالى ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه اختلف العلماء هل هذه الآية منسوخة أو محكمة على قولين القول الأول أنها منسوخة واحتلفوا في ناسخها على ثلاثة أقوال الأول أنه قوله تعالى اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فأمر بقتلهم في الحل والحرم قاله قتادة أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا أبو الفضل البقال قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحق الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا عبد الوهاب عن همام عن قتادة ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه

[ 73 ]
فأمر أن لا يبدأو أهل بقتال ثم قال قل قتال فيه كبير ثم نسخت الآيتان في براءة فقال اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قال أحمد وحدثنا حسين عن شيبان عن قتادة ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام قال كانوا لا يقاتلون به حتى يقاتلوهم ثم نسخ ذلك فقال اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فأمر الله بقتالهم في الحل والحرم وعلى كل حال والثاني قوله تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة قاله الربيع بن أنس وابن زيد والثالث قوله تعالى واقتلوهم حيث ثقفتموهم قاله مقاتل والقول الثاني أنها محكمة وأنه لا يجوز أن يقاتل أحد في المسجد الحرام حتى يقاتل وهذا قول مجاهد والمحققين ويدل عليه ما روى في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مكة انها لا تحل لأحد من بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض أنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولا يحل إلا ساعة من نهار وقد ادعى بعض من لا علم له أن هذه الآية نسخت بحديث أنس رضي الله عنه

[ 74 ]
أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر فأمر بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة وهذا باطل من وجهين الأول أن القرآن لا ينسخ إلا القرآن ولو أجزنا نسخه بالسنة لا حتجنا حديث إلى أن نعتبر في نقل ذلك الناسخ ما اعتبر في نقل المنسوخ وطريق الرواية لا يثبت ثبوت القرآن والثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين أنه إنما خص بالإباحة في ساعة من نهار والتخصيص ليس بنسخ لأن النسخ ما رفع الحكم على الدوام كما كان ثبوت حكم المنسوخ وقد أمكن الجمع بين ما ادعوه ناسخا ومنسوخا وصح العمل بهما فيكون قوله اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقوله قاتلوهم حتى لا تكون فتنة في غير الحرم بدليل قوله ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه وكذلك قوله اقتلوهم حيث ثقفتموهم أي في غير الحرم بدليل قوله عقيب ذلك واخرجوهم من حيث أخرجوكم ولو جاز قتلهم في الحرم لم يحتج إلى ذكر الإخراج فقد بان مما أوضحنا إحكام الآية وانتفى النسخ عنها ذكر الآية الثامنة عشرة قوله تعالى فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم اختلف المفسرون في المراد بهذا الانتهاء على قولين الأول أنه الانتهاء عن الكفر والثاني عن قتال المسلمين لا عن الكفر فعلى القول الأول الآية محكمة والثاني يختلف في المعنى فمن المفسرين من يقول فإن الله غفور رحيم إذ لم يأمركم بقتالهم

[ 75 ]
في الحرم بل يخرجون منه على ما ذكرنا في الآية التي قبلها فلا يكون نسخ أيضا ومنهم من يقول المعنى اعفوا عنهم وارحموهم عند فيكون لفظ الآية لفظ خبر ومعناه الأمر بالرحمة لهم والعفو عنهم وهذا منسوخ بآية السيف ذكر الآية التاسعة عشرة قوله تعالى الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص اختلف العلماء هل في هذه الآية منسوخ أم لا على قولين الأول أن فيها منسوخا واختلف أرباب هذا القول فيه على قولين الأول أنه قوله الشهر الحرام بالشهر بالحرام قالوا وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر في ذي القعدة فصده المشركين عن أداء عمرته فقضاها في السنة الثانية في ذالقعدة فاقتضى هذا أن من فاته أداء ما وجب عليه بالإحرام الذي عقده في الأشهر الحرم أن يجب عليه قضاؤه في مثل ذلك الشهر الحرام ثم نسخ ذلك وجعل له قضاؤه أي وقت شاء أما في مثل ذلك الشهر أو غيره قال شيخنا علي بن عبيد الله ومن حكى ذلك عنه عطاء قلت وهذا القول لا يعرف عن عطاء ولا يشترط أحد من الفقهاء المشهورين على من منع من عمرته أو أفسدتها أن يقضيها في مثل ذلك الشهر والثاني أنه قوله فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ثم اختلف أرباب هذا القول في معنى الكلام ووجه نسخه على ثلاثة أقوال أحدها أن هذا نزل بمكة والمسلمون قليل ليس لهم سلطان يقهرون به المشركين وكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى فأمر الله تعالى المسلمون أن

[ 76 ]
يأتوا إليهم مثل ما أتوا إليهم أو يعفوا ويصبروا فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأعز الله سلطانه نسخ ما كان تقدم من ذلك رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما والثاني أنه كان في أول الأمر إذا اعتدي على الإنسان فله أن يقتص لنفسه بنفسه من غير مرافعة إلى سلطان المسلمين ثم نسخ ذلك بوجوب الرجوع إلى السلطان في إقامة الحدود والقصاص قال شيخنا وممن حكى ذلك عنه ابن عباس رضي الله عنهما قلت وهذا لا يثبت عن ابن عباس ولا يعرف له صحة فإن الناس ما زالوا يرجعون إلى رؤسائهم وسلاطينهم في الجاهلية والإسلام إلا أنه لو أن إنسانا استوفى حق نفسه من خصيمه من غير سلطان أجزأ ذلك وهل يجوز له ذلك فيه روايتان عن أحمد والثالث أن معنى الآية فمن اعتدى عليكم في الشهر الحرام فاعتدوا عليه فيه ثم نسخ ذلك وهذا مذكور عن مجاهد ولا يثبت ولو ثبت كان مردودا بأن دفع الاعتداء جائز في جميع الأزمنة عند جميع العلماء وهذا حكم غير منسوخ والصحيح في هذه الآية أنها محكمة غير منسوخة فأما أولها فإن المشركين لما منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخول مكة في شهر حرام اقتص لنبيه عليه السلام بإدخاله مكة في شهر حرام أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال أبنا أحمد بن المشن لأنه بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي قال أبنا أبو علي بن شاذان قال أبنا أحمد بن كامل القاضي قال أبنا محمد بن سعد العوفي قال حدثني أبي قال حدثني عمي الحسين بن حسن بن عطية قال حدثني أبي عن جدي عن بن عباس رضي الله عنهما قال كان المشركون حبسوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة عن البيت ففخروا عليه بذلك فرجعه الله في ذي القعدة فأدخله البيت الحرام فاقتص له منهم فأما قوله فمن اعتدى عليكم

[ 77 ]
فقال سعيد بن جبير كان المشركون قد عاهدوه يوم الحديبية أن يخلوا له مكة ولأصحابه العام المقبل ثلاثة أيام فلما جاء العام الذي كان الشرط بينهما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه محرمين بعمرة فحافوا أخبرنا أن لا يوف لهم المشركون بما شرطوا وأن يقتلوهم عند المسجد الحرام وكره المسلمون القتال في شهر حرام وبلد حرام فنزلت فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه أي من قاتلكم من المشركين في الحرم فقاتلوه فإن قال قائل فكيف يسمى الجزاء اعتداء فالجواب إن صورة الفعلين واحدة وإن اختلف حكمهما قال الزجاج والعرب تقول ظلمني فلان فظلمته أي جازيته بظلمه وجهل علي فجهلت عليه أي جازيته بجهله قلت فقد بان بما ذكرنا أن الآية محكمة ولا وجه لدخولها في المنسوخ أصلا ذكر الآية العشرين قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله اختلف المفسرون في المراد بإتمامها على خمسة أقوال الأول أن يحرم بهما من دويرة أهله قاله علي وسعيد بن جبير وطاؤس والثاني الإتيان بما أمر الله به فيهما قاله مجاهد والثالث إفراد كل واحد عن الآخر قال الحسن وعطاء والرابع أن لا يفسخهما يا بعد الشروع فيهما رواه عطاء عن ابن عباس والخامس أن يخرج قاصدا لهما لا يقصد شيئا آخر من تجارة أو غيرها وهذا القول فيه بعد وقد ادعى بعض العلماء على قائله أنه يزعم أن الآية نسخت بقوله

[ 78 ]
تعالى ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا من ربكم والصحيح في تفسير الآية ما قاله ابن عباس وهو محمول على النهي عن فسخهما لغير عذر أو قصد صحيح وليست هذه الآية بداخلة في المنسوخ أصلا ذكر الاية الحادية والعشرين قوله تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله ذكر بعض المفسرين أن هذا الكلام اقتضى تحريم حلق الشعر سواء وجد به أذى أو لم يوجد ولم يزل الأمر على ذلك حتى رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عجرة والقمل يتناثر على وجهه فقال اتجد شاة فقال لا فنزلت فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك والمعنى فحلق ففدية فاقتضى هذا الكلام إباحة حلق الشعر عند الأذي مع الفدية وصار ناسخا لتحريمه المتقدم قلت وفي هذا بعد من وجهين الأول أنه يحتاج ان يثبت أن نزول قوله فمن كان منكم مريضا تأخر عن نزول أول الآية ولا يثبت هذا والظاهر نزول الآية في مرة بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم أتجد شاة والشاة هي النسك المذكور في قوله أو نسك والثاني إنا لو قدرنا نزول متأخرا فلا يكون نسخا لأنه قد بان بذكر العذر أن الكلام الأول لمن لا عذر له فصار التقدير ولا تحلقوا رؤسكم إلا أن يكون منكم مريض أو من يؤذيه هوامه فلا ناسخ ولا منسوخ

[ 79 ]
ذكر الآية الثانية والعشرين قوله تعالى يسألونك ماذا ينفقون اختلفوا هل هذه منوسخة أم محكمة روى السدي عن أشياخه أنه يوم نزلت هذه لم تكن زكاة وإنما في نفقة الرجل على أهله والصدقة يتصدقون بها فنسختها الزكاة وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال نسخت هذه بآية الصدقات في براءة روى أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال نسخ منه الصدقة على الوالدين وصارت الصدقة لغيرهم الذن لا يرثون من الفقراء والمساكين والأقربين وقد قال الحسن البصري والمراد بها التطوع على من لا يجوز اعطاؤه الزكاة كالوالدين والمولودين وهي غير منسوخة وقال ابن زيد هي في النوافل وهم أحق بفضلك قلت من قال بنسخها ادعى أنه وجب عليهم أن ينفقوا فسألوا عن وجوه الإنفاق فدلوا على ذلك وهذا يحتاج إلى نقل والتحقيق أن الآية عامة في الفرض والتطوع فحكمها ثابت غير منسوخ لأن ما يجب من النفقة على الوالدين والأقربين إذا كانوا فقراء لم ينسخ بالزكاة وما يتطوع به لم ينسخ بالزكاة وقد قامت الدلالة على أن الزكاة لا تصرف إلى الوالدين والولد وهذه الآية بالتطوع أشبه لأن ظاهرها أنهم طلبوا بيان الفضل في إخراج الفضل فبينت لهم وجود الفضل ذكر الآية الثالثة والعشرين قوله تعالى كتب عليكم القتال اختلفوا في هذه الآية هل هي منسوخة أو محكمة فقال قوم هي منسوخة لأنها تقتضي وجوب القتال على الكل لأن الكل خوطبوا بها وكتب بمعنى فرض قال ابن جريج سألت عطاءا أواجب الغزو على

[ 80 ]
الناس من أجل هذه الآية فقال إنما كتب على أولئك حينئذ وقال ابن أبي نجيح سألت مجاهدا هل الغزو واجب على الناس فقال لا إنما كتب عليهم يومئذ وقد اختلف أرباب هذا القول في ناسخها على قولين الأول أنه قوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها قال عكرمة والثاني قوله فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة وقد زعم بعضهم أنها ناسخة من وجه ومنسوخة من وجه وذلك أن الجهاد كان على ثلاث طبقات الأولى المنع من القتال وذلك مفهوم من قوله تعالى ألم تر إلذين لو قيل لهم كفوا أيديكم فنسخت بهذ الآية ووجب بها التعين على الكل وساعدها قوله تعالى أنفروا خفافا وثقالا ثم استقر الأمر على أنه إذا قام بالجهاد قوم سقط على الباقين بقوله تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة والصحيح أن قوله كتب عليكم القتال محكم وأن فرض الجهاد لازم للكل إلا أنه من فروض الكفايات إذا قام به قوم سقط عن الباقين فلا وجه للنسخ ذكر الآية الرابعة والعشرين قوله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير سبب سؤالهم عن هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فقتلوا عمرو بن الخضرمي في أول ليلة من رجل فعيرهم المشركون بذلك فنزلت هذه الآية وهي تقتضي تحريم القتال في الشهر الحرام لقوله قل قتال فيه كبير قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما لا يحل وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما عظم

[ 81 ]
العقوبة وهذا إقرار لهم على ما كانوا عليه في الجاهلية فإنهم كانوا يحرمون القتال في الأشهر الحرم أخبرنا أبو الحسن الأنصاري قال أبنا عبد الله بن علي الألوسي قال أخبرني عبد الملك بن عمر الدرار قال أبنا ابن شاهين قال بنا يحيى بن محمد صاعد قال بنا محمد بن توبة العنبري قال أبنا أزهر بن سعد قال بنا ابن عون قال أبو رجاء العطاردي كان إذا دخل شهر رجب قالوا قد جاء منصل الأسنة فيعمد أحدهم إلى سنان رمحه فيخلعه ويدفعه إلى النساء فيقول أشدن يكون هذا في عكومكن مع فلو مر أحدنا على قاتل أبيه لم يوقظه قلت واختلف العلماء هل هذا التحريم باق أم نسخ وأخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله البقال قال أبنا ابن بشران قال بنا الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا حجاج عن ابن جريج قال قلت لعطاء يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ما لهم إذ ذلك لا يحل لهم أن يغزو أهل الشرك في الشهر الحرام ثم غزوهم فيه بعد فحلف لي بالله ما يحل للناس الآن أن يغزو في الحرم ولا في الشهر الحرام إلا أن يقاتلوا فيه أو يغزو منا نسخت وروى عبد خير عن علي عليه السلام في قوله يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قال نسختها اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقال سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وسائر علماء الأمصار إن القتال في الشهر الحرام جائز فإن

[ 82 ]
هذه الآية منسوخة بقوله فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقوله قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا أبو الفضل البقال قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد قال قال حدثني أبي قال بنا عبد الرزاق عن معمر قال قال الزهري كان النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا يحرم القتال في الشهر الحرام ثم أحل له بعد ذكر الآية الخامسة والعشرين قوله تعالى يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس اختلف العلماء في هذه الآية فقال قوم إنها تضمنت دم الخمر لا تحريمها وهو مذهب ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وقال آخرون بل تضمنت تحريمها وهو مذهب الحسن وعطاء فأما قوله تعالى وإثمهما أكبر من نفعهما فيتجاذبه أرباب القولين فأما أصحاب القول الأول فإنهم قالوا إثمهما بعد التحريم أكبر من نفعهما قبله وقال أصحاب القول الثاني إثمهما قبل التحريم أكبر من نفعهما حينئذ أيضا لأن الإثم الحادث عن شربها من ترك الصلاة والإفساد الواقع عن السكر لا يوازي منفعتها الحاصلة من لذة أو بيع ولما كان الأمر محتملا للتأويل قال عمر بن الخطاب بعد نزول هذه الآية اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا وعلى القول الأول يتوجه النسخ بقوله تعالى فاجتنوه سعيد

[ 83 ]
ذكر الآية السادسة والعشرين قوله تعالى ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو فالمراد بهذا الانفاق ثلاثة أقوال القول الأول أنه الصدقة والعفو ما يفضل عن الإنسان أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال أبنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي قال أبنا أبو علي بن شاذان قال أبنا أحمد بن كامل قال أبنا محمد بن إسماعيل بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي عن جدي عن ابن عباس رضي الله عنهما قل العفو قال ما أتوك به من شئ قليل أو كثير فاقبله منهم لم يفرض فيه فريضة معلومة ثم نزلت بعد ذلك الفرائض مسماة وقد قيل إن المراد بهذه الصدقة الزكاة أخبرنا محمد بن عبد الله بن حبيب قال أبنا علي بن الفضل قال أبنا عبد الصمد قال أبنا عبد الله بن حموية قال أبنا إبراهيم بن حريم قال ابنا عبد الحميد قال بنا شبابة عن ورقاء عن ابن نجيح عن مجاهد قال العفو الصدقة المفروضة والقول الثاني أنه كان فرض عليهم قبل الزكاة أن ينفقوا ما يفضل عنهم فكان أهل الحرث يأخذون قدر ما يكفيهم من نصيبهم ويتصدقون بالباقي وأهل الذهب والفضة يأخذون قدر ما يكفيهم في تجارتهم ويتصدقون بالباقي ذكره بعض المفسرين والثالث أنها نفقة التطوع وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حثهم على الصدقة ورغبهم بها قالوا ماذا ننفق وعلى من ننفق فنزلت هذه الآية قال مقاتل بن

[ 84 ]
حبان في قوله يسألونك ماذا ينفقون قال هي النفقة في التطوع فكان الرجل يمسك من ماله ما يكفيه سنة ويتصدق بسائره وإن كان ممن يعمل ببدنه أمسك ما يكفيه يوما ويتصدق بسائره وإن كان من أصحاب الحقل والزرع أمسك ما يكفيه سنة ويتصدق بسائره فاشتد ذلك على المسلمين فنسختها آية الزكاة قلت فعلى هذا القول معنى قوله اشتد ذلك على المسلمين أي صعب ما ألزموا نفوسهم به فإن قلنا هذه النفقة نافلة أو هي الزكاة فالآية محكمة وإن قلنا إنها نفقة فرضت قبل الزكاة فهي منسوخة بآية الزكاة والأظهر في أنها الإنفاق في المندوب إليه ذكر الآية السابعة والعشرين قوله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن اختلف المفسرون في المراد بالمشركات هاهنا على قولين الأول أنهن الوثنيات أخبرنا أبو بكر بن حبيب العامري قال أبنا علي بن الفضل قال أبنا محمد بن عبد الصمد قال أبنا عبد الله بن أحمد قال أبنا إبراهيم ابن حريم قال بنا عبد الحميد قال بنا قبيصة عن حماد قال سألت إبراهيم عن تزويج اليهودية والنصرانية قال لا بأس به فقلت أليس الله تعالى يقول ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن قال إنما المجوسيات وأهل الأوثان قال عبد الحميد حدثنا يونس عن سفيان عن قتادة ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن قال المشركات العرب اللاتي ليس لهن كتاب يقرأنه قال سعيد بن جبير هن المجوسيات وعابدات الأوثان والثاني انه عام في الكتابيات وغيرهن من الكافرات فالكل مشركات وافترق أرباب هذا القول على قولين

[ 85 ]
الأول ان هذا القدر من الآية نسخ بقوله تعالى والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم فأخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله البقال قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال أبنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال بنا ابن مبارك عن يونس عن الزهري ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ثم أحل نكاح المحصنات من أهل الكتاب لم ينسخ من هذه الآية فنكاح كل مشرك سوى نساء أهل الكتاب حرام والثاني أن قوله ولا تنكحوا المشركات لفظ عام خص منه الكتابيات بآية المائدة وهذا تخصيص لا نسخ وعلى هذا الفقهاء وهو الصحيح وقد زعم قوم أن أهل الكتاب ليسوا مشركين وهذا فاسد لأنهم قالوا عزير ابن الله والمسيح ابن الله فهم بذلك مشركون ذكر الآية الثامنة والعشرين قوله تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى تزعم ثوهم بكر قل علمهم أن هذه الآية منسوخة فقالوا هي تقتضي مجانبة الحائض على الإطلاق كما يفعله اليهود ثم نسخت بالسنة وهو ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح الأستمتاع بالحائض إلا النكاح وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستمتع من الحائض بما دون الازار وهذ ظن منهم فاسد لأنه لا خلاف بين الآية والأحاديث قال أحمد بن حنبل الحيض موضع الدم ويوضح هذا التعليل للنهي بأنه أذى فخص المنع مكان الأذى ثم لو كانت الأحاديث تضاد الآية قدمت الآية لما بينا في أول الكتاب من أن الناسخ ينبغي من أن يشابه المنسوخ في قوته والقرآن أقوى من السنة

[ 86 ]
ذكر الآية التاسعة والعشرين قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء قد ذهب جماعة من القدماء إلى أن في هذه الآية منسوخة ثم اختلفوا في المنسوخ منها على قولين القول الأول أنه قوله والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء قالوا فكان يجب على كل مطلقة أن تعتد ثلاثة قروء فنسخ من ذلك حكم الحامل بقوله وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ونسخ حكم الآيسة والصغيرة من ذلك بقوله واللائي يئس من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ونسخ حكم المطلقة قبل الدخول بقوله إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة إلا أن ابن عباس استثنى ولفظ قتادة نسخ أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا أبو الفضل البقال قال أبنا أبو الحسين بن بشران قال أبنا إسحاق الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء قال فجعل عدة المطلقة ثلاث حيض ثم نسخ منها التي لم يدخل بها فقال إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فهذه ليس لها عدة وقد نسخ من الثلاثة قروء امرأتان فقال واللائي يئس من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فهذه العجوز التي لا تحيض عدتها ثلاثة أشهر ونسخ من الثلاثة قروء الحامل فقال وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن

[ 87 ]
والقول الثاني أن اول الآية محكم وإنما المنسوخ منها قوله وبعولتهن أحق بردهن قالوا فكان الرجل إذا طلق ارتجع سواء كان الطلاق ثلاثا أو دون ذلك فنسخ هذا بقوله فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره وأعلم أن القول الصحيح المعتمد عليه أن هذه الآية كلها محكمة لأن أولها عام في المطلقات وما ورد في الحامل والآيسة والصغيرة فهو مخصوص من جملة العموم وليس علي سبيل النسخ وأما الارتجاع فإن الرجعية زوجة ولهذا قال وبعولتهن ثم بين الطلاق الذي يجوز منه الرجعة فقال والطلاق مرتان إلى قوله فإن طلقها يعني الثلاثة فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ذكر الآية الثلاثون قوله تعالى الطلاق مرتان قد زعم قوم أن هذه الآية نسخت ما كانوا عليه من أن أحدهم كان يطلق ما شاء أخبرنا ابن ناصر قال بنا علي بن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال بنا أبو بكر النجاد قال بنا أبو داود السجستاني قال بنا أحمد بن محمد قال بنا علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان الرجل إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ الله ذلك فقال الطلاق مرتان وروى عن سعيد عن قتادة في قوله تعالى الطلاق مرتان قال فنسخ هذا ما كان قبله وجعل الله حد الطلاق ثلاثا قلت وهذا يجوز في الكلام يريدون به تغيير تلك الحال وإلا فالتحقيق أن هذا لا يقال فيه ناسخ ولا منسوخ وإنما هو ابتداء شرع وإبطال لحكم العادة وزعم آخرون أن هذه الاية لما اقتضت إباحة الطلاق على الإطلاق من غير تعيين

[ 88 ]
زمان نزل قوله فطلقوهن لعدتهن أي من قبل عدتهن وذلك ان تطلق المرأة في زمان طهرها لتستقبل قد الاعتداء بالحيض وهذا قول من لا يفهم الناسخ والمنسوخ وإنما أطلق الطلاق في هذه الآية وبين في الأخرى كيف ينبغي أن يوقع ثم إن الطلاق واقع وإن طلقها في زمان الحيض فعلم أنه تعليم أدب والصحيح أن الآية محكمة ذكر الآية الحادية والثلاثين قوله تعالى ولا يحل لكم أن تأخدوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به هذه الآية مبينة لحكم الخلع ولا تكاد نقع الفرقة بين الزوجين إلا بعد فساد الحال ولذلك علق القرآن جوازه مخالفة تركهما القيام بالحدود وهذا أمر ثابت والاية محكمة عند عامة العلماء إلا أنه قد أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله البقال قال أبنا أبو الحسين بن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال بنا حماد بن خالد الخياط قال بنا عقبة بن أبي الصهباء قال سألت بكر بن عبد الله عن رجل سألته امرأته الخلع فقال لا يحل له أن يأخذ منها شيئا قلت له يقول الله عز وجل فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله الآية قال نسخت قلت فأين جعلت قال في سورة النساء وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا قلت وهذا قول بعيد من وجهين الأول أن المفسرين قالوا في قوله تعالى وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج نزلت في الرجل يريد أن يفارق امرأته ويكره أن يصل إليها ما فرض لها من

[ 89 ]
المهر فلا يزال يتبعها أذي حتى ترد عليه ما أعطاها لتخلص منه فنهى الله تعالى عن ذلك فأما آية الخلع فلا تعلق لها بشئ من ذلك والثاني أن قوله فلا تأخذوا منه شيئا إذا كان النشوز من قبله وأراد استبدال غيرها وقوله فيما افتدت به إذا كان النشوز من قبلها فلا وجه للنسخ وقد ذكر السدي في هذه الآية نسخا من وجه آخر فقال قوله ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا منسوخ بالاستثناء وهو قوله إلا ان يخافا قلت وهذا من أرذل الأقوال لأن الاستثناء إخراج بعض ما شمله اللفظ وليس بنسخ ذكر الآية الثانية والثلاثين قوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين عامة أهل العلم على أن هذا الكلام محكم والمقصود منه بيان مدة الرضاع ويتعلق بهذه المدة أحكام الرضاع وذهب قوم من القراء إلى أنه منسوخ بقوله تعالى فإن أرادا فصالا قالوا فنسخ تمام الحولين باتفاقهما على ما دون ذلك وهذا ليس بشئ لأن الله تعالى قال لمن أراد أن يتم الرضاعة فلما قال فإن أرادا فصالا خير بين الارادتين فلا تعارض وفي الآية موضع آخر وهو قوله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك اختلفوا في الوارث فقال بعضهم هو وارث المولود

[ 90 ]
وقال بعضهم هو وارث الوالد وقال بعضهم المراد بالوارث الباقي من والدي الولد بعد وفاة الآخر وقيل المراد بالوارث الصبي نفسه عليه لأمه مثل ما كان على أبيه لها من الكسوة والنفقة وقيل بل على الوارث أن لا يضار واعلم أن قول الوارث الصبي والنفقة عليه لا ينافي قول من قال المراد بالوارث وارث الصبي لأن النفقة إنما تجب على الوراث إذا ثبت إعسار المنفق عليه وقال مالك بن أنس لا يلزم الرجل نفقة أخ ولا ذي قرابة ولا ذي رحم منه قال وقول الله عز وجل وعلى الوارث مثل ذلك منسوخ ولم يبين مالك ما الناسخ قال أبو جعفر النحاس ويشبه أن يكون الناسخ عنده أنه لما أوجب الله عز وجل للمتوفي عنها زوجها من قبل المتوفي نفقة حول والسكنى ثم نسخ ذلك ورفعه نسخ ذلك أيضا عن الوارث ذكر الآية الثالثة والثلاثين قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج قال المفسرون كان أهل الجاهلية إذا مات أحدهم مكثت زوجته في بيته حولا ينفق عليها من ميراثه فإذا تم الحول خرجت إلى باب بيتها ومعها بعرة فرمت بها كلبا وخرجت بذلك من عدتها وكان معنى رميها بالبعرة أنها تقول مكثي بعد وفاة زوجي أهون عندي من هذه البعرة ثم جاء الإسلام فأقرهم على ما كانوا عليه من مكث الحول بهذه الآية ثم نسخ ذلك بالآية المتقدمة في نظم القرآن على هذه الآية

[ 91 ]
وهي قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ونسخ الأمر بالوصية لها بما فرض لها من ميراثة وفي وهذا مجموع قول الجماعة أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا أبو الفضل عمر بن عبيد الله البقال قال أبنا أبو الحسين بن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل قال حدثني أبي قال بنا حجاج عن ابن جريح عن عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله عنهما والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فكان المتوفى زوجها نفقتها وسكناها في الدار سنة فنسخها آية الميراث فجعل لهن الربع والثمن مما ترك الزوج وقال أحمد وحدثنا عبد الصمد عن همام عن قتادة متاعا إلى الحول فنسختها يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فنسخت ما كان قبلها من أمر النفقة في الحول ونسخت الفريضة والثمن والربع ما كان قبلها من نفقة في الحول قال أحمد وحدثنا محمد بن جعفر الوركاني قال بنا أبو الأحوص عن سماك عن عكرمة والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم قال نسختها والذيتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا قال أحمد وحدثنا وكيع عن سفيان عن ابن جريح عن عطاء وصية لأزواجهم قال كانت المرأة في الجاهلية تعطى سكنى سنة من يوم توفي وزجها فنسختها أربعة أشهر وعشرا

[ 92 ]
وعن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت قال سمعت إبراهيم قال هي منسوخة قال أحمد وحدثنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول قال كانت الرأة إذا توفي عنها زوجها كان لها السكنى والنفقة حولا من ماله ما لم تخرج من بيته ثم نسخ ذلك بقوله يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ذكر الآية الرابعة والثلاثين قوله تعالى لا إكراه في الدين اختلف العلماء هل هذا القدر من الآية محكم أو منسوخ فذهب قوم إلى أنه محكم ثم اختلفوا في وجه إحكامه على قولين الأول أنه من العام المخصوص وأنه خص منه أهل الكتاب فإنهم لا يكرهون على الإسلام بل يخيرون بينه وبين أداء الجزية وهذا المعنى مروي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وكان السبب في نزول هذه الآية ما أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله البقال قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحق الكاذي قال أبنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا علي بن عاصم قال بنا داود بن أبي هند عن عامر قال كانت المرأة في الأنصار إذا كانت لا يعيش لها ولد تدعي المقلاة فكانت المرأة إذا كانت كذلك نذرت إن هي أعاشت كل ولدا تصبغه يهوديا فأدرك الإسلام طوائف من أولاد الأنصار وهم كذلك فقالوا إنما صبغناهم يهودا ونحن نرى أن اليهود خير عباد الأوثان فإما إذ جاء الله بالإسلام فإنا نكرههم على الإسلام فأنزل الله تعالى لا إكراه في الدين قال أحمد وحدثنا حسين قال بنا أبو هلال قال بنا داود قال قال عامر لا إكراه في الدين كانت تكون المرأة مقلاة في الجاهلية لا يعيش لها ولد فكانت تنذر

[ 93 ]
الله عليها إن عاش لها ولد لتسلمنه في خير دين تعلمه ولم يكن في الجاهلية دين أفضل من اليهودية فتسلمه في اليهودية فلما جاء الله بالإسلام قالوا يا نبي الله كنا لا نعلم أو لا نرى دينا أفضل من اليهودية فلما جاء الله بالإسلام نرتجعهم * فأنزل الله عز وجل لا إكراه في الدين لا تكرهوهم فلا ولا ترجعوهم منه قال أحمد وبنا وكيع قال بنا سفيان عن خصيف عن مجاهد قال كان ناس مسترضعون في بني قريظة فأرادوا أن يكرهوهم على الإسلام فنزلت لاإكراه في الدين أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال أبنا ابن جبرون وأبو طاهر الباقلاوي قالا أبنا ابن شاذان قال أبنا ابن كامل قال بنا محمد بن سعد قال أخبرني أبي قال حدثني عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس رضي الله عنهما لا إكراه في الدين قال وذلك لما دخل الناس في الإسلام واعطى أهل الكتاب الجزية والثاني أن المراد به ليس الدين ما يدين به في الظاهر على جهة الإكراه عليه ولم يشهد به القلب وينطوي عليه الضمائر وإنما الدين هو المعتقد بالقلب وهذا قول أبي بكر بن الأنباري والقول الثاني أنه منسوخ لأن هذه الآية نزلت قبل الأمر بالقتال ثم نسخت بآية السيف وهذا قول الضحاك والسدي وابن زيد أخبرنا ابن ناصر قال أبنا ابن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود قال بنا جعفر بن محمد قال بنا عمرو بن طلحة القناد قال بنا أسباط بن نصر عن إسماعيل السدي فأسنده إلى من فوقه لا إكراه في الدين قال نسخ وأمر بقتال أهل الكتاب في براءة

[ 94 ]
أخبرنا المبارك بن علي قال ابنا أحمد بن الحسن بن قريش قال أبنا أبو إسحاق البرمكى قال أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا حمر بن نوح قال بنا أبو معاذ قال بنا أبو مصلح عن الضحاك لا إكراه في الدين قال نزلت هذه الآية قبل أن يؤمر بالقتال قال أبو بكر وذكر المسيب بن واضح عن بقية ابن الوليد عن عتبة بن أبي حكيم عن سليمان بن موسى قال هذه الآية منسوخة لا إكراه في الدين نسختها يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين ذكر الآية الخامسة والثلاثين قوله تعالى يا أيها الذيم آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه هذه الاية تتضمن الأمر بإثبات الدين في كتاب وإثبات الشهادة في البيع والدين واختلف العلماء هل هذا أمر وجوب أم استحباب فذهب الجمهور إلى أنه أمر ندب واستحباب أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر قال أبنا أبو محمد الجوهري قال أبنا محمد بن المظفر قال أبنا علي بن إسماعيل قال أبنا أبو حفص عمرو بن علي قال بنا معمر ابن سليمان قال سمعت أبي يقول سألت الحسن عن الرجل يبيع ولا يشهد فقال أليس ما قال الله عز وجل فإن أمن بعضكم بعضا قال أبو حفص وحدثنا يزيد بن زريع قال بنا داود بن أبي هند عن الشعبي قال إن شاء أشهد

[ 95 ]
واخبرنا ابن حصين قال أبنا أبو طالب بن غيلان قال أبنا أبو بكر الشافعي قال أبنا إسحاق بن ميمون قال بنا موسى بن مسعود قال بنا الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال إن شاء أشهد وإن شاء لم أشهد ثم قرأ فإن آمن بعضكم بعضا فعلى هذا القول الآية محكمة وذهب آخرون إلى أن الكتابة والإشهاد واجبان وهو مروي عن ابن عمر وأبي موسى ومجاهد وعطاء وابن سيرين والضحاك وأبي قلابة والحكم وابن زيد في آخرين ثم اختلف أرباب هذا القول هل سخ أم لا فذهب قوم منهم عطاء وإبراهيم إلى أنه لم ينسخ وذهب آخرون منهم أبو سعيد الخدري والشعبي وابن زيد إلى أنه نسخ بقوله فإن آمن بعضكم بعضا أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال أبنا أبو محمد الجوهري قال أبنا محمد بن المظفر قال بنا علي بن إسماعيل بن حماد قال أبنا أبو حفص عمرو بن علي قال بنا محمد بن مروان قال بنا عبد الملك بن أبي نضرة عن أبيه عن أبي سعيد أنه قرأ هذه الآية إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه حتى بلغ فإن أمن بعضكم بعضا قال هذه نسخت ما قبلها أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله البقال قال أبنا بن بشران قال أبنا إسحاق الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال بنا عفان قال بنا عبد الوارث

[ 96 ]
وأخبرنا محمد بن أبي القاسم قال بن أحمد بن أحمد قال بنا أبو نعيم الحافظ قال أبنا أحمد بن إسحاق قال بنا أبو يحيى الرازي قال بنا عبد الرحمن بن عمر قال بنا عبد الرحمن بن مهدي قال بنا محمد بن دينار كلاهما عن يونس عن الحسن واشهدوا إذا تبايعتم قال نسختها فإن أمن بعضكم بعضا قلت وهذا ليس بنسخ لأن الناسخ ينافي المنسوخ ولم يقل ههنا فلا تكتبوا ولا تشهدوا وإنما بين التسهيل في ذلك ولو كان مثل هذا ناسخا لكان قوله فلم تجدوا ماء فتيمموا ناسخا للوضوء بالماء وقوله فمن لم يجد فصيام شهرين ناسخا قوله فتحرير رقبة والصحيح أنه ليس ههنا نسخ وأنه أمر ندب وقد اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرس شهد فيه خزيمة بلا إشهاد أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا أبو إسحق البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا محمد بن بشار قال بنا محمد قال بنا شعبة عن فراس عن الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى قال ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم أحدهم رجل كان له على رجل دين فلم يشهد عليه ذكر الآية السادسة والثلاثين قوله تعالى وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله

[ 97 ]
أما إبداء ما في النفس فإنه العمل بما أضمره العبد أو نطق به وهذا مما يحاسب عليه العبد ويؤاخذ به فأما ما يخفيه في نفسه فاختلف العلماء في المراد بالمخفي في هذه الآية على القولين الأول أنه عام في جميع النخفيات: وهو قول الأكثرين ثم اختلفوا هل هذا الحكم ثابت في المؤاخذة أم منسوخ على قولين الأول أنه منسوخ بقوله لا يكلف الله نفسا إلا وسعها هذا قول علي وابن مسعود في آخرين أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحق الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال بنا عبد العزيز يعني ابن ابان قال بنا إسرائيل عن السدي عمن سمع عليا رضي الله عنه قال نزلت وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله أحزنتنا وهمتنا فقلنا يحدث أحدنا نفسه فيحاسب به فلم ندر ما يغفر منه وما لم يغفر فنزلت بعدها فنسختها لا يكلف الله نفسا إلا وسعها أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريض قال أبنا اسحق البرمكي قال ابنا محمد بن اسماعيل بن العباس قال ابنا بن أبي داود قال بنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد قال بنا حجاج قال بنا هشيم عن سيار أبي الحكم عن الشعبي عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود في قوله إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله قال نسختها الاية التي تليها ولها ما كسبت وعليها ما اكتسبت

[ 98 ]
أخبرنا أبو بكر العامري قال أبنا أبو عبد الله الطوسي قال أبنا علي بن أحمد النيسابوري قال أبنا عبد القاهر بن ظافر قال أبنا محمد بن عبد الله بن علي قال أبنا محمد بن إبراهيم اليوشنجي قال أبنا أمية بن بسطام قال بنا يزيد بن زريع قال بنا روح بن القاسم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما أنزل الله عز وجل وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله اشتد ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لو كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد الصدقة وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم أراه قال سمعنا وعصينا قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم فأنزل الله عز وجل في إثرها آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه الآية كلها ونسخها الله تعالى فأنزل الله لا يكلف الله نفسا إلا وسعها الآية إلى آخرها أخبرنا عبد الوهاب قال أبنا أبو طاهر الباقلاوي قال أبنا ابن شاذان قال بنا عبد الرحمن بن الحسن قال بنا إبراهيم بن الحسين قال بنا آدم قال بنا ورقاء عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله نسختها الآية التي بعدها لا يكلف الله نفسا إلا وسعها أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله البقال قال أبنا ابن بشران قال بنا إسحاق الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال بنا علي بن حفص قال بنا ورقاء عن عطاء بن السائب عن ابن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما لا يكلف الله نفسا إلا وسعها قال نسخت هذه الآية وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله

[ 99 ]
قال أحمد وحدثنا محمد بن حميد عن سفيان عن آدم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله شق ذلك على المسلمين قال فنزلت لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فنسختها أخبرنا بن ناصر قال بنا علي بن أيوب قال أبنا علي بن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال بنا أبو داود السجستاني قال بنا أحمد بن محمد بن ثابت قال حدثني علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله قال نسخت فقال الله لا يكلف الله نفسا إلا وسعها أخبرنا المبارك بن علي قال بنا ثأحمد بن الحسين قال أبنا أبو إسحاق البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا علي بن سهل بن المغيرة قال بنا عفان قال بنا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال نسختها الآية التي بعدها لها مت كسبت وعليها وما اكتسبت أخبرنا عبد الوهاب قال أبنا عاصم بن الحسن قال أبنا أبو عمر بن مهدي قال بنا الحسين بن إسماعيل المحاملي قال بنا يعقوب الدورقي قال بنا يزيد بن هارون قال أبنا سفيان عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه تلا هذه الآية إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فدمعت عيناه فبلغ صنيعه ابن عباس رضي الله عنهما فقال يرحم الله أبا عبد الرحمن لقد صنع ما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت فنسختها لا يكلف الله نفسا إلا وسعها أخبرنا ابن الحصين قال أبنا ابن المذهب قال أبنا أحمد بن جعفر قال بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال بنا عبد الرزاق قال بنا معمر عن حميد الأعرج عن مجاهد قال دخلت على ابن عباس فقلت يا ابن عباس كنت عند ابن عمر فقرأ هذه الآية فبكى قال أية آية قلت إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله قال ابن عباس إن هذه الآية حين أنزلت غمت أصحاب

[ 100 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم غما شديدا وغاظتهم غيظا شديدا يعني وقالوا يا رسول الله هلكنا إن كنا نؤاخذ بما تكلمنا به وبما نعمل به فأما قلوبنا فليست بأيدينا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا سمعنا وأطعنا قالوا سمعنا وأطعنا قال فنسختها هذه الآية آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون إلى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت فتجوز لهم عن حديث النفس وأخذوا بالأعمال أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله البقال قال أبنا ابن بشران قال بنا إسحاق بن أحمد الكاذي بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال بنا وكيع قال بنا سفيان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير وعن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم وعن جابر عن مجاهد قال ونسخت هذه الآية لا يكلف الله نفسا إلا وسعها نسخت إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله قال أحمد وحدثنا معاوية بن عمرو قال بنا زايدة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير قال لها ما أكسبت وعليها ما كسبت نسخت إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه قال أحمد وحدثنا يونس قال بنا حماد يعني ابن سلمة عن حميد عن الحسن إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله قال نسختها لا يكلف الله نفسا إلا وسعها قال أحمد وحدثنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة قال نزلت هذه الآية فكبرت عليهم فأنزل الله تعالى بعدها آية فيها تيسير وعافية وتخفيف لا يكلف الله نفسا إلا وسعها أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا أبو إسحق البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل الوراق قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا زياد بن أيوب قال بنا هشيم عن يسار عن الشعبقال لما نزلت وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله كان فيها شد حتى نزلت الآية التي بعدها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت فنسخت ما قبلها

[ 101 ]
قال أبو بكر وحدثنا إسحاق بن إبراهيم قال بنا الأسود عن حماد عن يونس عن الحسن وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه قال نسختها لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وإلى هذا القول ذهبت عائشة رضي الله عنها وعلي بن الحسين وابن شيرين وعطاء الخراساني والسدي وابن زيد ومقاتل والقول الثاني أنه لم تنسخ ثم اختلف أرباب هذا القول على ثلاثة أقوال الأول أنه ثابت في المؤاخذة على العموم فيؤاخذ به من يشاء ويغفر لمن يشاء وهذا مروي عن ابن عباس أيضا وابن عمر والحسن واختاره أبو سليمان الدمشقي والقاضي أبو يعلى والثاني أن المؤاخذة به واقعة لكن معناها إطلاع العبد على فعله السئ أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا أبو إسحاق البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا يعقوب بن سفيان قال بنا أبو صالح قال بنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله قال هذة الآية لم تنسخ ولكن الله عز وجل إذا جمع الخلائق يوم القيامة يقول لهم إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم يطلع عليه ملائكتي فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم وهو قوله يحاسبكم به الله يقول يخبركم به الله وفي رواية أخرى وأما الشرك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب وهو قوله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وقال أبو بكر وحدثنا محمد بن أيوب قال بنا أحمد بن عبد الرحمن قال بنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع بن أنس قال هي محكمة لم ينسخها شئ يقول يحاسبكم به الله يقول يعرفه يوم القيامة أنك أخفيت في صدرك كذا وكذا فلا يؤاخذه والثالث أن محاسبة العبد به تزول الغم والحزن والعقوبة والأذى في الدنيا وهذ قول عائشة رضي الله عنها

[ 102 ]
والقول الثاني أنه أمر به خاص في نوع من المخفيات ثم لأرباب هذا القول فيه قولان الأول أنه في الشهادة والمعنى إن تبدوا بها الشهود ما في أنفسكم من كتمان الشهادة أو تخفوه أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا إسحاق البرمكي قال أبنل غير محمد بن إسماعيل قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا زياد بن أيوب وأخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال أبنا عاصم بن الحسن قال أبنا أبو عمر بن مهدي قال أبنا أبو عبد الله المحاملي قال بنا يعقوب الدورقي وأخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال بنا الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا هشيم قال أبنا يزيد بن أبي زيادة عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه قال نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها قال أحمد وحدثنا يونس قال بنا حماد عن حميد عن عكرمة قال هذه في الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه وبهذا قال الشعبي والثاني أنه الشك واليقين أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيدالله البقال قال أبنا ابن بشران قال بنا إسحاق الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي وأخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا أبو إسحق البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا المؤمل بن هشام قال بنا إسماعيل بن علية

[ 103 ]
وأخبرنا عبد الوهاب قال أبنا طاهر الباقلاوي قال أبنا ابن شاذان قال أبنا عبد الرحمن بن الحسن قال بنا إبراهيم بن الحسين قال بنا آدم قال بنا ورقاء كلاهما عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه من الشك واليقين فعلى هذه الآية محكمة قال ابن الأنباري والذي تختاره أن تكون الآية محكمة لأن النسخ إنما يدخل على الأمر بالمعروف والنهي وقال أبو جعفر النحاس لا يجوز أن يقع في مثل هذه الآية نسخ لأنها خبر وإنما التأويل أنه لما أنزل الله تعالى وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله اشتد عليهم ووقع في قلوبهم منه شئ عظيم فنسخ ذلك قوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها أي نسخ ما وقع بقلوبهم أي أزاله ورفعه ذكر الآية السابعة والثلاثين قوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها اختلفوا في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة على قولين الأول أنها محكمة وأن الله تعالى إنما يكلف العباد قدر طاقتهم فحسب وهذا مذهب الأكثرين والثاني أنها اقتضت التكليف بمقدار الوسع بحيث لا ينقص منه فنزل قوله تعالى يريد الله بكم اليسر وذلك ينقص عن مقدار الوسع فنسختها والقول الأول أصح

[ 104 ]
باب ذكر الآيات اللواتي أدعي عليهن النسخ في سورة آل عمران ذكر الآية الأولى قوله تعالى وإن تولوا فإنما عليك البلاغ قد ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا الكلام اقتضى الاقتصار على التبليغ دون القتال ثم نسخ بآية السيف وقال بعضهم لما كان صلى الله عليه وسلم حريصا على إيمانهم مزعجا نفسه في الاجتهاد في ذلك سكن جأشه بقوله إنما أنت نذير وإنما عليك البلاغ والمعنى لا تقدر على سوق قلوبهم إلى الصلاح فعلى هذا لا نسخ ذكر الآية الثانية قوله تعالى إلا أن تتقوا منهم تقاة قد نسب قوم إلى أن المراد بالآية اتقاء المشركين أن يوقعوا فتنة أو ما يوجب القتل والفرقة ثم نسخ ذلك بآية السيف وليس هذا بشئ وإنما المراد من الآية جواز اتقائهم إذا أكرهوا المؤمن على الكفر بالقول الذي لا يعتقده وهذا الحكم باق غير منسوخ وهو المراد بقوله تعالى إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال أبنا بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي قالا أبنا ابن شاذان قال أبنا أحمد بن كامل قال حدثني محمد بن سعد العوفي قال حدثني أبي

[ 105 ]
قال حدثني عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس إلا أن تتقوا منهم تقاة والتقية باللسان من حمل على أمر يتكلم به وهو معصية أحمد الله فتكلم به مخافة الناس وقلبه مطمئن بالإيمان فإن ذلك لا يضره وأخبرنا عبد الوهاب قال أبنا أبو طاهر الباقلاوي قال أبنا ابن شاذان قال أبنا عبد الرحمن بن الحسن قال أبنا إبراهيم بن الحسين قال بنا آدم قال بنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد إلا أن تتقوا منهم تقاة قال إلا مصانعة في الدين وقد زعم إسماعيل السدي أن قوله لا يتخذ المؤمنين الكافرون أولياء منسوخة يقول إلا أن تتقوا منهم تقاة ومثل هذا ينبغي تنزيه الكتب عن ذكره فضلا عن رده فإنه قول من لا يفهم ما يقول ذكر الآية الثالثة والرابعة والخامسة قوله تعالى كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم إلى قوله ينظرون اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الآيات على ثلاثة أقوال الأول أنها نزلت في الحارث بن سويد كان قد أسلم ثم ارتد ولحق بقومه فنزلت فيه هذه الآيات فحملها إليه رجل من قومه فقرأهن عليه فرجع وأسلم قاله مجاهد والثاني أنها نزلت في عشرة آمنوا ثم ارتدوا ومنهم طعمة ووحوح والحارث بن سويد فندم منهم الحارث وعاد إلى الإسلام رواه أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما

[ 106 ]
والثالث أنها نزلت في أهل الكتاب آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث ثم كفروا به رواه عطية عن ابن عباس وبه قال الحسن وقوله كيف يهدي الله قوما كفروا استفهام في معنى الجحد أي لا يهديهم الله وفيه طرف من التوبيخ كما يقول الرجل لعبده كيف أحسن إلى من لا يطيعني أي لست أفعل ذلك والمعنى أنه لا يهدي من عاند بعد أن بان له الصواب وهذا محكم لدخول النسخ عليه وقد زعم قوم منهم السدي أن هذه الآيات منسوخات بقوله إلا الذين تابوا من بعد ذلك أخبرنا ابن المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا محمد بن الحسين قال بنا أحمد بن الفضل قال بنا أسباط عن السدي كيف يهدي الله قوما كفروا قال نزلت في الحارث ثم أسلم فنسخها الله عز وجل فقال إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا قلت وقد بينا فيما تقدم أن الاستثناء ليس بنسخ وإنما هو مبين أن اللفظ الأول لم يرد به العموم وإنما المراد به من عاند ولم يرجع إلى الحق بعد وضوحه ويؤكد هذا أن الآيات خبر والنسخ لا يدخل على الأخبار بحال ذكر الآية السادسة قوله تعالى ولله على الناس حج البيت قال السدي هذا الكلام تضمن وجوب الحج الخلق الغني والفقير والقادر والعاجز ثم نسخ في حق عادم الاستطاعة بقوله من استطاع إليه سبيلا قلت وهذا قول قبيح وإقدام بالرأي الذي لا يستند إلى معرفة اللغة العربية التي نزل بها القرآن على الحكم بنسخ القرآن وإنما الصحيح ما قاله النحويون كافة في هذه

[ 107 ]
الآية فإنهم قالوا من بدل من الناس وهذا بدل البعض كما يقول ضربت زبدا برأسه فيصير تقدير الآية ولله على من استطاع من الناس الحج أن يحج ذكر الآية السابعة قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته اختلف العلماء هل هذا محكم أو منسوخ على قولين القول الأول أنه منسوخ أخبرنا أبو بكر بن حبيبب العامري قال أبنا علي بن الفضل قال لنا ابن عبد الصمد قال أبنا ابن عبد الله بن حموية قال أبنا إبراهيم بن حريم قال أبنا عبد الحميد قال بنا إبراهيم عن أبيه عن عكرمة اتقوا الله حق تقاته قال ابن عباس فشق ذلك على المسلمين فأنزل الله عز وجل بعد ذلك فاتقوا الله ما استطعتم قال عبد الحميد وأبنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة اتقوا الله حق تقاته قال نسختها فاتقوا الله ما استطعتم أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا عبد الرزاق قال بنا معمر عن قتادة في قوله تعالى اتقوا الله حق تقاته قال أن يطاع فلا يعصى ثم نسخها قوله فاتقوا الله ما استطعتم أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا أبو إسحاق البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا يعقوب بن سفيان قال بنا ابن بكير قال بنا أبي لهيعة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير قال لما نزلت اتقوا الله حق تقاته اشتد على القوم العمل

[ 108 ]
فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فأنزل الله تخفيفا عن المسلمين فاتقوا الله ما استطعتم فنسخت الآية الأولى وعن أبي لهيعة عن أبي صخر عن محمد بن كعب اتقوا الله حق تقاته قال نسختها فاتقوا الله ما استطعتم قال أبو بكر وحدثنا محمد بن الحسين بن أبي حنيف قال أبنا أحمد بن المفضل قال أبنا أسباط عن السدي قال أما حق تقاته أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر فلم يطق الناس هذا فنسخها الله عنهم فقال اتقوا الله ما استطعتم وإلى هنا ذهب الربيع بن أنس وابن زيد ومقاتل بن سليمان ومن نص هذا القول قال حق تقاته هو القيام له بجميع ما يستحقه من طاعة واجتناب معصية قالوا هذا أمر تعجز الخلائق عنه فكيف بالواحد منهم فوجب أن تكون منسوخة وأن تعلق الأمر بالاستطاعة ويوضح هذا ما أخبرنا به يحيى بن علي المدير قال أبنا أبو الحسين بن المنصور قال أبنا أحمد بن محمد الحرزي قال أبنا البغوي قال بنا محمد بن بكار قال بنا محمد بن طلحة عن زبيد عن مرة عن ابن مسعود رضي الله عنه اتقوا الله حق تقاته قال أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر والقول الثاني أنها محكمة أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا إسحاق البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا يعقوب بن سفيان قال بنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما اتقوا الله حق تقاته قال لم تنسخ

[ 109 ]
ولكن حق تقاته ان تجاهدوا في الله حق جهاده ولا تأخذهم في الله لومة لائم ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وهذا مذهب طاؤس وهو الصحيح لأن التقوى هو اجتناب ما نهى الله عنه ولم ينه عن شئ ولا أمر به إلا وهو داخل تحت الطاقة كم قال عز وجل لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فالآيتان متوافقتان والتقدير اتقوا الله حق تقاته ما استطعتم فقد فهم الأولون من الآية تكليف ما لا يستطاع فحكموا بالنسخ وقد رد عليهم وذلك قوله لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وإنما قوله حق تقاته كقوله حق جهاده الحق ها هنا بمعنى الحقيقة ثم إن هفوة المذنب لا تنافي ان يكون مكلفا للتحفظ وإنما شرع الاستغفار والتوبة بوقوع الهفوات وقال أبو جعفر النحاس معنى قول الاولين نسخت هذه الآية أي أنزلت الأخرى بنسختها وهما واحد وإلا فهذا لا يجوز أن ينسخ لأن الناسخ هو المخالف للمنسوخ من جميع جهاته الرافع له المزيل حكمه وقال ابن عقيل ليست منسوخة لأن قوله ما استطعتم بيان لحق تقاته وأنه تحت الطاقة فمن سمى بيان القرآن نسخا فقد أخطأ وهذا في تحقيق الفقهاء يسمى تفسير مجمل أو بيان مشكل وذلك أن القوم ظنوا أن ذلك تكليف ما لا يطاق فأزال الله أشكالهم فلو قال لا تتقوه حق تقاته كان نسخا وإنما بين أني لم أرد بحق التقاة ما ليس في الطاقة ذكر الآية الثامنة قوله تعالى لن يضروكم إلا أذى قال جمهور المفسرين معنى الكلام لن يضروكم ضرا باقيا في جسد أو مال إنما هو شئ يسير سريع الزوال وتثابون عليه

[ 110 ]
وهذا لا ينافي الأمر بقتالهم فالآية محكمة على هذا ويؤكده أنها خبر والأخبار لا تنسخ وقال السدي الإشارة إلى اهل الكتاب وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم فنسخت بقوله قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر والأول أصح ذكر الآية التاسعة قوله تعالى ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها جمهور العلماء على أن هذا الكلام محكم واستدلوا عليه بشيئين الأول أنه خبر والخبر لا يدخله النسخ والثاني أنهم قالوا ما احد إلا وله من الدنيا نصيب مقدر ولا يفوته ما قسم له فمن كانت همته ثواب الدنيا اعطاه الله منها ما قدر له وذلك هو الذي يشاؤه الله وهو المراد بقوله عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ولم يقل يؤته منها ما يشاء هو ويمكن أن يكون المعنى لمن يريد أن يفتنه أو يعاقبه وذهب السدي إلى أنه منسوخ بقوله من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد وليس هذا بقول من يفهم الناسخ والمنسوخ فلا يعول عليه ذكر الآية العاشرة قوله تعالى وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور الجمهور على إحكام هذه الآية لأنها تضمنت الأمر بالصبر والتقوى ولا بد للمؤمن من ذلك وقد ذهب قوم إلى أن الصبر المذكور ها هنا منسوخ بآية السيف

[ 111 ]
باب ذكر الآيات اللواتي إدعي عليهن النسخ في سورة النساء وهي ست وعشرين ذكر الآية الأولى قوله تعالى ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف اتفق العلماء على أن الوصي الغني لا يحل له أن يأكل من مال اليتيم شيئا وقالوا معنى قوله فليستعفف أي بمال نفسه عن مال اليتيم فإن كان فقيرا فلهم في المراد بأكله بالمعروف أربعة أقوال القول الأول أنه الاستقراض منه روى حارثه بن مضرب قال سمعت عمر يقول إني انزلت مال الله مني بمنزلة اليتيم إن استغنيت استعففت وإن افتقرت اكلت بالمعروف ثم قضيت أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال أبنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي قالا أبنا أبو علي بن شاذان قال أبنا أحمد بن كامل قال أبنا محمد بن سعد قال حدثني أبي قال عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس رضي الله عنهما فيأكل بالمعروف قال يستقرض منه فإذا وجد ميسرة فليقض ما يستقرض فذلك أكله بالمعروف

[ 112 ]
أخبرنا عبد الوهاب قال أبنا أبو طاهر قال أبنا ابن شاذان قال أبنا عبد الرحمن بن الحسن قال أبنا إبراهيم بن الحسين قال أبنا آدم قال أبنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يأكل بالمعروف يعني سلفا من مال يتيمه وهذا القول مذهب عبيدة السلماني وأبي وائل وسعيد بن جبير وأبي العالية ومقاتل وقد حكى الطحاوي عن أبي حنيفة مثله وروى يعقوب بن حيان عن أحمد بن حنبل مثله القول الثاني أن الأكل بالمعروف أن ياكل من غير إسراف أخبرنا ابن الحصين قال أبنا ابن غيلان قال أبنا أبو بكر الشافعي قال بنا إسحاق بن الحسن قال أبنا موسى بن مسعود قال بنا الثوري قال بنا سفيان عن مغيرة عن إبراهيم ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف قال ما يسد الجوع ويواري العورة وقد روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال الوصي إذا احتاج وضع يده مع أيديهم ولا يلبس عمامة وقال الحسن وعطاء ومكحول يأخذ ما يسد الجوع ويواري العورة ولا يقضي إذا وجد قال عكرمة والسدي يأكل بأطراف أصابعة بعد ولا يسرف في الأكل ولا يكتسي منه وهذا مذهب قتادة والقول الثالث أنه يقول مال اليتيم بمنزلة الميتة يتناول منه عند الضرورة فإذا أيسر قضاء وإن لم يوسر فهو في حل قاله الشعبي

[ 113 ]
وأخبرنا عبد الوهاب قال أبنا أبو طاهر الباقلاوي وقال أبنا عبد الرحمن بن الحسن قال أبنا إبراهيم بن الحسين قال بنا آدم قال بنا ورقاء عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال يأكل والي اليتيم من مال اليتيم قوته ويلبس منه ما يشتره ويشرب فضل اللبن ويركب فضل الظهر فإن أيسر قضاه وإن أعسر كان في حل فهذه الأقوال الثلاثة تدل على جواز الأخذ عند الحاجة وإن اختلف أربابها في القضاء القول الرابع أن الأكل بالمعروف أن يأخذ الولي بقدر أجرته إذا عمل لليتيم عملا وروى القاسم بن محمد أن رجلا أتى ابن عباس فقال ليتيم لي إبل فما لي من إبله قال إن كنت تلوظ يقول حياضها وتهنأ جرباها وتبغي ضالتها وتسعى عليها فاشرب غير ناهك بحلب ولا ضار بنسل أخبرنا عبد الوهاب قال أبنا أبو طاهر قال أبنا ابن شاذان قال أبنا عبد الرحمن بن الحسن قال أبنا إبراهيم بن الحسين قال بنا آدم بنا ورقاء عن ابن نجيح عن عطاء بن أبي رباح قال يضع يده مع أيديهم ويأكل معهم بقدر خدمته وقدر عمله وقد روى أبو طالب وابن منصور عن أحمد بن حنبل مثل هذا فصل وعلى هذه الأقوال الآية محكمة وقد ذهب قوم إلى نسخها فقالوا كان هذا في أول الأمر ثم نسخت بقوله تعالى لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وقد حكى هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنهما

[ 114 ]
أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا بن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال بنا حجاج عن ابن جريح عن عطاء الخراساني عن أبن عباس رضي الله عنهما ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف قال نسخ من ذلك الظلم والإعتداء فنسخها إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال بنا أبو إسحاق البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال محمد بن سعد قال حدثني أبي عن الحسين عن الحسن عن عطية عن أبن العباس رضي الله عنهما في قوله ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف نسختها الآية التي تليها إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما الآية قلت وهذا مقتضى قول أبي حنيفة أعني النسخ لأن المشهور عنه أنه لا يجوز للوصي الأخذ من مال اليتيم عند الحاجة على وجه القرض وإن أخذ ضمن وقال قوم لو أدركته ضرورة جاز له أكل الميتة ولا يأخذ من مال اليتيم شيئا ذكر الآية الثانية قوله تعالى للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون قد زعم بعض من قل علمه وعزب فهمه من المتكلمين في الناسخ والمنسوخ أن هذه الآية نزلت في إثبات نصيب النساء مطلقا من غير تحديد لأنهم كانوا لا يؤرثون الذي النساء ثم نسخ ذلك بآية المواريث وهذا قول مردود في الغاية وإنما أثبتت هذه الآية ميراث النساء في الجملة وثبت آية المواريث مقداره ولا وجه للنسخ بحال

[ 115 ]
ذكر الآية الثالثة قوله تعالى وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه اختلف العلماء في هذه الآية على قولين الأول أنها محكمة فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أن الناس يزعمون أن هذه الآية نسخت والله ما نسخت ولكنها مما تهاون الناس به وأخبرنا إسماعيل بن أحمد قال بنا عمر بن عبيد الله البقال قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال بنا يحيى بن آدم قال بنا الأشجعي عن سفيان عن أبي إسحاق الشيباني عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما وإذا حضر القسمة أولو القربى قال هي محكمة وليست بمنسوخة قال وكان ابن عباس إذا ولي رضخ وإذا كان المال فيه قلة اعتذر إليهم وذلك القول المعروف قال أحمد وبنا عبد الصمد قال بنا همام قال بنا قتادة قال الأشعري ليست بمنسوخة وقال أحمد وبنا عبد الوهاب عن سعيد عن مطر عن الحسن قال والله ما هي بمنسوخة وإنها الثابتة ولكن الناس بخلوا وشحوا وكان الناس إذ قسم الميراث حضر الجار والفقير واليتيم والمسكين فيعطونهم من ذلك قال أحمد وبنا هشيم قال أبنا أبو بشر عن سعيد بن جبير قال وأبنا مغيرة

[ 116 ]
عن إبراهيم قالا هي محكمة وليست بمنسوخة قال أحمد وبنا يزيد قال أبنا سفيان ابن حسين قال سمعت الحسن ومحمدا يقولان في هذه الآية إذا حضر القسمة أولو القربى هي مثبتة لم تنسخ وكانت القسمة إذا حضرت حشضر لأن هلاؤء وقد فرضخ لهم منها وأعطوا قال أحمد وبنا يحيى بن آدم قال بنا الأشجعي عن سفيان عن مغيرة عن ابراهيم والشعبي وإذا حضر القسمة أولو القربى قالا هي محكمة وليست أحمد وبنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري أنها محكمة لم تنسخ وممن ذهب إلى إحكامها عطاء وأبو العالية ويحيى بن يعمر ثم اختلف من قال بإحكامها علي في الأمر المذكور فيها فذهب أكثرهم إلى أنه على سبيل الإستحباب والندب وهو الصحيح وذهب بعضهم إلى أنه على الوجوب القول الثاني أنها منسوخة أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال بنا إسحاق بن أحمد الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال بنا حجاج عن ابن جريح عن عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله عنهما وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه فنسختها آية الميراث فجعل لكل إنسانا نصيبا مما ترك مما قل منه أو كثر قال أحمد وبنا يحيى ابن آدم قال بنا الأشجعي عن سفيان عن السدي عن أبي مالك وإذا حضر القسمة قال نسختها آية الميراث أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال أبنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر حتى الباقلاوي قال أبنا ابن شاذان قال أبنا أحمد بن كامل قال أبنا محمد بن سعد

[ 117 ]
قال حدثني أبي قال حدثني عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس رضي الله عنهما وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا يعني عند قسمة الميراث وذلك قبل أن ينزل الفرائض وأنزل الله بعد ذلك الفرائض فأعطى كل ذي حق حقه وروى مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال نسختها يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين الآية وأخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال بنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة قال قال سعيد بن المسيب كانت هذه قبل الفرائض وقسمة الميراث فلما جعل الله لأهل الميراث ميراثهم صارت منسوخة قال أحمد وبنا عبد الصمد قال بنا همام قال بنا قتادة عن سعيد بن المسيب انها منسوخة قال كانت قبل الفرائض وكان ما ترك من مال أعطي منه الفقراء والمساكين واليتامى وذوي القربى إذا حضروا القسمة ثم نسخ بعد ذلك نسخها المواريث فألحق الله لكل ذي حق حقه فصارت وصية من ماله يوصي بها لذي قرابته وحيث يشاء أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا ابراهيم بن عمر البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب قال حدثني يحيى بن يمان عن سفيان عن السدي عن أبي مالك إذا حضر القسمة قال نسختها آية الميراث قال أبو بكر وبنا يعقوب بن سفيان قال بنا عبد الله بن عثمان قال أبنا عيسى بن عبيد الكندي قال بنا عبيد الله مولى عمر بن مسلم أن الضحاك بن مزاحم قال في قوله

[ 118 ]
إذا حضر القسمة أولو القربى قال نسختها آية الميراث وقال عكرمة نسختها لآية الفرائض وممن ذهب إلى هذا القول قتادة وأبو الشعثاء وأبو صالح وعطاء في رواية ذكر الآية الرابعة قوله تعالى وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا في المخاطبين بهذه الآية ثلاثة أقوال القول الأول أنه خطاب للحاضرين عند الموصي ثم في معنى الكلام على هذا القول قولان الأول أن المعنى وليخش الذين لو تركوا وليخش الذين يحضرون موصيا يوصي في ماله أن يأمروه بتفريق ماله فيمن لا يرثه فيفرقه ويترك ورثته ولكن ليأمروه تعالى أن يبقى ماله لأولاده كما لو كانوا هم الذين يوصون لسرهم أن يحثهم من حضرهم على حفظ الأموال للأولاد وهذ المعنى مروي عن ابن عباس والحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك والسدي ومقاتل والثاني على الضد وهو أنه نهى لحاضري الموصي عند الموت أن يمنعوه عن الوصيه لأقاربه وأن يأمروه الاقتصار على ولده وهذا قول مقسم وسليمان التميمي

[ 119 ]
القول الثاني أنه خطاب لأولياء اليتامى راجع إلى قوله تعالى ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا فقال تعالى يعني أولياء اليتامى وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله فيمن ولوه من اليتامى وليحسنوا فإن إليهم في أنفسهم وأموالهم كما يحبون أن يحسن ولاة أولادهم لو ماتوا هم إليهم وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا والقول الثالث أنه خطاب للأوصياء بإجراء الوصية على ما رسم الموصي وأن يكون الوجوه التي فيها مرعية بالمحافظة كرعي الذرية الضعاف من غير تبديل ثم نسخ ذلك بقوله تعالى فمن خاف من موص جنفا أو اثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه فأمر بهذه الآية إذا وجد الوصي من الموصي في الوصية جنفا أو ميلا عن الحق فعليه الإصلاح في ذلك واستعمال قضية الشرع ورفع الحال الواقع في الوصية ذكره شيخنا علي بن عبيد الله وغيره وعلى هذا القول تكون الآية منسوخة وعلى الأقوال قبلها هي محكمة والنسخ منها بعيد لأنه إذا أوصى بجور لم يجز أن يجري على ما أوصى ذكر الآية الخامسة قوله تعالى الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما قد توهم قوم لم يرزقوا فهم التفسير وفقهه أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى وإن تخالطوهم فإخوانكم وأثبتوا ذلك في كتب الناسخ والمنسوخ ورووه عن ابن عباس رضي الله عنهما وإنما المنقول عن ابن عباس ما أخبرنا به المبارك بن علي قال أبنا أحمد ابن الحسين بن قريش قال أبنا أبو إسحاق البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل بن

[ 120 ]
العباس قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا عمرو بن علي بن بحر قال بنا عمران بن عيينة قال بنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما قال كان في حجر الرجل اليتيم فعزل طعامه وشرابه فاشتد ذلك على المسلمين فأنزل الله تعالى إن تخالطوهم فاخوانكم فأحل لهم طعامهم وقال سعيد بن جبير لما نزلت الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما عزلوا أموالهم من أموال اليتامى وتحرجوا من مخالطتهم فنزل قوله تعالى إن تخالطوهم فاخوانكم وهذا ليس على سبيل النسخ لأنه لا خلاف أن أكل أموال اليتامى ظلما حرام وقال أبو جعفر النحاس هذه الآية لا يجوز فيها ناسخ ولا منسوخ لأنها خبر ووعيد ونهي عن الظلم والتعدي ومحال نسخ هذا فإن صح ما ذكروا عن ابن عباس فتأويله من اللغة أن هذه الآية على نسخ تلك الآية وزعم بعضهم أن ناسخ هذه الآية قوله تعالى ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف وهذا قبيح لأن الأكل بالمعروف ليس بظلم فلا تنافي بين الآيتين ذكر الآية السادسة والسابعة قوله تعالى والآتي يأتين الفاحشة من نسائكم وقوله واللذان يأتيانها منكم فآذوهما الآيتان أما الآية الأولى فإنها دلت على أن حد الزانية كان أول الإسلام الحبس إلى أن تموت أو يجعل الله لها سبيلا وهو عام في البكر والثيب والآية الثانية اقتضت أن حد الزانيين الأذى فظهر من الآيتين أن حد المرأة كان الحبس والأذى جميعا وحد الرجل كان الأذى فقط لأن الحبس ورد خاصا في النساء والأذى ورد عاما في الرجل والأمرأة عمر وإنما خص النساء في الآية الأولى بالذكر لأنهن ينفردن بالحبس دون الرجال وجمع بينهما في الآية الثانية لأنهما يشتركان في الأذى

[ 121 ]
ولا يختلف العلماء في نسخ هذين الحكمين عن الزانيين أعني الحبس والأذى وإنما اختلفوا بماذا نسخا فقال قوم نسخا بقوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا أبو إسحاق البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا يعقوب بن سفيان قال بنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي ابن طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما واللآتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم قال كانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتى تموت وكان الرجل إذا زنى أوذي بالتعبير والضرب بالنعال فنزلت الزانية والواني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة وإن كانا محصنين رجما بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال أبنا أبو طاهر الباقلاوي قال أبنا أبو علي بن شاذان قال أبنا عبد الرحمن بن الحسن قال أبنا إبراهيم بن الحسين قال بنا آدم قال بنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فآذوهما يعني سبا ثم نسختها الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال بنا عمربن عبيد الله قال بنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال بنا عبد الرزاق قال بنا معمر عن قتادة فامسكوهن في البيوت حنى يتوفاهن الموت قال نسختها الحدود قال أحمد وبنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة واللآتي يأتين الفاحشة من نسائكم قال كانت هذه الآية قبل الحدود ثم أنزلت واللذان يأتيانها منكم

[ 122 ]
فآذوهما قال كانا يؤذيان بالقول والشم وتحبس المرأة ثم إن الله تعالى نسخ ذلك فقال الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة قال أحمد وبنا علي بن حفص عن ابن أبي نجيح عن مجاهد واللذان يأتيانها منكم فآذوهما قال نسخته الآية التي في النور بالحد المفروض قال قوم نسخ هذان الحكمان بحديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة قالوا فنسخت الآية بهذا الحديث وهؤلاء يجيزون نسخ القرآن بالسنة وهذا قول مطرح لأنه لو جاز نسخ القرآن بالسنة لكان ينبغي أن يشترط التواتر في ذلك الحديث فأما أن ينسخ القرآن بأخبار الآحاد فلا يجوز ذلك وهو من أخبار الآحاد وقال الآخرون السبيل الذي جعل الله لهن هو الآية الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة قال آخرون بل السبيل قرآن نزل ثم رفع رسمه وبقي حكمه وظاهر حديث عبادة يدل على ذلك لأنه قال قد جعل الله لهن سبيلا فأخبر أن الله تعالى جعل لهن السبيل الظاهر أنه بوحي بل تستقر تلاوته وهذا يخرج على قول من لا يرى نسخ القرآن بالسنة وقد اختلف الأول أنه نزل به قرآن ثم نسخ لفظه وانعقد الإجماع على بقاء حكمه والثاني أنه ثبت بالسنة ذكر الآية الثامنة والتاسعة قوله تعالى إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة وقوله وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت

[ 123 ]
الآن الآيتان إنما سمى فاعل الذنب جاهلا لأن فعله مع العلم بسوء مغبته فأشبه من جهل المغبة والتوبة من قريب ما كان قبل معاينة الملك فإذا حضر الملك النبي لسوق الروح لم تقبل ثوبه لأن الإنسان حينئذ يصير كالمضطر إلى التوبة فمن تاب قبل ذلك قبلت توبته أو أسلم عن كفر قبل إسلامه وهذا أمر ثابت محكم وقد زعم بعض من لا فهم له أن هذا الأمر أقر على هذا في حق أرباب المعاصي من المسلمين ونسخ حكمه في حق الكفار بقوله ولا الذين يموتون وهم كفار هذا ليس بشئ فإن حكم الفريقين واحد ذكر الآية العاشرة قوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف هذا كلام محكم عند عامة العلماء ومعنى قوله إلا ما قد سلف أي بعدما قد سلف في الجاهلية فإن ذلك معفو عنه وزعم بعض من قل فهمه أن الاستثناء نسخ ما قبله وهذا تخليط لا حاصل له ولا يجوز أن يلتفت إليه من جهتين الأول أن الاستثناء ليس بنسخ والثاني أن الاستثناء عائد إلى مضمر تقديره فإن فعلتم عوقبتم إلا ما قد سلف فإنكم لا تعاقبون عليه فلا معنى للنسخ ههنا ذكر الآية الحادية عشر قوله تعالى وإن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف وهذه حكمها حكم التي قبلها وقد زعم الزاعم هناك أن هذه كتلك في أن الاستثناء ناسخ لما قبله وقد بينا رذولة وإن القول

[ 124 ]
ذكر الآية الثانية عشرة قوله تعالى وأحل لكم ما وراء ذلكم وقد ذكر في هذه الاية موضعان منسوخان الأول قوله وأحل لكم ما وراء ذلكم هذا عند عموم العلماء لفظ عام دله التخصيص بنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها وليس هذا على سبيل النسخ وقد ذهب قوم لا فقه لهم إلى أن التحليل المذكور في الآية منسوخ بهذا الحديث وهذا إنما يأتي من عدم فهم الناسخ والمنسوخ والجهل بشرائطه وقلة المعرفة بالفرق بين التخصيص والنسخ وأما الموضع الثاني فقوله تعالى فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن اختلف العلماء في المراد بهذا الاستمتاع على قولين الأول أنه النكاح والأجور المهور وهذا مذهب ابن عباس ومجاهد والجمهور والثاني أنه المتعة التي كانت في أول الام كان الرجل ينكح المرأة إلى أجل مسمى ويشهد شاهدين فإذا انقضت المدة ليس له عليها سبيل قاله قوم منهم السدي ثم اختلفوا هل هي محكمة أو منسوخة فقال قوم هي محكمة أخبرنا ابن ناصر قال أبنا ابن أيوب قال أبنا أبو علي بن شاذان قال حدثنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود السجستاني قال بنا محمد بن المثنى قال بنا محمد ابن جعفر قال بنا شعبة عن الحكم قال سألته عن هذه الآية فما استمتعتم به منهن أمنسوخة هي قال لا قال الحكم وقال علي رضي الله عنه لولا أن عمر

[ 125 ]
نهى عن المتعة فذكر شيئا وقال آخرون هي منسوخة واختلفوا بماذا نسخت على قولين الأول بإيجاب العدة أخبرنا ابن ناصر قال أبنا علي بن أيوب قال أبنا أبو علي بن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود السجستاني قال أبنا أحمد بن محمد قال أبنا هاشم بن مخلد عن ابن المبارك عن عثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة فنسختها يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء واللاتي يئس من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر والثاني أنها نسخت بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة وهذا القول ليس بشئ وجهين الأول أن الآية سبقت لبيان عقدة النكاح بقوله محصنين أي متزوجين عاقدين النكاح فكان معنى الاية فما استمتعتم به منهن على وجه النكاح الموصوف فآتوهن مهورهن وليس في الآية ما يدل على أن المراد نكاح المتعة الذي نهى عنه ولا حاجة إلى التكلف وإنما جاز المتعة برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم منع منها والثاني أنه لو كان ذلك لم يجز نسخه بحديث واحد ذكر الآية الثالثة عشرة قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل هذه الآية عامة في أكل الإنسان مال نفسه واكله مال غيره بالباطل فاما أكله مال نفسه

[ 126 ]
بالباطل فهو إنفاقه في معاصي الله عز وجل وأما أكل مال الغير بالباطل فهو تناوله على الوجه المنهي عنه سواء كان غصبا من مالكه أو كان برضاه إلا أنه منهي عنه شرعا مثل القمار والربا وهذه الآية محكمة والعمل عليها أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال ابنا بن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال أبنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا أسود بن عامر قال أبنا سفيان عن ربيع عن الحسن لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل قال ما نسخها شئ قال أحمد محدثنا حسين بن محمد قال بنا عبيد الله عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو أن مسروقا قال في هذه الآية لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل قال إنها لمحكمة ما نسخت وقد زعم بعض منتحلي التفسير ومدعي علم الناسخ والمنسوخ أن هذه الآية لما نزلت تحرجوا من أن يواكلوا الأعمى والأعرج والمريض وقالوا أن الأعمى لا يبصر أطيب الطعام والأعرج لا يتمكن من المجلس والمريض لا يستوفي الأكل فأنزل الله عزوجل ليس على الأعمى حرج الآية فنسخت هذه الآية وهذا ليس بشئ ولأنه لا تنافي بين الآيتين ولا يجوز أكل المال بالباطل بحال وعلى ما قد زعم هذا القائل قد كان يجوز أكل المال بالباطل ذكر الآية الرابعة عشرة قوله تعالى والذين عقدت أيمانكم اختلف المفسرون في المراد بهذه المعاقدة على ثلاثة أقوال الأول أنها المحالفة التي كانت في الجاهلية واختلف هؤلاء على ما كانوا يتعاقدون على ثلاثة أقوال

[ 127 ]
الأول على أن يتوارثوا أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثني حجاج عن ابن جريح عن عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله عنهما والذين عقدت أيمانكم قال كان الرجل فبل الإسلام يعاقد الرجل فيقول ترثني وأرثك فنسختها هذه الآية وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض الآية أخبرنا ابن ناصر قال أبنا ابن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود السجستاني قال أبنا أحمد بن محمد المروزي قال بنا علي كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما الآخر فنسخ ذلك قوله وأولي الأرحام بعضهم أولى ببعض وقال الحسن كان الحسن كان الرجل يعاقد الرجل على أنها إذا مات أحدهما ورثه الآخر فنسختها آية المواريث والثاني أنهم يتعاقدون على أن يتناصروا ويتعاقلوا كما في الجناية والثالث أنهم كانوا يتعاقدون على جميع ذلك أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا بن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا عبد الرزاق قال قال بنا معمر عن قتادة في قوله والذين عقدت أيمانكم قال كان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول دمي دمك وهدمي هدمك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك فلما جاء الإسلام بقي منهم ناس فأمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث وهو السدس ثم نسخ ذلك بالميراث فقال وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله

[ 128 ]
فصل وهل أمروا في الشريعة أن يتوارثوا بذلك فيه قولان الأول أنهم أمروا أن يتوارثوا بذلك فمنهم من كان يجعل لحليفه السدس من ماله ومنهم من كان يجعل له سهما غيرذلك فإن لم يكن له وارث فهو أحق بجميع ماله أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال أبنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر البلقلاوي هو قالا أبنا ابن شاذان قال أبنا أحمد بن كامل قال أبنا محمد بن سعد العوفي قال حدثني أبي قال حدثني عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس رضي الله عنهما والذين عقدت أيمانكم قال كان الرجل في الجاهلية يلحق به الرجل فيكون تابعه فإذا مات الرجل صار لأهله وأقاربه الميراث وبقي تابعه ليس له شئ فأنزل الله تعالى والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم وكان يعطى من ميراثه فأنزل اله تعالى بعد ذلك وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله قلت وهذا القول أعني نسخ الآية بهذه الآية قول جمهور العلماء منهم الثوري والأوزا وسلم ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وقال أبو حنيفة هذا الحكم ليس بمنسوخ غير أنه جعل ذوي الأرحام أولى من موالي المعاقدة فإذا فقد ذوي الأرحام ورثوا وكانوا احق به من بيت المال والثاني أنهم لم يؤمروا بالتوارث بذلك بل أمروا بالتناصر وهذا حكم باق لم ينسخ وقد قال عليه السلام لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة وأراد بذلك النصرة والعون وأراد بقوله لا حلف في الإسلام أن الإسلام قد استغنى عن ذلك بما أوجب الله تعالى على المسلمين بعضهم

[ 129 ]
لبعض من التناصر وهذا قول جماعة منهم سعيد بن جبير وقد روى عن مجاهد أنهم ينصرونهم ويعقلون عنهم أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال أبنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا وكيع قال بنا سفيان عن منصور عن مجاهد والذين عقدت أيمانكم قال هم الحلفاء فآتوهم نصبهم من العقل والمشورة والنصرة ولا ميراث والقول الثاني أن المراد بالمعاقدة المؤاخاة التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه أخبرنا ابن ناصر قال أبنا ابن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود السجستاني قال بنا هرون بن عبد الله قال بنا أبو أسامة قال حدثني إدريس بن يزيد قال بنا طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان المهاجرين حين قدموا المدينة يورثون الأنصار دون ذوي رحمهم للأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فلما نزلت ولكل جعلنا موالي نسخت فآتوهم نصيبهم من النصر والنصيحة والرفادة ويوصي لهم وقد ذهب الميراث وروى أصبغ عن ابن زيد والذين عقدت أيمانكم قال الذين عاقد بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتوهم نصيبهم إذا لم يأت ذو رحم يحول بينهم قال وهذا لا يكون اليوم إنما كان هذا في نفر آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انقطع ذلك ولا يكون هذا لأحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم

[ 130 ]
القول الثالث أنها نزلت في الذين كانوا يتبنون أبناء غيرهم في الجاهلية فأمروا أن يوصوا لهم عند الموت توصية ورد الميراث إلى الرحم والعصبة رواه الزهري عن ابن المسيب ذكر الآية الخامسة عشرة قوله تعالى لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى قال المفسرون هذه الآية اقتضت إباحة السكر في غير أوقات الصلاة ثم نسخ ذلك بقوله تعالى فاجتنبوه أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا إبراهيم ين عمر البرمكي قال أبنا محمد إسماعيل بن العباس قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا محمد بن قهزاد قال حدثني علي بن الحسين بن واقد قال حدثني أبي عن زيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى قال نسختها إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه قال أبو بكر وأبنا يعقوب بن سفيان قال بنا عبد الله بن صالح قال بنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى قال كانوا لا يشربونها عند الصلاة فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون حتى يذهب عنهم السكر فإذا صلوا الغداة شربوها فأنزل الله عز وجل إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام الاية فحرم الله الخمر

[ 131 ]
قال أبو بكر وبنا محمد بن سعد قال حدثني أبي عن الحسين بن الحسن بن عطية عن أبيه عن عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما لا تقربوا الصلاة وأنتم سارى قال نسختها الآية التي في المائدة فاجتنبوه قال أبو بكر وبنا يعقوب بن سفيان قال بنا عبد الله بن عثمان قال أبنا عيسى ابن عبيد قال بنا عبيد الله مولى عمر بن مسلم أن الضحاك بن مزاحم أخبره في قوله لا تقربوا الصلاة وأنتم سارى قال نسختها إنما الخمر والميسر والأنصاب الآية ذكر الآية السادسة عشرة قوله تعالى فأعرض عنهم وعظهم قال المفسرون في هذه الآية تقديم وتأخير تقديره فعظهم فإن امتنعوا عن الإجابة فأعرض وهذا كان قبل الأمر بالقتال ثم نسخ ذلك بآية السيف ذكر الآية السابعة عشرة قوله تعالى ولو إنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما قال المفسرون اختصم يهودي وقيل المؤمن أن تكون الحكومة بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم فأبى المنافق فنزل قوله تعالى يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت إلى هذه الآية وكان معنى هذه الآية ولو أن المنافقين جاؤك فاستغفروا من صنيعهم واستغفر لهم الرسول وقد زعم بعض منتحلي التفسير أن هذه الآية نسخت بقوله واستغفر لهم أو لا تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم وهذا قول مرذول لأنه إنما قيل فلن يغفر الله لهم لإصرارهم على النفاق فأما إذا جاؤا فاستغفروا واستغفر لهم الرسول فقد ارتفع الإصرار فلا وجه للنسخ

[ 132 ]
ذكر الآية الثامنة عشرة قوله تعالى خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا وهذه الآية تتضمن الأمر بأخذ الحذر والندب إلى أن يكونوا عميا وقت نفيرهم ذوي أسلحة عند بروزهم إلى عدوهم ولا ينفروا منفردين لأن الثبات الجماعات المتفرقة وقد ذهب قوم إلى أن هذه الآية منسوخة أخبرنا ابن ناصر قال أبنا علي بن أيوب قال أبنا علي بن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود السجستاني قال بنا الحسن بن محمد قال بنا حجاج ابن محمد قال قال ابن جريج وعمر بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما خذوا حذركم فانفروا ثبات وقال انفروا خفافا وثقالا وقال إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ثم نسخ هذه الآيات فقال وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الآية قلت وهذه الرواية فيها مغمز وهذا المذهب لا يعمل عليه وأحوال المجاهدين تختلف والأمر في ذلك على حسب ما يراه الإمام وليس في هذه الآيات شئ منسوخ بل كلها محكمات وقد ذهب إلى ما قد ذهبت إليه أبو سليمان الدمشقي ذكر الآية التاسعة عشرة قوله تعالى ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا روى أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال معناه فما أرسلناك عليهم رقيبا تؤخذ بهم وقال السدي وابن قتيبة حفيظا أي محاسبا لهم وقد ذهب قوم منهم عبد الرحمن بن زيد إلى أن هذه الآية نزلت في بداية الأمر ثم نسخت بآية السيف وفيه بعد لأنه إذا كان تفسيرها ما ذكرنا فأي وجه للنسخ

[ 133 ]
ذكر الآية العشرين قوله تعالى فاعرض عنهم وتوكل على الله قال المفسرون معنى الكلام أعرض عن عقوبتهم ثم نسخ هذا الإعراض عنهم بآية السيف ذكر الآية الحادية والعشرين قوله تعالى فقاتل في سبيل الله لا يكلف إلا نفسك قال المفسرون معناه لا تكلف إلا المجاهدة بنفسك ولا تلزم فعل غيرك وهذا محكم وقد زعم بعض منتحلي التفسير أنه منسوخ بآية السيف فكأنه استشعر أن معنى الكلام لا تكلف أن تقاتل أحدا وليس كذلك إنما المعنى لا تكلف في الجهاد إلا فعل نفسك ذكر الآية الثانية والعشرين قوله تعالى إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق قوله تعالى يصلون يدخلون في عهد بينكم وبينهم ميثاق والمعنى ينتسبون بالعهد أو يصلون إلى قوم جاؤوكم حصرت صدورهم أي ضاقت عن قتالكم لموضع العهد الذي بينكم وبينهم فأمر المسلمون في هذه الآية بترك قتال من له معهم عهد أو ميثاق أوما يتعلق بعهد ثم نسخ ذلك بآية السيف وبما أمروا به من نبذ العهد إلى أربابه في سورة براءة وهذا المعنى مروي عن ابن عباس وقتادة أخبرنا ابن ناصر قال ابنا ابن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود السجستاني قال بنا الحسن بن محمد قال بنا حجاج قال قال ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق وقال إذا جاءكم المؤمنات مها جرات

[ 134 ]
فامتحنوهن وقال لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين نسخ هذا براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا أحمد بن إسحاق الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال بنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق الآية قال نسخ ذلك في براءة ونبذ إلى كل ذي عهد عهده وأمر الله نبيه أن يقاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وقال اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم الآية ذكر الآية الثالثة والعشرين قوله تعالى ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم والمعنى أنهم يظهرون الموافقة للفريقين ليأمنوهما عنه فأمر الله تعالى بالكف عنهم إذا اعتزلوا وألقوا إلينا السلم وهو الصلح كما أمر بالكف عن الذين يصلون إلى قوم بيننا وبينهم ميثاق ثم نسخ ذلك بقوله اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ذكر الآية الرابعة والعشرين قوله تعالى وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله جمهور أهل العلم على أن الإشارة بهذا الى الذي يقتل خطأ فعلي قاتله الدية والكفارة وهذا قول ابن عباس والشعبي وقتادة والزهري وأبي حنيفة والشافعي وهو قول أصحابنا فالآية على هذا محكمة وقد ذهب بعض مفسري القرآن إلى أن المراد به من

[ 135 ]
كان من المشركين بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم وهنة إلى أجل ثم نسخ ذلك بقوله براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين بقوله فانبذ إليهم على سواء ذكر الآية الخامسة والعشرين قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم الآية اختلف العلماء هل هذه محكمة أم منسوخة على قولين القول الأول أنها منسوخة وهو قول جماعة من العلماء قالوا بأنها حكمت بخلود القاتل في النار وذلك منسوخ بقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقال بعضهم نسخها قوله تعالى والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى قوله إلا من تاب وحكى أبو جعفر النحاس أن بعض العلماء قال معنى نسختها آية الفرقان أي نزلت بنسخها والقول الثاني أنها محكمة واختلف هؤلاء في طريق أحكامها على قولين القول الأول أن قاتل المؤمن مخلد في النار وأكدوا هذا بأنها خبر والأخبار لا تنسخ أخبرنا يحيى بن ثابت بن بندار قال أبنا أبي قال أبنا أبو بكر البرقاني قال أبنا أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي قال أخبرني البغوي قال بنا علي بن الجعد قال أبنا شعبة عن المغيرة بن النعمان قال سمعت سعيد بن جبير قال اختلف أهل الكوفة في هذه الآية ومن يقتل مؤمنا متعمدا قال فرحلت فيها إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال لقد نزلت في آخر ما نزل وما نسخها شئ

[ 136 ]
وعن شعبة عن منصور قال سمعت سعيد بن جبير قال سألت ابن عباس عن قول الله عز وجل ومن يقتل مؤمنا متعمدا قال لا توبة له أخبرنا ابن الحسين قال أبنا غيلان قال أبنا أبو بكر الشافعي قال أبنا إسحاق بن الحسين قال أبنا ابن حذيفة النهدي قال بنا سفيان الثوري عن المغيرة ابن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما ومن يقتل مؤمنا متعمدا قال ليس لقاتل مؤمن توبة ما نسختها آية منذ نزلت أخبرنا سعيد بن أحمد قال أبنا ابن اليسرى قال أبنا المخلص قال بنا البغوي قال بنا عثمان بن أبي شيبة قال بنا أبو خالد الأحمر عن عمر بن قيس الملاي عن يحيى الجابر عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه تلا هذه الآية ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم حتى فرغ منها فقيل له وإن تاب وآمن عمل صالحا ثم اهتدى قال ابن عباس وأنى له التوبة قد سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول ثكلته أمه قاتل المؤمن إذا جاء يوم القيامة واضعا رأسه على إحدى يديه آخذا بالأخرى القاتل تشخب أوداجه قبل عرش الرحمن عز وجل فيقول رب سل هذا فيم فتلني إن قال وما نزلت في كتاب الله عز وجل آية نسختها أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال بنا يحيى بن سعيد عن شعبة قال بنا مغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير قال اختلف أهل الكوفة في هذه الآية ومن يقتل مؤمنا متعمدا فرحلت إلى ابن أبي عباس رضي الله عنهما فقال إنها من آخر ما نزل وما نسخها شئ قال أحمد وبنا يحيى بن سعيد عن ابن جريح قال حدثني القاسم بن أبي بزة عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس هل لمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة قال لا

[ 137 ]
فتلوت هذه الآية التي في الفرقان إلا من تاب وآمن فقال هذه الآية مكية نسختها آية مدنية ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم قال أحمد وبنا حسين بن محمد قال بنا سفيان عن أبي الزياد قال سمعت شيخنا يحدث خارجة بن زيد بن ثابت قال سمعت أباك قال نزلت الشديدة بعد الهينة بستة أشهر قوله ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق وقوله ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم وقد روي عن ابن عباس ما يدل على أنه قصد التشديد بهذا القول فأخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال بنا إبراهيم بن عمر قال أبنا محمد بن إسماعيل قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا محمد بن عبد الملك قال أبنا يزيد بن هرون قال أبنا أبو مالك قال بنا سعد بن عبيدة أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقول لمن قتل المؤمن توبة فجاءه رجل فسأله المن قتل مؤمنا توبة قال إلا النار فلما قام قال له جلساؤه ما هكذا كنت تفتينا أنه لمن قتل مؤمنا متعمدا توبة مقبولة فما شأن هذا اليوم قال إني أظنه رجلا مغضبا يريد أن يقتل مؤمنا فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك قال أبو بكر بن أبي داود وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن لقاتل توبة وقد روى سعيد بن ميناء عن عبد الله بن عمر قال سأله رجل قال إني قتلت رجلا فهل لي من توبة قال تزود من الماء البارد فإنك لا تدخلها أبدا وقد روى عن ابن عمر رضي الله عنهما ضد هذا فإنه قال للقاتل تب إلى إله يتب عليك وروى سعيد بن مينا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاءه رجل فقال يا أبا هريرة ما تقول في قاتل لمؤمن هل له من توبة قال والذي لا إله إلا هو لا يدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط

[ 138 ]
والقول الثاني أنها عامة دخلها التخصيص بدليل أنه لو قتله كافر ثم أسلم الكافر سقطت عنه العقوبة في الدينا والآخرة فإذا ثبت كونها من العام المخصص فأي دليل صلح للتخصيص وجب العمل به ومن أسباب التخصيص أن يكون قد قتله مستحيلا لأجل إيمانه فيستحق التخليد لا ستحلاله أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا الحسن بن عطاء وأحمد بن محمد الحسين قالا بنا خلاد بن يحيى قال بنا أنس بن مالك الصيرفي أبو روية عن أنس بن مالك قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وعليها أمير فلما انتهى إلى أهل ماء خرج إليه رجل من أهل الماء فخرج إليه رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال إلى ما تدعو فقال إلى الإسلام قال وما الإسلام قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن تقر بجميع الطاعة قال هذا قال نعم فحمل عليه فقتله لا يقتله إلا على الإسلام فنزلت ومن يقتل مؤمنا متعمدا لا يقتل إلا على إيمانه الآية كلها قال سعيد بن جبير نزلت في مقيس بن ضبابة قتل مسلما عمدا وارتد كافرا وقد ضعف هذا الوجه أبو جعفر النحاس فقال ومن لفظ عام لا يخص إلا بتوقيف أو دليل قاطع وقد ذهب قوم إلى أنها مخصوصة في حق من لم يتب بدليل قوله تعالى إلا من تاب والصحيح أن الآيتين محكمتان فإن كانت التي في النساء أنزلت أولا فإنها محكمة نزلت على حكم الوعيد غير مستوفاة الحكم ثم بين حكمها في الآية التي في الفرقان وكثير من المفسرين منهم ابن عباس وأبو مجلز وأبو صالح يقولون فجزاؤه جهنم إن جازاه وقد روى لنا مرفوعا إلا أنه لا يثبت رفعه والمعنى يستحق الخلود غير أنه لا يقطع له به

[ 139 ]
وفي هذا الوجه بعد لقوله وغضب الله عليه ولعنه فأخبر بوقوع عذابه كذلك وقال أبو عبيد وأن كانت التي في الفرقان الأولى فقد استغنى بما فيها عن إعادته في سورة النساء فلا وجه للنسخ بحال ذكر الآية السادسة والعشرين قوله تعالى إن المنافقين في الدرك الأسفل زعم بعض من قل فهمه أنها نسخت بالاستثناء بعدها وهو قوله إلا الذين تابوا وقد بينا في مواضع أن الاستثناء ليس بنسخ باب ذكر الآيات اللواتي إدعي عليهن النسخ في سورة المائدة قد زعم قوم أنه ليس في المائدة منسوخ فأخبرنا محمد بن أبي منصور قال أبنا علي بن أيوب قال أبنا أبو علي بن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود السجستاني قال بنا محمد بن بشار قال بنا عبد الرحمن قال بنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر بن شراحيل قال المائدة ليس فيها منسوخ قال ابن بشار وبنا بن أبي عدي قال بنا ابن عون قال قلت للحسن نسخ من المائدة شئ قال لا وقد ذهب الأكثرون إلى أن في المائدة منسوخا ونحن نذكر ذلك ذكر الآية الأولى قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام الآية

[ 140 ]
اختلف المفسرون في هذه الآية هل هي محكمة أم منسوخة على قولين القول الأول أنها محكمة ولا يجوز استحلال الشعائر ولا الهدي قبل أوان ذبحه ثم اختلفوا في القلائد فقال بعضهم يحرم رفع القلادة عن الهدي حتى ينحر وقال آخرون منهم كانت الجاهلية تقلد من شجر الحرم فقيل لهم لا تستحلوا أخذ القلائد من الحرم ولا تصدوا القاصدين إلى البيت والقول الثاني أنها منسوخة ثم في المنسوخ منها ثلاثة أقوال الأول قوله ولا آمين البيت الحرام فإن هذا اقتضى جواز إقرار المشركين على قصدهم البيت وإظهارهم شعائر الحج ثم نسخ هذا بقوله فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وبقوله اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وهذا المعنى مروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال أبنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة قال نسخ منها آمين البيت الحرام نسخها قوله اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقال ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر وقال إنما المشركين نجس فلا يقربوا المسجد بعد عامهم هذا والثاني أن المنسوخ منها تحريم الشهر الحرام وتحريم الآمين للبيت إذا كانوا مشركين وهدي المشركين إذا لم يكن لهم من المسلمين أمان قاله أبو سليمان الدمشقي

[ 141 ]
والثالث أن جميعها منسوخ أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قابنا يعقوب بن سفيان قال بنا أبو صالح قال بنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام قال كان المشركين يحجون البيت الحرام ويهدون الهدايا ويحرمون حرمة المشاعر وينحرون في حجهم فأنزل الله عز وجل لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام أي لا تستحلوا قتالا فيه ولا آمين البيت الحرام يقول من توجه قبل البيت ثم أنزل الله فقال اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال بنا يزيد قال أبنا سفيان بن حسين عن الحكم عن مجاهد قال نسخت هذه الاية لا تحلوا شعائر الله نسختها أقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قال أحمد وبنا عبد الرزاق قال بنا معمر عن قتادة لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد قل هي منسوخة كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج تقلد السمر فلم يعرض له أحد فإذا رجع تقلد قلادة شعر فلم يعرض له أحد وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت فامروا أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام ولا عند البيت الحرام فنسخها أقتلوا المشركين حيث وجدتموهم أخبرنا ابن الحصين قال أبنا ابن غيلان قال أبنا أبو بكر الشافعي قال أبنا إسحاق بن الحسن قال أبنا أبو حذيفة النهدي قال بنا سفيان الثوري عن بيان عن الشعبي قال لم ينسخ من المائدة غير آية واحدة يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر

[ 142 ]
الله ولا الشهر الحرام نسختها أقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وفصل الخطاب في هذا أنه لا يمكن القول بنسخ جميع الآية فإن شعائر الله اعلام متعبداته ولا يجوز القول بنسخ هذا إلا أن يعني به لا تستحلوا نقض ما شرع فيه المشركون من ذلك فعلى هذا يكون منسوخا وكذلك الهدي والقلائد وكذلك الآمون إلا للبيب فإنه لا يجوز صدهم إلا أن يكونوا مشركين وأما الشهر الحرام فمنسوخ الحكم على ما بينا في قوله يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه فأما قوله وإذا حللتم فاصطادوا فلا وجه لنسخة وأما قوله ولا يجر منكم شنآن قوم فمنسوخ بقوله أقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وباقي الآية محكم بلا شك ذكر الآية الثانية قوله تعالى وطعام الذين أتوا الكتاب حل لكم إختلف المفسرون في هذه الآية على ثلاثة أقوال القول الأول أنها أنها اقتضت إباحة ذبائح أهل الكتاب على الإطلاق وأن علمنا أنهم قد أهلوا عليها بغير إسم الله أو أشركوا معه غيره وهذا مروي عن الشعبي وربيعة والقاسم بن مخيمرة في آخرين وهؤلاء زعموا أنها ناسخة لقوله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر إسم الله عليه قال أبو بكر وبنا حرمي بن يونس قال أبنا أبي يونس بن محمد قال بنا حماد ابن سلمة عن حميد عن الحسن قال قيل له إنهم يذكرون المسيح على ذبائحهم قال

[ 143 ]
قد علم الله ما هم قائلون وقد احل ذبائحهم قال أبو بكر وبنا زياد بن أيوب قال بنا مروان قال بنا أيوب بن يحيى الكندي قال سألت الشعبي عن نصارى نجران فقلت منهم من يذكروا الله ومنهم من يذكر المسيح قال كل وأطعمني قال أبو بكر وبنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب قال بنا يحيى عن سفيان عن ابن جريح عن عطاء قال كلوا وإن ذبح للشيطان قال أبو بكر وبنا محمود بن خالد قال بنا الوليد قال أبنا ابن جابر قال سمعت القاسم بن مخيمرة يقول لا بأس يأكل ما ذبحت النصارى لأعياد فيه كنائسها ولو سمعته يقول على إسم جرجيس وبولس أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال ابنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا يعقوب بن سفيان قال بنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما وما أهل لغير الله به ما ذبح اليهود والنصارى أحل لكم ذبائحهم على كل حال قال أبو بكر وبنا محمد بن بشار قال بنا يحيى قال بنا عبد الملك عن عطاء قال إذا ذبح النصراني باسم المسيح فكل قال أبو بكر وبنا عبد الله بن سعيد قال بنا ابن أبي غنيمة قال بنا أبي عن الحكم قال لو ذبح النصراني وسمعته يقول باسمك اللهم المسيح لأكلت منه لأن الله قد أحل لنا ذبائحهم وهو يعلم أنهم يقولون ذلك والقول الثاني أن ذلك كان مباحا في أول الأمر ثم نسخ بقوله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر إسم الله عليه والقول الثالث أنه إنما أبيحت ذبيحة أهل الكتاب لأن الأصل أنهم يذكرون إسم الله عليها فمتى علم أنهم قد ذكروا غير إسمه لم يؤكل وهذا هو الصحيح عندي وممن قال إذا سمعت الكتابي يسمي غير الله فلا تأكل علي بن أبي طالب وعبد الله

[ 144 ]
ابن عمر وعائشة وطاؤس والحسن وعن عبادة بن الصامت وأبي الدرداء كهذا القول وكالقول الأول فعلى هذا القول الآية محكمة ولا وجه للنسخ ذكر الآية الثالثة قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم اختلف العلماء فيها على قولين الأول أن في الكلام إضمارا تقديره إذا قمتم إلى الصلاة محدثين وهذا قول سعد بن أبي وقاص وأبي موسى وابن عباس والفقهاء والثاني أنه على اطلاقه وأنه يوجب على كل من أراد الصلاة أن يتوضأ سواء كان محدثا أو غير محدث وهذا مروي عن جماعة منهم علي وعكرمة وابن سيرين ثم اختلفوا هل هذا الحكم باق أم نسخ فذهب أكثرهم إلى أنه باق وقال بعضم بل هو منسوخ بالنسبة وهو حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح بوضوء واحد فقال له عمر صنعت شيئا لم تكن تصنعه فقال عمدا فعلته يا عمر وهذا قول بعيد لما سبق بيانه من أن أخبار الآحاد لا تجوز أن تنسخ القرآن وإنما يحمل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا على تبين معنى الاية وان المراد إذا قمتم وأنتم محدثون وإنما كان يتوضأ لكل صلاة لطلب الفضيلة وقد حكى أبو جعفر النحاس عن الشافعي أنه قال لو وكلنا إلى الآية لكان على كل قائم إلى الصلاة الطهارة فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات بطهور واحد بينها فيكون المعنى إذا قمتم وقد أحدثتم فاغسلوا وقد قال بعضهم يجوز أن يكون ذلك قد نسخ بوحي لم تستقر تلاوته فإنه قد روى أبو جعفر

[ 145 ]
ابن جرير الطبري بإسناد عن عبد الله بن حنظلة الغسيل رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء عند كل صلاة فشق ذلك عليه فرفع عند الوضوء إلا من حدث ذكر الآية الرابعة قوله تعالى فاعف عنهم واصفح اختلف العلماء هل هذا منسوخ أم محكم على قولين الأول انه منسوخ قاله الأكثرون ولهم في ناسخه ثلاثة أقوال الأول آية السيف أخبرنا ابن ناصر قال أبنا ابن أيوب قال أبنا أبو علي بن شاذان قال بنا أبو بكر النجاد قال بنا أبو داود السجستاني قال بنا أحمد بن محمد قال حدثت عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما فاعف عنهم وأن تعفوا وتصفحوا ونحو هذا من القرآن نسخ كله بقوله فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم والثاني قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال ابن

[ 146 ]
عبد الرزاق قال بن معمر عن قتادة فاعف عنهم واصفح قال نسختها قوله تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر والثالث وأما تخافن من قوم خيانة والقول الثاني أنه محكم قال بعض المفسرين نزلت في قوم كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فغدروا وأرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم وأظهره الله عليهم ثم أنزل هذه الآية ولم تنسخ قال ابن جرير يجوز أن يعفي عنهم في غدرة فعلوها ما لم ينصبوا حربا ولم يمتنعوا من أداء الجزية والإقرار بالصغار فلا يتوجه النسخ ذكر الآية الخامسة قوله تعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا هذه الآية محكمة عند الفقهاء واختلفوا هل هذه العقوبة على الترتيب أم على التخيير فمذهب أحمد بن حنبل في جماعة أنها على الترتيب وأنهم إذا قتلوا وأخذوا المال أو قتلوا ولم يأخذوا قتلوا وصلبوا وان أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإن لم يأخذوا المال نفوا وقال مالك الإمام مخير في إقامة أي الحدود شاء سواء قتلوا أم لم يقتلوا أخذوا المال أو لم يأخذوا وقد ذهب بعض مفسري القرآن ممن لا فهم له أن هذه الآية منسوخة بالاستثناء بعدها وقد بينا فساد هذا القول في مواضع ذكر الآية السادسة قوله تعالى فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم اختلفوا في هذه الآية على قولين

[ 147 ]
الأول أنها منسوخة وذلك أن أهل الكتاب كانوا إذا ترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان مخيرا إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم ثم نسخ ذلك بقوله فاحكم بينهم بما أنزل الله فلزمه الحكم وزال التخيير روى هذا المعنى أبو سليمان الدمشقي بأسانيده عن ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والسدي وقد روى أيضا عن الزهري وعمر بن عبد العزيز وقد أخبرنا أبن الحصين قال أبنا أبو طالب ابن غيلان قال أبنا أبو بكر الشافعي قال بنا يحيى بن آدم عن الأشجعي عن سفيان عن السدي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما فاحكم بينهم أو أعرض عنهم نسختها فأحكم بينهم بما أنزل الله أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال بنا عمر بن عبيد الله البقال قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال بنا حجاج عن ابن جريح عن عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله فاحكم بينهم أو أعرض عنهم قال نسختها فأحكم بينهم بما أنزل الله قال أحمد وبنا هشيم قال بنا أصحابنا منهم منصور وغيره عن الحكم عن مجاهد في قوله فاحكم بينهم أو أعرض عنهم قال أحمد وبنا وكيع قال بنا سفيان عن السدي عن عكرمة قال نسخ قوله فاحكم بينهم قوله فاحكم بينهم أو أعرض عنهم قال أحمد وبنا حسين عن شيبان عن قتادة فاحكم بينهم بما أنزل الله قال أمر الله نبيه أن يحكم بينهم بعدما كان رخص له أن يعرض عنهم إن شاء فنسخت هذه الآية ما كان قبلها وحكى أبو جعفر النحاس عن أبي حذيفة وأصحابة قالوا إذا تحاكم أهل الكتاب إلى الأمام فليس له يعرض عنهم غير أن أبا حنيفة قال

[ 148 ]
إذا جاءت امرأة والزوج فعليه أن يحكم بينهما بالعدل وإن جاءت المرأة وحدها ولم يرض الزوج لم يحكم وقال أصحابه بل يحكم قال وقال الشافعي لا خيار للإمام إذا تحاكموا إليه قال النحاس وقد ثبت أن قول أكثر العلماء ان الآية منسوخة والقول الثاني انها محكمة وأن الإمام ونوابه في الحكم مخيرون وإذا توافعوا صلى إليهم إن شاؤا حكموا بينهم وإن شاؤا أعرضوا عنهم أخبرنا إسماعيل بن أحمد أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا هشيم قال أبنا مغيرة عن إبراهيم والشعبي في قوله فاحكم بينهم أو أعرض عنهم قالا إذا ارتفع أهل الكتاب إلى حاكم المسلمين فإن شاء أن يحكم بينهم وإن شاء أن يعرض عنهم وإن حكم حكم بما في كتاب الله قال أحمد وبنا وكيع عن سفيان عن ابن جريح عن عطاء قال إن شاء حكم وإن شاء لم يحكمط وقال أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا المثنى بن أحمد قال بنا عمرو بن خالد عن ابن لهيعة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير فإن جاؤك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم جعله الله في ذلك على الخيرة إما يحكم وإما أن يتركهم فلا يحكم بينهم قال أبو بكر وبنا عبد الله بن محمد بن خلاد قال بنا يزيد قال بنا مبارك عن الحسن قال إذا ارتفع أهل الذمة إلى حاكم من حكام المسلمين فإن شاء حكم بينهم حكم بينهم وإن شاء رفعهم الى حكامهم فإن حكم بينهم حكم بالعدل وبما أنزل الله وهذا لأنه لا تنافي بين الآيتين من جهة أن أحدهما خيرت بين الحكم وتركه والأخرى ثبتت كيفية الحكم إذا كان

[ 149 ]
ذكر الآية السابعة قوله تعالى ما على الرسول إلا البلاغ اختلف المفسرون فيها على قولين الأول أنها محكمة وأنها تدل على أن الواجب على الرسول التبليغ وليس عليه الهدي والثاني أنها تتضمن الأقتصار على التبليغ دون الأمر بالقتال ثم نسخت بآية السيف والأول أصح ذكر الآية الثامنة قوله تعالى عليكم بأنفسكم لا يضركم من ضل إذا أهتديتم للعلماء فيها قولان الأول أنها منسوخة قال أرباب هذا القول هي تتضمن كف الأيدي عن قتال الضالين فنسخت ولهم في ناسخها قولان الأول آية السيف والثاني أن آخرها نسخ أولها قال أبو عبيد القاسم بن سلام ليس في القرآن أية جمعت الناسخ والمنسوخ غير هذه وموضوع المنسوخ منها إلى قوله لا يضركم من ضل والناسخ قوله إذا اهتديتم والهدى ها هنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قلت وهذا الكلام إذا حقق لم يثبت والقول الثاني أنها محكمة قال الزجاج معناها إنما ألزمكم الله أمر أنفسكم لا يؤاخذكم بذنوب غيركم قال وهذه الآية لا توجب ترك الأمر بالمعروف لأن المؤمن إذا تركه وهو مستطيع له فهو ضال وليس بمهتد

[ 150 ]
قلت وهذا القول هو الصحيح وأنها محكمة ويدل على إحكامها أربعة أشياء الأول أن قوله عليكم أنفسكم يقتضي إغراء الإنسان بمصالح نفسه ويتضمن الأخبار بأنه لا يعاقب بضلال غيره وليس مقتضى ذلك أن لا ينكر على أنه غيره وإنما غاية الأمر أن يكون ذلك مسكوتا عنه فيقف على الدليل والثاني أن الآية تدل على وجوب الأمر بالمعروف لأن قوله عليكم أنفسكم أمر بإصلاحها وأداء ما عليها وقد ثبت وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فصار من جملة ما على الإنسان في نفسه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وقد دل على ما قلنا قوله إذا اهتديتم وإنما يكون الإنسان مهتديا إذا امتثل أمر الشرع ومما أمر الشرع به الأمر بالمعروف وقد روى عن ابن مسعود والحسن وأبي العالية أنهم قالوا في هذه الآية قولوا ما قبل منكم فإذا رد عليكم فعليكم أنفسكم أخبرنا ابن حصين قال أبنا ابن المذهب قال أبنا أحمد بن جعفر قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا هاشم بن القاسم قال بنا زهير يعني ابن معاوية قال بنا إسماعيل بن أبي خالد قال بنا قيس قال قام أبو بكر رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه قال يا أيها الناس إنكم تقرؤن هذه الآية يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى آخر الآية وأنكم تضعونها على غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك وهو الله عز وجل أن يعمهم بعقابه والثالث أن الآية قد حملها قوم على أهل الكتاب إذا أدوا الجزية فحينئذ لا يلزمون بغيرها فروى أبو صالح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى حجر

[ 151 ]
وعليهم منذر بن ساوي يدعوهم إلى الإسلام فإن أبوا فليؤدوا الجزية فلم أتاه الكتاب عرضه على من عنده من العرب واليهود والنصاري والمجوس فأقروا بالجزية وكرهوا الإسلام فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أما العرب فلا تقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وأما أهل الكتاب والمجوس فأقبل منهم الجزية فلما قرأوا الكتاب أسلمت العرب وأعطى أهل الكتاب والمجوس الجزية فقال المنافقون عجبا لمحمد يزعم أن الله بعثه ليقاتل الناس كافة حتى يسلموا وقد قبل من مجوس هجر وأهل الكتاب الجزية فهلا أكرههم على الإسلام وقد ردها على إخواننا من العرب فشق ذلك على المسلمين فنزلت هذه الآية والرابع أنه لما عابهم في تقليد آبائهم بالآية المتقدمة أعلمهم بهذه الآية أن المكلف إنما يلزمه حكم نفسه وأنه لا يضره ضلال من ضل إذا كان مهتديا حتى يعلموا أنه لا يلزمهم من ضلال آبائهم شئ من الذم والعقاب وإذا تلمحت صلى الله عليه وسلم هذه المناسبة بين الآيتين لم يكن الأمر للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ها هنا مدخل وهذا أحسن الوجوه في الآية ذكر الآية التاسعة قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية إثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم الإشارة بهذا إلى الشاهدين الذين يشهدان على الموصي في السفر والناس في قوله ذوا عدل منكم قائلان الأول من أهل دينكم وملتكم أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال أبنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي قالا أبنا أحمد بن كامل قال حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس رضي

[ 152 ]
الله عنهما ذوا عدل منكم أي من أهل الإسلام وهذا قول ابن مسعود وشريح وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومجاهد وابن سيرين والشعبي والنخعي وقتادة وأبي مخلد ويحيى بن يعمر والثوري وهو قول أصحابنا والثاني أن معنى قوله منكم أي من عشيرتكم وقبيلتكم وهم مسملون أيضا قاله الحسن وعكرمة والزهري والسدي وعن عبيدة كالقولين فأما قوله أو آخران من غيركم فقال ابن عباس ليست أو للتخير إنما المعنى أو آخران من غيركم إن لم تجدوا منكم وفي قوله من غيركم قولان الأول من غير ملتكم ودينكم قاله أرباب القول الأول والثاني من غير عشيرتكم وقبيلتكم وهم مسلمون أيضا قال أرباب القول الثاني والقائل بأن المراد شهادة المسلمين من القبيلة أو من غير القبيلة لا يشك في إحكام هذه الآية فأما القائل بأن المراد بقوله أو آخران من غيركم أهل الكتاب إذا شهدوا على الوصية في السفر فلهم فيها قولان الأول أنها محكمة والعمل على هذا عندهم باق وهو قول ابن عباس وابن المسيب وابن جبير وابن سيرين وقتادة والشعبي والثوري وأحمد بن حنبل والثاني أنها منسوخة بقوله تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم وهو قول زيد بن أسلم وإليه يميل أبو حنيفة ومالك والشافعي قالوا وأهل الكفر ليسوا بعدول والأول أصح لأن هذا موضع ضرورة فجاز كما يجوز في بعض الأماكن شهادة نساء لا رجل معهن بالحيض والنفاس والاستهلال

[ 153 ]
باب ذكر الآيات اللواتي إدعي عليهن النسخ في سورة الأنعام ذكر الآية الأولى قوله تعالى إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم زعم بعض ناقلي التفسير أنه كان يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يخاف عاقبة الذنوب ثم نسخ ذلك بقوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر قلت فالظاهر من هذه المعاصي أن المراد بها الشرك لأنها جاءت في عقيب قوله ولا تكونن من المشركين فإذا قدرنا العفو عن ذنب إذا كان لم تقدر المسامحة في شرك لو تصور إلا أنه لما لم يجز في حقه بقي ذكره على سبيل التهديد والتخويف من عاقبته كقوله لئن أشركت ليحبطن عملك فعلى هذا الآية محكمة يؤكده أنها خبر والأخبار لا تنسخ ذكر الآية الثانية قوله تعالى قل لست عليكم بوكيل للمفسرين فيه قولان الأول أنه اقتضى الاقتصار في حقهم على الإنذار من غير زيادة ثم نسخ بآية السيف وهذا المعنى في رواية الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما

[ 154 ]
والثاني أن معناه لست حفيظا عليكم إنما أطلبكم إذا بالظواهر من الإقرار والعمل لا بالأسرار فعلي هذا هو محكم وهذا هو الصحيح يؤكد أنه خبر والأخبار لا تنسخ وهذا اختيار جماعة منهم أبو جعفر النحاس ذكر الآية الثالثة قوله تعالى وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم المراد بهذا الخوض الخوض بالتكذيب ويشبه أن يكون الإعراض المذكور ههنا منسوخة بآية السيف ذكر الآية الرابعة قوله تعالى وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ أي من كفر الخائفين وإثمهم وقد زعم قوم منهم سعيد بن جبير أن هذه الآية منسوخة بقوله وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال بنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا إسحاق ابن يوسف عن سفيان عن السدي عن سعيد بن جبير وأبي مالك في قوله وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ قالا نسخها وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتهم آيات الله يكفر بها الآية قلت ولو قال هؤلاء انها منسوخة بآية السيف كان أصلح وكان معناها عندها إباحة مجالستهم وترك الاعتراض عليهم والصحيح أنها محكمة لأنها خبر وقد بينا أن المعنى ما عليكم شئ من آثامهم إنما يلزمكم إندارهم فقال

[ 155 ]
ذكر الآية الخامسة قوله تعالى وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا للمفسرين فيه قولان الأول أنه اقتضى المسامحة لهم والاعتراض عنهم ثم نسخ بآية السيف وهذا مذهب قتادة والسدي أخبرنا ابن ناصر قال أبنا ابن أيوب قال أبنا أبو علي بن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود السجستاني قال بنا أحمد بن محمد قال بنا عبد الله بن رجاء عن همام عن قتادة وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا ثم أنزل الله في براءة وأمرهم بقتالهم والثاني أنه خرج مخرج التهديد كقوله تعالى ذرني ومن خلقت وحيدا فعلى هذا هو محكم وهذا مذهب مجاهد وهو الصحيح ذكر الآية السادسة قوله تعالى قل الله ثم ذرهم فيه قولان الأول أنه أمر له بالإعراض عنهم ثم نسخ بآية السيف والثاني أنه تهديد فهو محكم وهذا أصح ذكر الآية السابعة قوله تعالى فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ فيه قولان الأول أن هذه الآية تتضمن ترك قال الكفار ثم نسخت بآية السيف

[ 156 ]
والثاني أن المعنى لست رقيبا عليكم أحصي أعمالكم فهي على هذا محكمة ذكر الآية الثامنة قوله تعالى واعرض عن المشركين روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال هذا ونحوه مما أمر الله المؤمنين بالعفو عن المشركين فإنه نسخ بقوله فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ذكر الآية التاسعة قوله تعالى وما جعالناك أي عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل قال ابن عباس رضي الله عنهما نسخ بآية السيف وعلى ما ذكرنا ف نظائرها تكون محكمة ذكر الآية العاشرة قوله تعالى ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم قال المفسرون هذه نسخت بتنبيه الخطاب في آية السيف لأنها تضمنت الأمر بقتلهم والقتل أشنع من السب ولا أرى هذه الآية منسوخ بل يكره للإنسان أن يتعرض بما يوجب ذكر معبوده بسوء أو بنبيه صلى الله عليه وسلم ذكر الآية الحادية عشرة قوله تعالى فذرهم وما يفترون إن قلنا إن هذا تهديد كما سبق في الآية السادسة فهو محكم وإن قلنا إنه بترك قتالهم فهو منسوخ بآية السيف ذكر الآية الثانية عشرة قوله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر إسم الله عليه قد روى عن جماعة منهم الحسن وعكرمة أنهم قالوا نسخت بقوله وطعام الذين أوتوا الكتاب حل

[ 157 ]
لكم وهذا غلط لأنهم إن أرادوا النسخ حقيقة وليس هذا بنسخ وإن أرادوا التخصيص وأنه خص بآية المائدة طعام أهل الكتاب فليس بصحيح لأن أهل الكتاب يذكرون الله على الذبيحة فيحمل أمرهم على ذلك فإن تيقنا أنهم تركوا ذكره جاز أن يكون عن نسيان والنسيان لا يمنع الحل فإن تركوا لا عن نسيان لا يجز الأكل فلا وجه للنسخ أصلا ومن قال من المفسرين إن المراد بها لم يذكر إسم الله على المبتة فقد خص عاما والقول بالعموم أصح وعلى الوقل الشافعي هذه الآية محكمة لأن إما أن يراد بها عنده الميتة أو يكون نهى كراهية ذكر الآية الثالثة عشرة قوله تعالى قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعملون للمفسرين فيها قولان الأول أن المراد بها ترك قتال الكفار فهي منسوخة بآية السيف والثاني أن المراد بها التهديد فعلى هذا هي محكمة وهذا هو الأصح ذكر الآية الرابعة عشرة قوله تعالى فذرهم وما يفترون فيه قولان الأول أنه اقتضى ترك قتال المشركين فهو منسوخ بآية السيف والثاني أنه تهديد ووعيد فهو محكم ذكر الآية الخامسة عشرة قوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده اختلف العلماء في المراد بهذا الحق على قولين الأول أنه الزكاة

[ 158 ]
أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال بنا أبو محمد الجواهري قال أبنا محمد المظفر قال أبنا علي بن إسماعيل بن حماد قال بنا أبو حفص عمرو بن علي قال بنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال بنا يزيد بن درهم قال سمعت أنس بن مالك يقول وآتوا حقه يوم حصاده قال الزكاة المفروضة قال أبو حفص وبنا معلى بن أسد قال بنا عبد الواحد بن زياد قال بنا الحجاج ابن أرطاة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما وآتوا حقه يوم حصاده قال العشر ونصف العشر قال أبو حفص وبنا عبد الرحمن قال بنا إبراهيم بن نافع عن ابن طاؤس عن أبيه وآتوا حقه يوم حصاده قال الزكاة قال أبو حفص وبنا عبد الرحمن قال بنا أبو هلال عن خباب الأعرج عن جابر بن زيد وآتوا حقه يوم حصاده قال الزكاة قال أبو حفص وبنا محمد بن جعفر قال بنا شعبة عن أبي رجاء قال سألت الحسن عن قوله وآتوا حقه يوم حصاده قال الزكاة وهذا قول سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وابن حنفية وعطاء وقتادة وزيد بن أسلم في آخرين فعلى هذا الآية محكمة وينبغى على قول هؤلاء أن تكون هذه الآية مدنية لأن السورة مكية والزكاة إنما أنزلت بالمدينة والثاني أنه حق غير الزكاة أمر به يوم الحصاد وهو إطعام من حضر وترك ما سقط من الرزع والتمر أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال أبنا الجوهري قال أبنا الظفر قال أبنا علي بن إسماعيل قال أنبا أبو حفص قال أبنا يحيى بن سعيد قال بنا عبد الملك عن عطاء وآتوا حقه يوم حصاده قال القبضة من الطعام

[ 159 ]
وقال يحيى بن سعيد عن سفيان عن منصور عن مجاهد وآتو حقه قال شئ سوى الزكاة في الحصاد والجذاذ إذا حصدوا وإذا جذوا وقال أبو حفص وبنا عبد الرحمن عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال إذا حصدوا ألقى إليهم من السنبل وإذا جذوا النخل ألقى لهم من الشماريخ فإذا كاله زكاه قال أبو حفص وبن معمر بن سليمان قال بنا عاصم عن أبي العالية وآتوا حقه قال كانوا يعطون شيئا سوى الزكاة أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثنا أبي قال بنا هشيم قال أبنا مغيرة عن شباك عن إبراهيم قال كانوا يعطون حتى نسختها الصدقة العشر أو نصف العشر أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا إبراهيم بن عمر قال أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال أبنا عبد الله بن سعيد قال أبنا ابن ادريس عن أبيه عن عطية وآتوا حقه يوم حصاده قال كانوا إذا حصدوا وإذا يبس وإذا عربل أعطوا منه شيئا فنسخ ذلك العشر ونصف العشر قال أبو بكر وبنا محمد بن بشار قال بنا يزيد قال أبنا عبد الملك عن عطاء وآتوا حقه يوم حصاده قال ليس بالزكاة ولكنه إذا كيل قبض منه قبضات من شهد رضخ له منه اختلف العلماء هل نسخ أم لا إن قلنا أنه أمر وجوب فهو منسوخ بالزكاة وإن قلنا إنه أمر استحباب فهو باقي الحكم

[ 160 ]
ذكر الآية السادسة عشر قوله تعالى قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه الآية اختلف العلماء في حكم هذه الآية على قولين الأول أن المعنى لا أجد محرما مما كنتم تستحلون في الجاهلية إلا هذا قاله طاؤس ومجاهد والثاني أنها حصرت المحرم فليس في الحيوانات محرم إلا ما ذكر فيها ثم اختلف أرباب هذا القول فذهب بعضهم إلى أنها محكمة وأن العمل على ما ذكر فيها فكان ابن عباس لا يرى بلحوم الحمر الأهلية بأسا ويقرأ هذه الآية ويقول ليس بشئ حراما إلا ما حرمه الله في كتابه وهذا مذهب عائشة والشعبي وذهب آخرون إلى أنها نسخت بما ذكر في المائدة من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع وقد رد قوم هذا القول بأن قالوا كل هذا داخل في الميتة وقد ذكرت الميتة ها هنا فلا وجه للنسخ وزعم قوم أنها نسخت بآية المائدة وبالسنة من تحريم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير وهذا ليس بصحيح أما آية المائدة فقد ذكرنا أنها داخلة في هذه الآية وأما ما ورد في السنة فلا يجوز أن يكون ناسخا لأن مرتبة القرآن لا يقاومها أخبار الآحاد ولو قيل إن السنة خصت ذلك الإطلاق أو ابتدأت حكما كان أصلح وإنما الصواب عندنا أن يقال هذه الآية نزلت بمكة ولم تكن الفرائض قد تكاملت ولا المحرمات اليوم قد تتامت ولهذا قال في ما أوحي على لفظ الماضي وقد كان حينئذ من قال لا إله إلا الله ثم مات دخل الجنة فلما جاءت الفرائض

[ 161 ]
والحدود وقعت المطالبة بها فكذلك هذه الآية إنما أخبرت بما كان في الشرع من التحريم يومئذ فلا ناسخ إذن ولا منسوخ ثم كيف يدعى نسخها وهي خبر والخبر لا يدخله النسخ ذكر الآية السابعة عشرة قوله تعالى إنتظروا إنا منتظرون للمفسرين فيها قولان الأول انها اقتضت الأمر بالكف عن قتالهم وذلك منسوخ بآية السيف والثاني أن المراد بها التهديد فهي محكمة وهي الصحيح ذكر الآية الثامنة عشرة قوله تعالى لست منهم في شئ للمفسرين في معناه ثلاثة أقوال الأول لست من قتالهم في شئ ثم نسخ بآية السيف قاله السدي والثاني ليس إليك شئ من أمرهم قال ابن قتيبة والثالث أنت برئ منهم وهم منك براء إنما أمرهم إلى الله سبحانه في الجزاء فعلى هذين القولين الآية محكمة

[ 162 ]
باب ذكر الآيات اللواتي أدعي عليهن النسخ في سورة الأعراف ذكر الآية الأولى قوله تعالى وذروا الذين يلحدون في أسمائه قال ابن زيد نسخها الأمر بالقتال وقال غيره هذا تهديد لهم وهذا لا ينسخ ذكر الآية الثانية قوله تعالى وأملي لهم إن كيدي متين قال المفسرون المراد بكيده مجازاة أهل الكبد والمكر وهذه خبر فهي محكمة وقد ذهب من قل علمه من منتحلي التفسير إلى أن معنى الآية الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بمشاركتهم قال ونسخ معناها بآية السيف وهذا قول لا يلتفت إليه ذكر الآية الثالثة قوله تعالى خذ العفو وامر بالعرف وأعرض عن الجاهلين العفو الميسور وفي الذي أمر بأخذ العفو ثلاثة أقوال القول الأول أخلاق الناس قاله ابن عمرو وابن الزبير والحسن ومجاهد فعلى هذا يكون المعنى اقبل الميسور من أخلاق الناس ولا تستقص عليهم فتظهر منهم البغضاء فعلى هذا هو محكم

[ 163 ]
والقول الثاني أنه المال ثم فيه قولان الأول أن المراد بعفو المال الزكاة قاله مجاهد في رواية الضحاك الثاني أنها صدقة كانت تؤخذ قبل فرض الزكاة ثم نسخت بالزكاة ورى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال القاسم وسالم العفو شئ في المال سوى الزكاة وهو فضل المال ما كان عن ظهر غنى والقول الثالث أن المراد به مساهلة المشركين والعفو عنهم ثم نسخ بآية السيف قاله ابن زيد وقوله وأعرض عن الجاهلين فيهم قولان الأول أنهم المشركون أمر بالإعراض عنهم ثم نسخ ذلك بآية السيف والثاني أنه عام فيمن جهل أمر بصيانة النفس عن مقابلتهم على سفههم وأن واجب الإنكار عليهم وعلى هذا تكون الآية محكمة وهو الصحيح

[ 164 ]
باب ذكر الآيات اللواتي إدعي عليهن النسخ في سورة الأنفال ذكر الآية الأولى قوله تعالى يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول اختلف العلماء في هذه الآية فقال بعضهم هي ناسخة من وجه ومنسوخه من وجه وذلك أن حراما في شرائع الأنبياء المتقدمين فنسخ الله ذلك بهذه الآية وجعل الأمر في الغنائم إلى ما يراه الرسول صلى الله عليه وسلم ثم نسخ ذلك بقوله تعالى واعلموا أن ما غنمتم من شئ فإن لله خمسه أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيدالله قال أبنا أبن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال أبنا وكيع قال بنا إسرائيل عن جابر عن مجاهد وعكرمة قالا كانت الأنفال لله فنسخها واعلموا أن ما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول هذا قول السدي وقال آخرون المراد بالأنفال شيئان الأول ما يجعله النبي صلى الله عليه وسلم لطائفة من شجعان العسكر ومقدميه يستخرج به نصحهم ويحرضهم على القتال والثاني ما يفضل من الغنائم بعد قسمتها كما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فغنمنا إبلا فأصاب كل واحد اثني عشر بعيرا

[ 165 ]
ونفلنا بعيرا بعيرا فعلى هذا هي محكمة لأن هذا الحكم باق إلى وقتنا هذا والعجب ممن يدعي أنها منسوخة فإن عامة ما تضمنت أن الانفال لله والرسول والمعنى أنهما يحكمان فيها وقد وقع الحكم فيها بما تضمنته آية الخمس وإن أريد أن الأمر بنفل الجيش ما أراد فهذا حكم باق فلا يتوجه النسخ بحال ولا يجوز أن يقال عن آية إنها منسوخة إلا أن يرفع حكمها وحكم هذه ما رفع فكيف يدعي النسخ وقد ذهب إلى نحو ما ذكرته أبو جعفر ابن جرير الطبري ذكر الآية الثانية قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم دبره إلا متحرفا لقتال وقد ذهب قوم منهم ابن عباس وأبو سعيد الخدري والحسن وابن جبير وقتادة والضحاك إلى أنها في أهل بدر خاصة أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا أبن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا محمد بن جعفر قال بنا شعبة عن داود قال سمعت الشعبي يحدث عن أبي سعيد الخدري ومن يولهم يومئذ دبره قال نزلت في يوم بدر قال أحمد وبنا روح قال بنا حبيب بن الشهيد عن الحسن ومن يولهم يومئذ دبره قال نزلت في أهل بدر قال أحمد وبنا روح قال بنا شعبة عن الحسن قال إنما شدد على أهل بدر قال أحمد وبنا حسين قال بنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة ومن يولهم يومئذ دبره قال يوم بدر قلت لفظ الآية عام وإن كانت نزلت في قوم بأعيانهم وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه وغيره أنها عامة ثم لهؤلاء فيه قولان

[ 166 ]
أحدهما أنها منسوخة بقوله فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين فليس للمؤمنين أن يفروا عن مثليهم قال آخرون هي محكمة وهذا هو الصحيح لأنها محكمة في النهي عن الفرار فيحمل النهي على ما إذا كان العدو أعلى من عدد المسلمين وقد ذهب إلى نحو هذا ابن جرير ذكر الآية الثالثة قوله تعالى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم أخبرنا ابن ناصر قال أبنا ابن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا داود السجستاني قال بنا أحمد بن محمد قال بنا علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم نسختها الآية التي بعدها وما لهم ألا يعذبهم الله وقد روى مثله عن الحسن وعكرمة وهذا القول ليس بصحيح لأن النسخ لا يدخل على الأخبار وهذه الآية بينت أن كون الرسول فيهم منع نزول العذاب بهم وكون المؤمنين يستغفرون بينهم منع أيضا والآية التي تليها بينت استحقاقهم العذاب لصدهم عن سبيل الله غير أن كون الرسول والمؤمنين بينهم منع من تعجيل ذلك أو عمومه فالعجب من مدعي النسخ ذكر الآية الرابعة قوله تعالى وإن جنحوا للسلم فاجنح لها اختلف المفسرون فيمن عني بهذه الآية على قولين

[ 167 ]
الأول أنهم المشركين وأنها نسخت بآية السيف وبعضهم يقول بقوله قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله وهذا مروي عن ابن عباس والحسن وعكرمة وقتادة في آخرين أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيدالله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال أبنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا حجاج عن ابن جريح عن عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله عنهما وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله فنسختها قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله الآية وأخبرنا ابن ناصر قال أبنا أبن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود السجستاني قال أبنا أحمد بن محمد قال بنا علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما وإن جنحوا للسلم فاجنح لها نسختها قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله قال أحمد بن محمد وبنا موسى بن مسعود عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وإن جنحوا للسلم فاجنح لها نسختها إقاتلوا ثنا المشركين حيث وجدتموهم والثاني انهم أهل الكتاب وقال مجاهد بنو قريظة أخبرنا عبد الوهاب قال بنا أبو طاهر قال بنا شاذان قال أبنا عبد الرحيم قال أبنا إبراهيم قال بنا آدم قال بنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وإن جنحوا للسلم يعني قريظة فعلى هذا القول إن قلنا إنها نزلت في ترك حرب أهل الكتاب إذا بذلوا الجزية وقاموا بشرط الذمة فهي محكمة وإن قيل نزلت في موادعتهم على غير جزية توجه النسخ لها بآية الجزية وهي قوله تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله الآية

[ 168 ]
ذكر الآية الخامسة قوله تعالى إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين قال المفسرون لفظ هذا الكلام لفظ الخبر ومعناه الأمر والمراد يقاتلوا مائتين وكان هذا فرضا في أول الأمر ثم نسخ بقوله تعالى الآن خفف الله عنكم ففرض على الرجل أن يثبت لرجلين فان زاد جاز له الفرار أخبرنا يحيى بن ثابت بن بندار قال أبنا أبو بكر البرقاني قال أبنا أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي قال اخبرني الحسن قال بنا حيان قال أبنا عبد الله قال أبنا جرير بن حازم قال سمعت الزبير بن الخريت عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين قال فرض عليهم ان لا يفر رجل من عشرة ولا قوم من عشرة أمثالهم قال فجهد الناس ذلك وشق عليهم فنزلت الآية الأخرى الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة الآية فرض عليهم أن لا يفر رجل من رجلين ولا قوم من مثليهم ونقص من الصبر بقدر ما خفف من العدد أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال بنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال بنا إسحاق بن أحمد قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله عنهما إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين فنسختها الآن خفف الله عنكم أخبرنا ابن ناصر قال أبنا ابن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود السجستاني قال أبنا أحمد بن محمد قال بنا علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين نسخ فقال الآن خفف الله عنكم

[ 169 ]
أخبرنا ابن الحصين قال ابنا ابن غيلان قال أبنا أبو بكر الشافعي قال أبنا إسحق بن الحسن قال بنا أبو حذيفة قال بنا سفيان الثوري عن ليث عن عطاء إن يكن منكم عشرون صابرون قال كان لا ينبغي لواحد أن يفر من عشرة فخفف الله عنهم أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال أبنا أبو طاهر الباقلاوي قال أبنا أبو علي بن شاذان قال أبنا عبد الرحمن بن الحسن قال بنا إبراهيم بن الحسين قال بنا آدم قال بنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كان قد جعل على أصحاب محمد يوم بدر على كل رجل منهم قتال عشرة من الكفار فضجوا من ذلك فجعل على كل رجل قتال رجلين فنزل التخفيف من الله عز وجل فقال الآن خفف الله عنكم قال أبو جعفر النحاس وهذا تخفيف لا نسخ لأن معنى النسخ رفع حكم المنسوخ ولم يرفع حكم الأول لأنه لم يقل فيه لا يقاتل الرجل عشرة بل إن قدر على ذلك فهو الاختيار له ونظير هذا إفطار الصائم في السفر لا يقال إنه نسخ الصوم وإنما هو تخفيف ورخصة والصيام له أفضل ذكر الآية السادسة قوله تعالى ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض روى عن ابن عباس ومجاهد في آخرين أن هذه الآية منسوخة بقوله فإما منا بعد وإما فداء وليس للنسخ وجه لأن غزاة بدر كانت وفي المسلمين قلة فلما كثروا واشتد سلطانهم نزلت الآية الأخرى ويبين هذا قوله حتى يثخن في الأرض قال أبو جعفر النحاس ليس ها هنا ناسخ ولا منسوخ لأنه قال ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض فلما أثخن في الأرض كان له أسرى

[ 170 ]
ذكر الآية السابعة قوله تعالى إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولا يتهم من شئ حتى يهاجروا قال المفسرون كانوا يتوارثون بالهجرة وكان المؤمن الذي لا يهاجر لا يرث قريبه المهاجر وذلك معنى قوله ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال أبنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي قالا أبنا أبو علي بن شاذان قال أبنا أحمد بن كامل قال حدثني محمد ابن سعد العوفي قال بنا أبي قال حدثني عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان المؤمنون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاثة منازل منهم المؤمن المهاجر المرافق لقومه في الهجرة خرج إلى قوم مؤمنين في ديارهم وعقارهم وأموالهم وفي قوله والذين آووا ونصروا وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة وشهروا السيوف على من كذب وجحد فهذان مؤمنان وكانوا يتوارثون إذا توفي المؤمن المهاجر بالولاية في الدين وكان الذي آمن ولم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر ثم ألحق كل ذي رحم برحمه أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال ابنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا محمد بن قهزاد قال بنا علي بن الحسين بن واقد قال حدثني أبي عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا قال وكان الأعرابي لا يرث المهاجر ولا يرثه المهاجر فنسخها وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض الآية

[ 171 ]
أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال بنا أبو سعيد مولى بني هاشم قال بنا عمر بن فروخ قال بنا حبيب بن الزبير عن عكرمة والذين آمنوا ولم يهاجروا قال لبث الناس برهة والأعرابي لا يرث المهاجر والمهاجر لا يرث الأعرابي حتى فتحت مكة ودخل الناس في الدين فأنزل الله وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله وقال الحسن كان الأعرابي لا يرث المهاجر ولا يرثه المهاجر فنسخها وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض وقد ذهب قوم إلى أن المراد بقوله ما لكم من ولايتهم من شئ ولاية النصرة والمودة قالوا ثم نسخ هذا بقوله والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض وأما قوله وإن استنصروكم في الدين فقال المفسرون إن استنصروكم المؤمنون الذين لم يهاجروا فانصروهم إلا أن يستنصروكم على قوم بينكم وبينهم عهد فلا تغدروا بأهل العهد وذهب بعضهم إلى أن الإشارة إلى أحياء من كفار العرب كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم موادعة فكان إن احتاج إليهم عاونوه وإن احتاجوا عاونهم فنسخ ذلك بآية السيف

[ 172 ]
باب ذكر الآيات اللواتي إدعي عليهن النسخ في سورة التوبة ذكر الآية الأولى قوله تعالى فسيحوا في الأرض أربعة أشهر زعم بعض ناقلي التفسير ممن لا يدري ما ينقل أن التأجيل منسوخ بآية السيف وقال بعضهم منسوخ بقوله فانبذ إليهم على سواء وهذا فهم وخلاف لما عليه المفسرون فان المفسرين اختلفوا فيمن جعلت له هذه الأشهر على أربعة أقوال الأول أنها امان لأصحاب العهد فمن كان عهده أكثر منها حط إليها ومن كان عهده أقل منها رفع إليها ومن لم يكن له عهد فأجله انسلاخ المحرم خمسون ليلة وهذا قول ابن عباس وقتادة والضحاك وإنما كان هذا الأجل خمسين ليلة لأن هذه الآيات نودي بها يوم عرفة وقيل يوم النحر والثاني أنها للمشركين كافة من له عهد ومن ليس له عهد قاله مجاهد والقرطبي والزهري والثالث أنها أجل من كل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمنه أقل من أربعة أشهر وكان أمانه غير محدود فأما من لا أمان له فهو حرب قاله ابن إسحاق والرابع أنها أمان لمن لم يكن له أمان ولا عهود فأما أرباب العهد فهم على عهودهم قاله ابن السائب ويؤكده أن عليا عليه السلام نادى يومئذ ومن كان بينه

[ 173 ]
وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته وقوله فإذا انسلخ الأشهر الحرم قال الحسن يعني الأشهر التي قيل فيها فسيحوا في الأرض أربعة أشهر وعلى هذا البيان فلا نسخ أصلا وقد قال بعض المفسرين المراد بالأشهر الحرم رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم وهذا كلام غير محقق لأن المشركين إنما قيل لهم فسيحوا في الأرض في ذي الحجة فمن ليس له عهد يجوز قتله بعد المحرم ومن له عهد فمدته آخر عهده فليس لذكر رجل ها هنا معنى ذكر الآية الثانية قوله تعالى فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قد ذكروا في هذه الآية ثلاثة أقوال الأول أن حكم الأسارى كان وجوب قتلهم ثم نسخ بقوله فإما منا بعد وإما فداء قاله الحسن وعطاء والضحاك في آخرين وهذا يرده قوله وخذوهم والمعنى أئسروهم والثاني بالعكس فإنه كان الحكم في الأساري أنه لا يجوز قتلهم صبرا وإنما يجوز المن أو الفداء بقوله فإما منا بعد وإما فداء ثم نسخ ذلك بقوله اقتلوا المشركين قاله مجاهد وقتادة والثالث أن الآيتين محكمتان لأن قوله أقتلوا المشركين أمر بالقتل وقوله وخذوهم أي أئسروهم فإذا حصل الأسير في يد الإمام فهو مخير إن شاء من عليه وإن شاء فاداه وإن شاء قتله صبرا أي ذلك رأى فيه المصلحة للمسلمين فعل هذا قول جابر بن زيد وعليه عامة الفقهاء وقد ذكر بعض من لا فهم له من ناقلي التفسير أن هذه الآية وهي آية السيف نسخت من القرآن مائة وأربعا وعشرين آية ثم صار آخرها ناسخا لأولها وهو قوله فإن تابوا وأقاموا الصلاة

[ 174 ]
وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم وهذا سوء فهم لأن المعنى أقتلوهم وأسروهم إلا أن يتوبوا من شركهم ويقروا بالصلاة والزكاة فخلوا سبيلهم ولا تقتلوهم ذكر الآية الثالثة قوله تعالى إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم في المشار إليهم بهذه المعاهدة ثلاثة أقوال الأول أنهم بنو ضمرة والثاني قريش روي القولان عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال قتادة هم مشركو قريش الذين عاهدهم نبي الله زمن الحديبية فنكثوا وظاهروا المشركين والثالث أنهم خزاعة دخلوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عاهد المشركين يوم الحديبية وهذا قول مجاهد وقوله فما ستقاموا لكم أي ما أقاموا على الوفاء بعهدهم فاستقيموا لهم قال بعض االمفسرين به ثم نسخ هذا بآية السيف ذكر الآية الرابعة قوله تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله اختلف في هذه الآية على ثلاثة أقوال الأول أنها عامة في أهل الكتاب والمسلمين قاله أبو ذر والضحاك والثاني أنها خاصة في أهل الكتاب قاله معاوية بن أبي سفيان

[ 175 ]
والثالث أنها في المسلمين قاله ابن عباس والسدي وفي المراد بالإنفاق ها هنا قولان الأول إخراج الزكاة وهذا مذهب الجمهور والآية على هذا محكمة أخبرنا عبد الأول بن عيسى قال أبنا محمد بن عبد العزيز الفارسي قال أبنا عبد الرحمن بن أبي جريج قال أبنا عبد الله بن محمد البغوي قال بنا العلاء بن موسى الباهلي قال أبنا الليث بن سعد عن نافع ان عبد الله بن عمر قال ما كان من مال تؤدي زكاته فإنه الكنز الذي ذكره الله عز وجل فكتابه والثاني أن المراد بالإنفاق إخراج ما فضل عن الحاجة وقد زعم بعض نقلة التفسير أنه كان يجب عليهم إخراج ذلك في أول الإسلام ثم نسخ بالزكاة وفي هذا القول بعد وقد أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا عبد الله بن سعيد قال أبنا أبو أسامة عن عمر بن راشد أو غيره أن عمر بن عبد العزيز وعراك بن مالك قالا في هذه الآية والذين يكنزون الذهب والفضة نسختها الآية الأخرى وخذ من أموالهم صدقة ذكر الاية الخامسة قوله تعالى إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما أخبرنا ابن ناصر قال أبنا علي بن أيوب قال أبنا بن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود السجستاني قال بنا أحمد بن محمد قال بنا علي بن

[ 176 ]
الحسين عن أبيه عن زيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما نسختها وما كان المؤمنون لينفروا كافة وقد روى مثل هذا عن الحسن وعكرمة وهذا ليس بصحيح لأنه لا تنافي بين الآيتين وإنما حكم كل آية قائم في موضعها فإن قلنا الا تنفروا أريد به غزوة تبوك فإنه كان قد فرض على الناس كافة النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذ عاتب المخلفين وجرت قصة الثلاثة الذين خلفوا وإن قلنا إن الذين استنفروا حي من العرب معروف كما ذكرنا في التفسير عن ابن عباس فإنه قال استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا من أحياء العرب فتثافلوا هذا عنه وأمسك عنهم المطر فكان عذابهم فإن أولئك وجب عليهم النفير حين استنفروا وقد ذهب إلى إحكام الآيتين ومنع النسخ جماعة منهم ابن جرير وأبو سليمان الدمشقي وحكى قالوا ليس ها هنا نسخ ومتى لم يقاوم أهل الثغور العدو ففرض على الناس النفير إليهم ومتى استغنوا عن إعانة من وراءهم عذر القاعدون عنهم ذكر الآية السادسة قوله تعالى انفروا خفافا وثقالا أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا اسحاق بن أحمد قال أبنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا حجاج عن ابن جريح عن عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في براءة انفروا خفافا وثقالا وقال إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما فنسخ هؤلاء الآيات وما كان المؤمنون لينفروا كافة وقال السدي نسخت بقوله ليس على الضعفاء ولا على المرضى واعلم أنه متى حملت هذه الآية على ما حملنا عليه التي قبلها لم يتوجه نسخ

[ 177 ]
ذكر الآية السابعة قوله تعالى لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال بنا عمر بن عبيد الله قال بنا ابن بشران قال بنا إسحاق بن أحمد قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا حجاج عن ابن جريح عن عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله عنهما لا يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر نسختها إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه أخبرنا ابن ناصر قال أبنا أبن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود السجستاني قال بنا محمد بن أحمد قال بنا علي بن الحسين بن أبيه عن أبي يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله نسختها إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله قلت فالصحيح أنه ليس للنسخ ها هنا مدخل لإمكان العمل بالآيتين وذلك أنه إنما عاب على المنافقين أن يستأذنوه في العقود على الجهاد من غير عذر وأجاز للمؤمنين الاستئذان لما يعرض من حاجة وكان المنافقون إذا كانوا معه فعرضت لهم حاجة ذهبوا من غير استئذانه وإلى نحو هذا ذهب أبو جعفر بن جرير وأبو سليمان الدمشقي ذكر الآية الثامنة قوله تعالى إستغفر لهم أو لا تستغفر لهم لفظ هذه الآية لفظ الأمر وليس كذلك وإنما المعنى إن استغفرت لهم وإن لم تستغفر لهم لا يغفر الله لهم فهو كقوله تعالى أنفقوا طوعا أو كرها فعلى هذه الآية محكمة هذا قول

[ 178 ]
المحققين وقد ذهب قوم إلى أن ظاهر اللفظ يعطي أنه إن زاد على السبعين رجى لهم الغفران ثم نسخت بقوله سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم فروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ثم نسخت بقوله سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال أبنا أبو طاهر الباقلاوي قال أبنا أبو علي بن شاذان قال أبنا عبد الرحمن بن الحسن قال بنا إبراهيم بن الحسين قال بنا آدم قال بنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال لما نزلت إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سأزيدن رسول على سبعين مرة فأنزل الله تعالى في سورة المنافقين لن يغفر الله لهم عزما وقد حكى أبو جعفر النحاس أن بعض العلماء قال فنسخت بقوله ولا تصل على أحد منهم مات أبدا قلت والصحيح إحكام الآية على ما سبق ذكر الآية التاسعة قوله تعالى ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله قد ذهب طائفة من المفسرين إلى أن هذه الآية اقتضت أنه لا يجوز لأحد أن يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا كان في أول الأمر ثم نسخ ذلك بقوله تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة قال أبو سليمان الدمشقي لكل آية وجهها وليس للنسخ على إحدى الآيتين طريق وهذ هو الصحيح على ما بينا في الآية الخامسة

[ 179 ]
باب ذكر الآيات اللواتي إدعي عليهن النسخ في سورة يونس عليه السلام ذكر الآية الأولى قوله تعالى إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم الكلام في هذه كالكلام في نظيرتها في الأنعام وقد تكلمنا عليها هناك ومقصود الآيتين تهديد المخالف وأضيف إلى الرسول ليصعب الأمر فيه وليس ها هنا نسخ ويقوي ما قلنا إن المراد بالمعصية ها هنا تبديل القرآن والتقول على الله تعالى وموافقة المشركين على ما هم عليهم وهذا لا يدخل في قوله ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك كيف وقد قال عز وجل ولو تقول علينا بعض الأقاويل وقال لئن اشركت ليحبطن عملك وقال إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات وإنما هذا وامثاله للمبالغة في بيان آثار المعاصي وليس من ضرورة ما علق بشرط أن يقع ذكر الآية الثانية قوله تعالى وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم روى أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال نسختها آية السيف وهذا بعيد من ثلاثة أوجه الأول أنه لا يصح عن ابن عباس

[ 180 ]
والثاني أنه ليس بين الآيتين تناف والمنسوخ لا يصح اجتماعه مع الناسخ والثالث أنه لا يصح أن يدعي نسخ هذه الآية بل إن قيل مفهومها منسوخ عندهم فقل لي عملي واقتصر على ذلك ولا تقاتلهم وليس الأمر كذلك إنما معنى الآية لي جزاء عملي فإن كنت كاذبا فوباله علي ولكم جزاء عملكم في تكذيبكم لي وفائدة هذا لا يمنع من قتالهم وهو أقرب إلى ما يفهم منها فلا وجه للنسخ ذكر الاية الثالثة قوله تعالى وإما نرينك بعض الذي نعدهم زعم بعضهم انها منسوخة بآية السيف فكأنه ظن أن معناها أترك قتالهم فربما رأيت بعض الذي نعدهم وليس هذا شئ ذكر الآية الرابعة قوله تعالى أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين زعم قوم منهم مقاتل ابن سليمان أنها منسوخة بآية السيف والصحيح أنها محكمة وبيان ذلك أن الإيمان لا يصح مع الإكراه لأنه من أعمال القلب وإنما يتصور الإكراه على النطق لا على العقل ذكر الآية الخامسة قوله تعالى فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل روى أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال هذه الآية منسوخة بآية القتال وهذا لا يصح عن ابن عباس وقد بينا أنه لا يتوجه النسخ في مثل

[ 181 ]
هذه الأشياء لأن معنى الاية ما أنا بوكيل في منعكم من اعتقاد الباطل وحافظ لكم من الهلاك إذا لم تعملوا أنتم لأنفسكم ما يخلصها ذكر الآية السادسة قوله تعالى واصبر حتى يحكم الله روى أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال هذه منسوخة بآية القتال هذا لا يثبت عن ابن عباس ثم إن الأمر بالصبر ها هنا مذكور إلى غاية وما بعد الغاية يخالف ما قبلها وقد شرحنا هذا المعنى في البقرة عند قوله فأعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره فلا وجه للنسخ في شئ من هذه الآيات

[ 182 ]
باب ذكر الآيات اللواتي ادعي عليهن النسخ في سورة هود ذكر الآية الأولى قوله تعالى إنما أنت نذير والله على كل شئ وكيل قال بعض المفسرون معنى هذه الآية اقتصر على إنذاهم ولا من غير قتال ثم نسخ ذلك بآية السيف والتحقيق أن يقال إنها محكمة لأن المحققين قالوا معناها إنما عليك أن تنذرهم بالوحي لا أن تأتيهم بمقترحهم لم من الآيات والوكيل الشهيد ذكر الآية الثانية قوله تعالى من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها زعم قوم منهم مقاتل بن سليمان أن هذه الآية اقتضت أن من أراد الدنيا بعمله أعطي فيها ثواب عمله من الرزق والخير ثم نسخ ذلك بقوله عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد وهذا القول ليس بصحيح لأن الآيتين خبر وهذه الآية نظير قوله في آل عمران ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها وقد شرحناها هناك ذكر الآية الثالثة والرابعة قوله تعالى وقل للذين لا يؤمنون اعملوا مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون قال بعض المفسرين هاتان الآيتان اقتضتا تركهم على أعمالهم والاقتناع بإنذارهم ثم نسختها بآية السيف

[ 183 ]
وقال المحققون هذا تهديد ووعيد معناه اعملوا ما أنتم عاملون فستعلمون عاقبة أمركم وانتظروا ما يعدكم الشيطان إنا منتظرون ما يعدنا ربنا وهذا لا ينافي قتالهم فلا وجه للنسخ باب ذكر الآيات اللواتي إدعي عليهن النسخ في سورة الرعد ذكر الآية الأولى قوله تعالى وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم قد توهم بعض المفسرين أن هذه الآية منسوخة لأنه قال المراد بالظلم ها هنا الشرك ثم نسخت بقوله إن الله لا يغفر أن يشرك به وهذا التوهم فاسد لأن الظلم عام وتخصيصه بالشرك هاهنا يحتاج إلى دليل ثم إن كان المراد به الشرك فلا يخلو الكلام من أمرين إما أن يراد التجاوز عن تعجيل عقابهم في الدنيا أو الغفران لهم إذا رجعوا عنه وليس في الآية ما يدل على أنه يغفر للمشركين إذا ماتوا على الشرك ذكر الآية الثانية قوله تعالى فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قوله فإنما عليك البلاغ نسخ بآية السيف وفرض الجهاد وكذلك قال قتادة وعلى ما سبق تحقيقة في مواضع من أنه ليس عليك أن تأتيهم بما يقترحون من الآيات إنما عليك أن تبلغ تكون محكمة ولا يكون بينها وبين آية السيف منافات

[ 184 ]
باب ذكر الآيات اللواتي إدعي عليهن النسخ في سورة الحجر ذكر الآية الأولى قوله تعالى ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون قد زعم كثير من المفسرين أنها منسوخة بآية السيف والتحقيق أنها وعيد وتهديد وذلك لا ينافي قتالهم فلا وجه للنسخ ذكر الآية الثانية قوله تعالى فاصفح الصفح الجميل أخبرنا ابن المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال قال أبنا أبو بكر بن أبي داود بنا عبد عقبة عن إسرائيل عن جابر عن مجاهد وعكرمة فاصفح الصفح الجميل قال هذا قبل القتال قال أبو بكر وبنا موسى بن هارون قال بنا الحسين قال بنا شيبان عن قتادة فاصفح الصفح الجميل قال نسخ هذا بعد فقال واقتتلوهم حدثنا حيث ثقفتموهم

[ 185 ]
ذكر الآية الثالثة قوله تعالى لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن قد زعم قوم أن هذا كان قبل أن يؤمر بقتالهم ثم نسخ بآية السيف وهذا ليس بشئ لأن المعنى لا تحزن عليهم إن لم يؤمنوا وقيل لا تحزن بم أنعمت عليهم في الدنيا ولا وجه للنسخ وكذلك قال أبو الوفاء ابن عقيل قد ذهب بعضهم إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف وليس بصحيح ذكر الآية الرابعة قوله تعالى وقل إني أنا النذير المبين زعم بعضهم أن معناها نسخ بآية السيف لأن المعنى عنده اقتصر على الأنذار وهذا خيال فاسد لأنه ليس في الآية ما يتضمن هذا ثم هي خبر فلا وجه للنسخ ذكر الآية الخامسة قوله تعالى وأعرض عن المشركين أخبرنا ابن ناصر قال أبنا ابن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبو داود السجستاني قال بنا أحمد بن محمد قال حدثت عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما وأعرض عن المشركين قال نسختها اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم أخبرنا المبارك بن علي قال بنا أحمد بن الحسين قال أبنا البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا محمد بن سعد قال حدثني أبي عن الحسين بن الحسن بن عطية عن أبيه عن عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما وأعرض عن المشركين قال هذا من المنسوخ

[ 186 ]
باب ذكر الآيات اللواتي إدعي عليهن النسخ في سورة النحل ذكر الآية الأولى قوله تعالى ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا اختلف المفسرون بالمراد بالسكر على ثلاثة أقوال القول الأول أنه الخمر قاله ابن مسعود وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا أبو الفضل البقال قال أبنا أبو الحسن بن بشران قال أبنا إسحاق الكاذي قال بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني حجاج عن ابن جريح عن عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله عنهما تتخذون منه سكرا قال النبيذ فنسختها إنما الخمر والميسر الآية أخبرنا ابن ناصر قال أبنا ابن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال بنا أبو داود السجستاني قال بنا حفص بن عمر قال بنا شعبة عن مغيرة عن إبراهيم والشعبي وأبي رزين أنهم قالوا تتخذون منه سكرا قالوا هذه منسوخة

[ 187 ]
أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا إبراهيم بن عمر قال أبنا محمد بن أسماعيل بن العباس قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا عبد الله بن الصباح قال بنا أبو علي الحنفي قال بنا اسرائيل أبي الهيثم عن سعيد بن جبير في قوله تتخذون منه سكرا قال الخمر أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال أبنا أبو طاهر الباقلاوي قال أبنا أبو علي بن شاذان قال أبنا عبد الرحمن بن الحسن قال بنا إبراهيم بن الحسين قال بنا آدم قال بنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد تتخذون منه سكرا قال السكر الخمر قبل تحريمها وهذا قول الحسن وبن أبي ليلى والزجاج وابن قتيبة ومذهب أهل هذا القول أن هذه الآية نزلت إذ كانت الخمر مباحة ثم نسخت بقوله فاجتنبوه ومن صرح بأنها منسوخة سعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وقتادة والنخعي ويمكن أن يقال على هذا القول ليست بمنسوخة ويكون المعنى أنه خلق لكم هذه الثمار لتنتفعوا بها على وجه مباح فاتخذتم أنتم منها ما هو محرم عليكم ويؤكد هذا أنها خبر والأخبار لا تنسخ وقد ذكر نحو هذا المعنى الذي ذكرته أبو الوفاء ابن عقيل فإنه قال ليس في الآية ما يقتضي إباحة السكر إنما هي معاتبة وتوبيخ والقول الثاني أن السكر المخل بلغة الحبشة روى عن ابن عباس رضي الله عنهما وأخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا إبراهيم ابن عمر قال أبنا محمد بن إسماعيل قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا محمد بن سعد قال حدثني أبي عن الحسين بن الحسن بن عطية عن أبيه عن عطية قال قال ابن عمر ان الحبشة يسمون الخل السكر وقال الضحاك هو الخل بلسان اليمن والثالث أن السكر الطعم يقال هذا له سكر أي طعم وأنشدوا جعلت عنب الأكرمين سكرا قاله أبو عبيدة فعلى هذين القولين الآية محكمة

[ 188 ]
ذكر الآية الثانية قوله تعالى فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين قال كثير من المفسرين إنها منسوخة بآية السيف وقد بينا في نظائرها أنه لا حاجة بنا إلى ادعاء النسخ في مثل هذه ذكر الآية الثالثة قوله تعالى وجادلهم بالتي هي أحسن اختلف المفسرون في هذه الآية على أربعة أقوال الأول أن المعنى جادلهم بالقرآن الثاني بلا إله إلا الله والقولان عن ابن عباس رضي الله عنهما والثالث أعرض عن أذاهم إياك أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي قال أبنا أبو طاهر قال أبنا ابن شاذان قال أبنا عبد الرحمن بن الحسن قال أبنا إبراهيم الحسين قال أبنا آدم قال بنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وجادلهم بالتي هي أحسن قال يقول أعرض عن أذاهم إياك والرابع جادلهم غير فظ ولا غليظ وألن لهم جانبك قاله الزجاج وقد ذهب كثير من المفسرون إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف وفيه بعد لأن المجادلة لا تنافي القتال ولم يقل له اقتصر على جدالهم فيكون المعنى جادلهم فإن أبوا فالسيف فلا يتوجه نسخ ذكر الآية الرابعة قوله تعالى وإن عاقبتم بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير

[ 189 ]
للصابرين للمفسرين في هذه الآية قولان الأول أنها نزلت قبل براءة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقاتل من قاتله ولا يبدأ بالقتال ثم نسخ ذلك وأمر بالجهاد قاله ابن عباس والضحاك أخبرنا عبد الوهاب قال أبنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي قالا أبنا أبو علي بن شاذان قال أبنا أحمد بن كامل قال حدثني محمد بن سعد قال حدثني عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس رضي الله عنهما وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به فقال أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقاتل من قاتله ثم نزلت براءة فهذا من المنسوخ فعلى هذا القول يكون المعنى ولئن صبرتم عن القتال ثم نسخ هذا بقوله اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم والثاني أنها محكمه وأنها نزلت فيمن ظلم ظلامة فلا يحل له أن ينال من ظالمه أكثر مما نال الظلم منه قاله الشعبي والنخعي وابن سيرين والثوري أخبرنا عبد الوهاب قال أبنا أبو طاهر قال أبنا ابن شاذان قال أبنا عبد الرحمن بن الحسن قال أبنا إبراهيم بن الحسين قال بنا آدم قال بنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وإن عاقبتم بمثل ما عوقبتم به يقول لا تعتدوا يعني محمدا وأصحابه وعلى هذا القول يكون المعنى ولئن صبرتم على المثلة لا عن القتال هذا أصح من القول الأول ذكر الآية الخامسة قوله تعالى واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم هذه الآية متعلقة بالتي قبلها فحكمها وقد زعم بعض المفسرين أن الصبر ها هنا منسوخ بآية السيف

[ 190 ]
باب ذكر الآيات اللواتي إدعي عليهن النسخ في سورة بني إسرائيل ذكر الآية الأولى قوله تعالى وقل رب ارحمهما قد ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا الدعاء المطلق نسخ منه الدعاء للوالدين المشركين وروى نحو هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما والحسن وعكرمة ومقاتل أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا أبو إسحاق البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا محمد بن قهزاد قال حدثني علي بن الحسين بن واقد قال حدثني أبي عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله إما يبلغن عندك الكبر إلى قوله كما ربياني صغيرا نسختها ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفرا ابن للمشركين قال أبو بكر وبنا محمد بن سعد قال حدثني أبي عن الحسين بن الحسن بن عطية عن عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما إما يبلغن عندك الكبر إلى قوله صغيرا فنسخها ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين قال أبو بكر وبنا أحمد بن يحيى بن مالك قال بنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة نحوه

[ 191 ]
أخبرنا ابن ناصر قال أبنا ابن أيوب قال ابنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود السجستاني قال أبنا أحمد بن محمد قال بنا عبد الله بن عثمان عن عيسى بن عبيد الله عن عبيد الله مولى عمر عن الضحاك وقل رب ارحمهما نسخ منها بالآية التي في براءة وما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين قلت وهذ ليس بنسخ عند الفقهاء إنما هو عام دخله التخصيص وإلى نحو ما قلته ذهب ابن جرير الطبري ذكر الآية الثانية قوله تعالى وكما أرسلناك عليهم وكيلا للمفسرين في معنى الوكيل ثلاثة أقوال الأول كفيلا تؤخذ بهم قاله ابن عباس رضي الله عنهما والثاني حافظا وربا قاله الفراء والثالث كفيلا بهدايتهم وقادرا على إصلاح قلوبهم ذكره ابن الأنباري وعلى هذخ الآية محكمة وقد زعم بعضهم أنها منسوخ بآية السيف وليس بصحيح وقد تكلمنا على نظائرها فيما سبق ذكر الآية الثالثة قوله تعالى ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن قد زعم من قل فهمه من نقلة التفسير أن هذه الآية لما نزلت امتنع الناس من مخالطة اليتامى فنزلت وإن تخالطوهم فإخوانكم وهذا يدل على جهل قائله بالتفسير ومعاني القرآن

[ 192 ]
أيراه يجوز قرب مال اليتيم بغير التي هي أحسن حتى يتصور نسخ وإنما المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من المفسرين أنهم كانوا يخلطون طعامهم بطعام اليتامى فلما نزلت هذه الآية عزلوا طعامهم عن طعامهم وكان يفضل الشئ فيفسده فنزل قوله وإن تخالطوهم فإخوانكم فأما أن تدعى نسخ فكلا ذكر الآية الرابعة قوله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها روى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال نسخت هذه الآية بقوله واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية دون الجهر من القول وقال ابن السائب نسخت بقوله فاصدع بما تؤمر وهذا القول ليس بصحيح وليس بين الآيات تناف ولا وجه للنسخ وبيان هذا أن المفسرين اختلفوا في المراد بقوله ولا تجهر بصلاتك فقال قوم هي الصلاة الشرعية لا تجهر بقرءاتك فيها ولا تخافت بها وقال آخرون الصلاة الدعاء فأمر التوسط في رفع الصوت وذلك لا ينافي التضرع فأما سورة الكهف فليس فيها منسوخ إلا أن السدي يزعم أن قوله تعالى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر قال وهذا تخيير نسخ بقوله وما تشاؤن إلا أن يشاء الله وهذا تخليط في الكلام وإنما هو وعيد وتهديد وليس بأمر كذلك قال الزجاج وغيره لا وجه للنسخ

[ 193 ]
باب ذكر الآيات اللواتي أدعي عليهن النسخ في سورة مريم ذكر الآية الأولى قوله تعالى وأنذرهم يوم الحسرة زعم بعض المغفلين من ناقلي التفسير أن الإنذار منسوخ بآية السيف وهذا تلاعب من هؤلاء بالقرآن ومن أين يقع التنافي بين إنذارهم القيامة وبين قتالهم في الدنيا ذكر الآية الثانية قوله تعالى فسوف يلقون غيا زعم بعض الجهلة أنه منسوخ بالاستثناء بعده وقد بينا أن الاستثناء ليس بنسخ ذكر الآية الثالثة قوله تعالى وإن منكم إلا واردها زعم ذلك الجاهل انها نسخت بقوله ثم ننجي الذين أتقوا وهذا من أفحش الإقدام على الكلام في كتاب الله سبحانه بالجهل وهل بين الآيتين تناف فإن الأولى تثبت أن الكل يردونها والثانية تثبت أنه ينجو منهم من اتقى ثم هما خبران من انقى ثم هما خبران والأخبار لا تنسخ

[ 194 ]
ذكر الآية الرابعة قوله تعالى قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا وزعم ذلك الجاهل أنها منسوخة بآية السيف وهذا باطل قال الزجاج هذه الآية لفظها لفظ أمر ومعناها الخبر والمعنى إن الله تعالى جعل جزاء ضلالته أن يتركه فيها وعلى هذا لا وجه للنسخ ذكر الآية الخامسة قوله تعالى فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف وهذا ليس بصحيح لأنه إن كان المعنى لا تعجل بطلب عذابهم الذي يكون في الآخرة فإن المعنى أن أعمارهم سريعة الفناء فلا وجه للنسخ وإن كان المعنى لا تعجل عذابهم الذي يكون في الآخرة فإن المعنى أن أعمارهم سريعة الفناء فلا وجه للنسخ وإن كان المعنى لا تعجل بطلب قتالهم فإن هذا السورة نزلت بمكة ولم يؤمر حينئذ بالطلب فنهيه عن الاستعجال بطلب بطلب قتالهم واقع في موضعه ثم أمره بقتالهم بعد الهجرة لا ينافي النهي عن طلب القتال بمكة فكيف يتوجه النسخ فسبحان من قدر وجود قوم جهال يتلاعبون بالكلام في القرآن يدعون نسخ ما ليس بمنسوخ وكان ذلك من سوء الفهم نعوذ بالله منه

[ 195 ]
باب ذكر الآيات اللواتي أدعي عليهن النسخ في سورة طه ذكر الآية الأولى قوله تعالى فاصبر على ما يقولون قال جماعة من المفسرين معناها فاصبر على ما تسمع من أذاهم ثم نسخت بآية السيف ذكر الآية الثانية قوله تعالى قل كل متربص فتربصوا قالوا هي منسوخة بآية السيف وقد ذكروا في سورة الأنبياء ما لا يحسن ذكره مما ادعوا فيه النسخ فأضربنا عنه

[ 196 ]
باب ذكر الآيات قوله اللواتي أدعي عليهن النسخ في سورة الحج ذكر الآية الأولى قوله تعالى وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون اختلفوا في هذه الآية على قولين الأولى أنها نزلت قبل الأمر بالقتال ثم نسخت بآية السيف والثاني أنها نزلت في حق المنافقين كانت تظهر منهم فلتات ثم يجادلون عليها فأمر أن يكل أمورهم إلى الله تعالى فالآية على هذا محكمة ذكر الآية الثانية قوله تعالى وجاهدوا في الله حق جهاده فيها قولان القول الأول أنها منسوخة لأن فعل ما فيه وفاء الحق الله لا يتصور من أحد واحتلف هؤلاء في ناسخها على قولين الأول أنه قوله لا يكلف الله نفسا إلا وسعها والثاني فاتقوا الله ما استطعتم والقول الثاني أنها محكمة لأن حق الجهاد الجد في المجاهدة وبذل الإمكان مع صحة القصد فعلى هذا هي محكمة ويوضحه أن الله تعالى لم يؤمر بما لا يتصور فبان أن قوله ما استطعتم تفسير لحق الجهاد فلا يصح نسخ كما بينا في قوله تعالى في آل عمران اتقوا الله حق تقاته

[ 197 ]
باب ذكر الآيات اللواتي أدعي عليهن النسخ في سورة المؤمنون ذكر الآية الأولى قوله تعالى فذرهم في غمرتهم حتى حين أي في عمايتهم وحيرتهم إلى أن تأتيهم ما وعدوا به من العذاب واختلفوا هل هذه منسوخة أم لا على قولين الأول أنها منسوخة بآية السيف لأنها اقتضت ترك الكفار على ما هم عليه والثاني أن معناها الوعيد والتهديد فهي محكمة ذكر الاية الثانية قوله تعالى إدفع بالتي هي أحسن السيئة للمفسرين في معناها هذا أربعة أقوال الأول أدفع إساءة المسيئ له بالصفح قال الحسن والثاني ادفع الفحش بالإسلام قاله عطاء والضحاك والثالث ادفع الشرك بالتوحيد قاله ابن السائب والرابع أدفع المنكر بالموعظة حكاه الماوردي وقد ذكر بعض المفسرين أن هذه الآية منسوخة وقال بعض المحققين من العلماء لا حاجة بنا إلى القول بالنسخ لأن المداراة محمودة ما لم تضر بالدين ولم يؤد إلى إبطال حق وإثبات باطل

[ 198 ]
باب ذكر الآيات اللواتي أدعي عليهن النسخ في سورة النور ذكر الآية الأولى قوله تعالى الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا فإن أو مشرك قال عكرمة هذه الآية في بغايا كن بمكة أصحاب رايات وكان لا يدخل عليهن إلا زان من أهل القبلة أو مشرك فأراد ناس من المسلمين نكاحهن فنزلت هذه الآية قال ابن جرير فعلى هذا يكون المعنى الزاني من المسلمين لا يتزوج أمرأة من أولئك البغايا إلا زانية أو مشركة لأنهن كذلك والزانية من أولئك البغايا لا ينكحها إلا زان أو مشرك أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال بنا عمر بن عبيد الله البقال قال بنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا هشيم وأبنا ابن ناصر قال أبنا ابن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال بنا أبو بكر النجاد قال بنا أبو داود السجستاني قال بنا وهب بن بقية عن هيثم قال أبنا يحيى ابن سعيد عن سعيد بن المسيب في قوله والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك قال نسختها الآية التي بعدها وأنكحوا الأيامى منكم قال الشافعي القول كما قال ابن المسيب إن شاء الله

[ 199 ]
ذكر الآية الثانية قوله تعالى والذين يرمون المحصنات زعم من لا فهم له من ناقلي التفسير أنها نسخت بالاستثناء بعدها وهو قوله تعالى إلا الذين تابوا وقد بينا في مواضع أن الاستثناء لا يكون ناسخا ذكر الآية الثالثة قوله تعالى يا أيها آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم الآية ذهب بعض المفسرين إلى أنه نسخ من حكم هذا النهي العام حكم البيوت التي ليس لها أهل يستأذنون بقوله تعالى ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال أبنا محمد بن إسماعيل بن واقد قال حدثني أبي عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال يا أيها الذي آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا الآية ثم نسخ واستثنى من ذلك ليس عليكم جناح ان تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم وهذا مروي عن الحسن وعكرمة والضحاك وليس هذا نسخ إنما هو تخصيص والثاني أن الآيتين محكمتان فالاستيذان ذلك شرط في الأولى إذا كان للدار أهل والثانية وردت في بيوت لا ساكن لها والإذن لا يتصور من غير آذن فإذا بطل الاستئذان لم يكن البيوت الخالية داخلة في الأولى وهذا أصح ذكر الآية الرابعة قوله تعالى ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها قال ابن مسعود رضي الله

[ 200 ]
عنه هو الرداء وقد زعم قوم أن هذا نسخ بقوله والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا عليهن جناح أن يضعن ثيا محمد بهن أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين قال أبنا البرمكي قال أبنا محمد بن اسماعيل قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا محمد بن قهزاد قال بنا علي ابن الحسين بن واقد قال حدثني أبي عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما وقل للمؤمنات بغضضن من أبصارهن نسخ ذلك واستثنى من قوله والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا إلى قوله ليعلم ما يخفين من زينتهن وكذلك قال الضحاك وهذا ليس بصحيح لأن الآية الأولى فيمن يخاف الافتتان بها وهذه الآية في العجائز فلا نسخ ذكر الآية الخامسة قوله تعالى فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم زعم بعضهم أنها منسوخة بآية السيف وليس هذا صحيحا فإن الأمر بقتالهم لا ينافي أن يكون عليه ما حمل وعليهم ما حملوا ومتى لم يقع التنافي بين الناسخ والمنسوخ لم يكن نسخ ذكر الآية السادسة قوله تعالى ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم اختلفوا في هذه الآية فذهب الأكثرون إلى أنها محكمة أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال أبنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا عفان قال بنا أبو عوانة قال بنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله

[ 201 ]
عنهما قال هذه الآية مما تهاون الناس به ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم وما نسخت قط قال أحمد وبنا وكيع عن سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن الشعبي ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم قال ليست منسوخة وهذا قول القاسم بن محمد وجابر بن زيد فقد أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا هاشم قال بنا شعبة عن داود أبي هند عن ابن المسيب قال هذه الآية منسوخة وقد روي عنه أنه قال هي منسوخة بقوله وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا وهذا ليس بشئ لأن معنى الآية وإذا بلغ الأطفال منكم أي من الأحرار الحلم فليستأذنوا أي في جميع الأوقات في الدخول عليكم كما أستأذن الذين من قبلهم يعني كما استأذن الأحرار الكبار الذين بلغوا قبلهم فالبالغ يستأذن في كل وقت والطفل والمملوك يستاذن في العورات الثلاث ذكر الآية السابعة قوله تعالى ليس على الأعمى إلى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على مريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم هذه الآية كلها محكمة والحرج المرفوع عن أهل الضر مختلف فيه فمن المفسرين من يقول المعنى ليس عليكم في مؤاكلتكم حرج لأن القوم تحرجوا وقالوا الأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب والمريض لا يستوفي الطعام فكيف نؤاكلهم وبعضهم يقول بل كانوا يضعون مفاتحهم إذا غزوا عند أهل الضر ويأمرونهم أن يأكلوا فيتورع أولئك عن الأكل فنزلت هذه الآية وأما البيوت المذكروة فيباح للإنسان الأكل منه لجريان العادة ببذل أهلها الطعام لأهلها وكل ذلك محكم وقد زعم بعضهم أنها منسوخة بقوله لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وليس هذا بقول فقيه

[ 202 ]
باب ذكر الآيات اللواتي أدعي عليهن النسخ في سورة الفرقان ذكر الآية الأولى قوله تعالى أفأنت تكون عليه وكيلا زعم الكلبي أنها منسوخة بآية السيف وليس بصحيح لأن المعنى أفأنت تكون حفيظا عليه تحفظه من اتباع هواه فليس للنسخ وجه ذكر الاية الثانية قوله تعالى وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما قال الحسن في تفسيرها لا يجهلون على أحد وإن جهل عليهم حملوا وهذه الآية محكمة عند الجمهور وقد زعم قوم أن المراد بها أنهم يقولون للكفار ليس بيننا وبينكم غير السلام وليس المراد السلام الذي هو التحية وإنما المراد بالسلام التسليم أي تسلما منكم ومتاركة لكم كما يقول براءة منك أي لا التبس بشئ من أمرك ثم نسخت بآية السيف وهذا باطل لأن إسم الجاهل يعم المشرك وغيره فإذا خاطبهم مشرك قالوا السداد والصواب في الرد عليه وحسن المحاورة في الخطاب لا ينافي القتال فلا وجه للنسخ ذكر الآية الثالثة قوله تعالى ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق إلى قوله إلا من ناب للعلماء فيها قولان

[ 203 ]
القول الأول أنها منسوخة ولهؤلاء في ناسخها ثلاثة أقوال الأول أنه قوله ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم قاله ابن عباس رضي الله عنهما والأكثرون على خلافه في أن القتل لا يوجب الخلود وقال أبو جعفر النحاس من قال إن قوله ولا يقتلون النفس الآيات نسخها قوله ومن يقتل مؤمنا متعمدا فمعناه نزل بنسخها والآيتان واحد لأن هذا لا يقع فيه ناسخ ولا منسوخ لأنه خبر والثاني قوله إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية وهذا لا يصح لأن الشرك لا يغفر إذا مات المشرك عليه والثالث انه نسخت بالاستثناء في قوله إلا من تاب وهذا باطل لأن الاستثناء ليس بنسخ والقول الثاني أنها محكمة وبالخلود إنما كان لإنضمام الشرك إلى القتل والزنا

[ 204 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة الشعراء قوله تعالى والشعراء يتبعهم الغاوون أخبرنا ابن ناصر قال أبنا ابن أيوب قل أبنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود السجستاني قال بنا أحمد بن محمد قال بنا علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما والشعراء يتبعهم الغاوون فنسخ من ذلك واستثنى فقال إلا الذين آمنوا وعملوا كان الصالحات وذكروا الله كثيرا قلت وقد بينا أن الاستثناء ليس بنسخ ولا يعول على هذا وإنما هذه الألفاظ من تغيير الرواة وإلا فقد أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين قال أبنا البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل قال أبنا أبو بكر بن داود قال بنا يعقوب بن سفيان قال بنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما والشعراء يتبعهم الغاوون ثم استثنى المؤمنين فقال إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهذا هو اللفظ الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما وإن هذا هو استثناء لا نسخ وإنما الرواة تنقل بما تظنه المعنى فيخطئون

[ 205 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة النمل قوله تعالى فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذا منسوخ بآية السيف وكذلك قال قتادة وقد تكلمنا إلى جنس هذا وبينا أن الصحيح أنه ليس بمنسوخ باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة القصص قوله تعالى وإذا سمعوا اللغو اعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين اختلف المفسرون في المراد باللغو هاهنا فقال مجاهد في الأذى والسب وقال الضحاك الشرك فعلى هذا يمكن ادعاء النسخ وقوله لنا أعمالنا ولكم أعمالكم قال المفسرون لنا حلمنا ولكم سفهكم وقال بعضهم لنا ديننا ولكم دينكم وقوله سلام عليكم قال الزجاج لم يريدوا التحية وإنما أرادوا بيننا وبينكم المتاركة وهذا قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال وقوله لا نبتغي الجاهلين أي لا نطلب مجاورتهم قال الأكثرون فنسخت هذه الآية بآية السيف

[ 206 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة العنكبوت ذكر الآية الأولى قوله تعالى ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن اختلفوا فيها على قولين القول الأول أنها نسخت بقوله قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله إلى قوله وهم صاغرون قاله قتادة وابن السائب أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال بنا عبد الله بن أحمد قال بنا أبي وأبنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين قال أبنا البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا أحمد بن يحيى بن مالك قال بنا عبد الوهاب عن سعيد وابنا ابن ناصر قال أبنا ابن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود السجستاني قال بنا أحمد بن محمد قال بنا أبو رجاء عن همام كلاهما عن قتادة ولا تجادلوا أهل الكتاب ثم نسخ بقوله قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر فلا مجادلة أشد من السيف والقول الثاني أنها ثابتة الحكم وهو مذهب جماعة منهم ابن زيد أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين قال أبنا البرمكي قال أبنا

[ 207 ]
محمد بن إسماعيل قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا قيس بن حصين عن مجاهد ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن قال من أدى منهم الجزية فلا تقل له إلا حسنا ذكر الآية الثانية قوله تعالى وإنما أنا نذير مبين زعم بعضهم أنه منسوخة بآية السيف وهذا لو كان في قوله وما أنا إلا نذير احتمل فأما هاهنا فلا لأن هذه الآية أثبتت أنه نذير ويؤيد إحكامها أنها خبر باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة الروم قوله تعالى فاصبر إن وعد الله حق زعم السدي أنها نسخت بآية السيف وهذا إنما يصح له أن لو كان الأمر بالصبر عن قتالهم فأما إذا احتمل أن يكون صبرا على ما أمر به أو عما نهى عنه لم يتصور نسخ

[ 208 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة لقمان قوله تعالى ومن كفر فلا يحزنك كفره ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا منسوخ بآية السيف وقال بعضهم نسخ معناها لا لفظها بآية السيف وهذا ليس بشئ لأنها إنما تضمنت التسلية له عن الحزن وذلك لا ينافي القتال باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة السجدة قوله تعالى فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون روى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال نسختها آية السيف فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عيبد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال أبنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة قال كل شئ في القرآن فأعرض عنهم وانتظر منسوخ نسخته براءة والقتال

[ 209 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة الأحزاب ذكر الآية الأولى قوله تعالى ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم قال المفسرون معناه لاتجازهم عليه وتوكل على اللفي كفاية شرهم قالوا ونسخت بآية السيف ذكر الآية الثانية قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن اختلف العلماء لمن هذه المتعة فقال الأكثرون هي لمن لم يسم مهرا لقوله تعالى في البقرة أو تفرضوا لهن فريضة وهل هي مستحبة أو واجبة للعلماء فيها قولان أحدهما أنها واجبة للمطلقة التي يسم لها مهرا إذا طلقها قبل الدخول وعلى هذا الآية محكمة وقال قوم المتعة واجبة لكل مطلقة بهذه الآية ثم نسخت بقوله فنصف ما فرضتم أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد بن حنبل قال بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال بنا أبي قال بنا محمد بن سواء قال بنا سعيد عن قتادة عن الحسن وأبي العالية في هذه الآية يا

[ 210 ]
أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن قالا ليست بمنسوخة لها نصف الصداق ولها المتاع قال أحمد وبنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة عن ابن المسيب قال هي منسوخة نسختها الآية التي في البقرة وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتهم بعد فريضة فنصف ما فرضتم فصار لها نصف الصداق ولا متاع لها قال سعيد وكان قتادة يأخذ بهذا وقال أحمد وبنا حسين عن شيبان عن قتادة وإذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن الآية قال قال سعيد بن المسيب ثم نسخ هذا الحرف المتعة وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتهم لهن فريضة فنصف ما فرضتم الآية الثالثة قوله تعالى لا يحل لك النساء من بعد اختلف المفسرون فيها على قولين القول الأول أنها منسوخة بقوله إنا أحللنا لك أزواجك وهذا مروي عن علي وابن عباس وعائشة وأم سلمة وعلي بن الحسين والضحاك أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين قال أبنا البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا عمران بن محمد الأنصاري قال بنا أبو عاصم قال ابنا ابن جريج عن عطاء عن عائشة قالت ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احل له أن ينكح ما شاء قال أبو سلمان الدمشقي يعني نساء جميع القبائل من المهاجرات وغير المهاجرات والقول الثاني أنها محكمة ثم فيها قولان الأول إن الله تعالى أثاب نساءه حين اخترنه بأن قصره عليهن فلم يحل له غيرهن ولم ينسخ هذا أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين قال أبنا البرمكي قال بنا إسماعيل بن العباس قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال ذكر محمد بن مصفى أن

[ 211 ]
يوسف بن السفر حدثهم عن الأوزاعي عن عثمان بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما لا يحل لك النساء من بعد قال حبسه الله عليهن كما حبسهن عليه قال أبو بكر وبنا إسحاق بن إبراهيم قال بنا حجاج قال بنا حماد عن علي بن زيد عن الحسن لا يحل لك النساء من بعد قال قصره الله على نسائه التسع اللاتي مات عنهن وهذا قول ابن سيرين وأبي أمامة بن سهل وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث والسدي والثاني أن المراد بالنساء هاهنا الكافرات ولم يجز له أن يتزوج بكافرة قاله مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وجابر بن زيد باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة سبأ قوله تعالى قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون قال المفسرون المعنى لا تؤاخذون بجرمنا ولا نسأل عما تعملون من الكفر والتكذيب والمعنى إظهار التبري منهم قالوا وهذا منسوخ بآية السيف ولا أرى لنسخها وجها لأن مؤاخذة كل واحد بفعله لا يمنع من قتال الكفار

[ 212 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة فاطر قوله تعالى إن أنت إلا نذير قال بعض المفسرين نسخ معناها بآية السيف وقد تكلمنا على جنسها وبينا أنه لا نسخ باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة الصافات ذكر الآية الأولى قوله تعالى فتول عنهم حتى حين للمفسرين في المراد بالحين ثلاثة أقوال الأول أنه زمان الأمر بقتالهم قاله مجاهد والثاني موتهم قاله قتادة والثالث القيامة قاله ابن زيد وعلى هذا والذي قبله يتطرق نسخها وقال مقاتل بن حيان نسختها آية القتال

[ 213 ]
ذكر الآية الثانية قوله تعالى وأبصرهم فسوف يبصرون أي أنظر إليهم إذا نزل العذاب بهم ببدر فسوف يبصرون ما أنكروا وكانوا يستعجلون به تكذيبا وهذا كله دليل على إحكامها وزعم قوم أنها منسوخة بآية السيف وليس بصحيح ذكر الآية الثالثة والرابعة وهما تكرار الأولتين وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون قال المفسرون هذا تكرار لما تقدم توكيد لوعده بالعذاب وقال ابن عقيل الآيتان المتقدمتان عايدتان أبو إلى أذيتهم له وصدهم له عن العمرة والحين الأول حين الفتح فالمعنى أبصرهم إذا جاء نصر الله ووقفوا بين يديك بالذل وطلب العفو فسوف يبصرون عزك وذلهم على ضد ما كان يوم القضاء والموضع الثاني وتول عنهم حتى حين وهو يوم القيامة والله أعلم وأبصر ما يكون من عذاب الله لهم قلت وعلى ما ذكرنا لا وجه للنسخ وقد ادعى بعضهم نسخ الآيتين خصوصا إذا قلنا أنها تكرار للأولتين

[ 214 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة ص ذكر الآية الأولى قوله تعالى إن يوحى إلي إلا انما أنا نذير مبين ومعنى الكلام إني ما علمت قصة آدم إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشر من طين إلا بوحي وعلى هذا الآية محكمة وقد زعم بعض من قل فهمه أنها منسوخة بآية السيف وقد رددنا مثل هذه الدعوى في نظائرها المتقدمة ذكر الآية الثانية قوله تعالى ولتعلمن نبأه بعد حين زعم بعض من لا فهم له أنها منسوخة بآية السيف وليس بصحيح لأنه وعيد بعقاب إما أن يراد بوقته الموت أو القتل أو القيامة وليس فيه ما يمنع قتال الكفار

[ 215 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة الزمر ذكر الآية الأولى قوله تعالى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون قال المفسرون هذا حكم الآخرة وهذا أمر محكم وقد ادعى بعضهم نسخها بآية السيف وعلى هذا يكون الحكم حكم الدنيا بأن أمر بقتالهم ذكر الآية الثانية قوله تعالى إني أخاف إن عصيت ربي عذاب عظيم قد ادعى قوم نسخها بقوله ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وقد منعنا ذلك في ذكر نظيرتها في الأنعام ذكر الآية الثالثة قوله تعالى فاعبدوا ما شئتم من دونه ليس هذا بأمر وإنما هو تهديد وهو محكم فهو كقوله اعملوا ما شئتم وقد زعم بعض من لا فهم له أنه منسوخ بآية السيف وإنما قال هذا لأنه ظن أنه أمر وهذا ظن فاسد وخيال ردئ ذكر الآية الرابعة والخامسة قوله تعالى قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من

[ 216 ]
يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم زعم بعض المفسرين أنهما نسختا بآية السيف وإذا كان معناهما التهديد والوعيد فلا وجه للنسخ ذكر الآية السادسة قوله تعالى فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل وقد زعم قوم أنها منسوخة بآية السيف وقد سبق كلامنا في هذا الجنس أنه ليس بمنسوخ ذكر الآية السابعة قوله تعالى قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون زعم بعض ناقلي التفسير أن معناه نسخ بآية السيف وليس هذا بصحيح لأن حكم الله بين عبادة في الدنيا بإظهار حجج المحقين وإبطال شبه الملحدين وفي الآخرة بإدخال هؤلاء الجنة وهؤلاء النار وهذا لا ينافي قتالهم باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة المؤمن قوله تعالى فاصبر إن وعد الله حق هذه الآية في هذه السورة في موضعين وقد ذكروا أنها منسوخة بآية السيف وعلى ما قررنا في نظائرها لا نسخ

[ 217 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة حم السجدة قوله تعالى ادفع بالتي هي أحسن وقد زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين قال أبنا أبو إسحاق البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال أبنا الحسن ابن علي بن مهران قال بنا عامر بن الفرات عن أسباط عن السدي أدفع بالتي هي أحسن قال هذا قبل القتال وقال أكثر المفسرين هو كدفع الغضب بالصبر والإساءة بالعفو وهذا يدل على أنه ليس المراد بذلك معاملة الكفار فلا يتوجه النسخ أخبرنا المحمدان ابن ناصر وابن عبد الباقي قالا أبنا أحمد بن أحمد قال أبنا أحمد بن عبد الله الأصفهاني قال بنا سليمان أبي أحمد قال بنا إسحاق بن إبراهيم قال أبنا عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم عن مجاهد ادفع بالتي هي أحسن قال هو السلام يسلم عليه ورواه منصور عن مجاهد قال المصافحة

[ 218 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة حم عسق ذكر الآية الأولى قوله تعالى ويستغفرون لمن في الأرض زعم قوم منهم ابن منبه والسدي ومقاتل بن سليمان أنه منسوخة بقوله ويستغفرون للذين آمنوا وهذا قبيح لأن الآيتين خبر والخبر لا ينسخ ثم ليس بين الآيتين تضاد لأن استغفارهم استغفار خاص لا مدخل فيه إلا من اتبع الطريق المستقيم فلاولئك أو طلبوا الغفران والإعاذة من النيران وإدخال الجنان واستغفارهم لمن في الأرض لا يخلوا من أمرين إما أن يريدوا به الحلم عنهم والرزق لهم والتوفيق ليسلموا وإما أن يريدوا به من في الأرض من المؤمنين فيكون اللفظ عاما والمعنى خاصا وقد دل على تخصيص عمومه قوله ويستغفرن) للذين آمنوا والدليل الموجب يصرفه عن العموم إلى الخصوص أن الكافر لا يستحق أن يغفر له فعلى هذا البيان لا وجه للنسخ وكذلك قال قتادة ويستغفرون لمن في الأرض قال للمؤمنين منهم وقال أبو الحسين بن المنادي في الكلام مضمر تقديره لمن في الأرض من المؤمنين وقال أبو جعفر النحاس يجوز أن يكون وهب ابن منبه أراد أن هذه الآية على نسخ تلك الآية لأنه لا فرق بينهما

[ 219 ]
ذكر الآية الثانية قوله تعالى الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل قد زعم كثير من المفسرين أنها منسوخة بآية السيف وقد بينا مذهبنا في نظائرها وأن المراد أنا لم نوكلك بهم فتؤخذ بأعمالهم فلا يتوجه نسخ ذكر الآية الثالثة قوله تعالى لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم للمفسرين في هذه الآية قولان القول الأول أنها أقتضت الاقتصار على الإنذار وذلك قبل الأمر بالقتال ثم نزلت آية السيف فنسختها قاله الأكثرون وروى الضحاك عن ابن عباس قال لنا أعمالنا ولكم أعمالكم مخاطبة لليهود أي لنا ديننا ولكم دينكم قال ثم نسخت بقوله قاتلوا الذي لا يؤمنون بالله الآية وهكذا قال مجاهد وأخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين قال أبنا البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس قال أبنا أبو بكر ابن أبي داود قال بنا الحسين بن علي قال بنا عامر بن الفرات عن أسباط عن السدي لا حجة بيننا وبينكم قال هذه قبل السيف وقبل أن يؤمر بالجزية والقول الثاني أن معناها أن الكلام بعد ظهور الحجج والبراهين قد سقط بيننا فلم يبق إلا السيف فعلى هذا هي محكمة قاله جماعة من المفسرين وهو الصحيح ذكر الآية الرابعة قوله تعالى من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه هذا محكم وقوله من كان يريد حرث الدنيا مؤته منها للمفسرين فيه قولان

[ 220 ]
الأول أنه منسوخ بقوله عجلنا له فيها لمن نريد رواه الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما وبه قال مقاتل والثاني أنه محكم لأنه خبر قاله قتادة ووجهه ما بيناه في نظيرها في آل عمران عند قوله ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ذكر الآية الخامسة قوله تعالى قل لا أسألكم عليه من أجرا إلا المودة في القربى للمفسرين فيها قولان الأول أن هذا الاستثناء من الجنس فعلى هذا يكون سائلا أجرا وقد أشار ابن عباس في رواية الضحاك إلى هذا العنى ثم قال نسخت هذه الآية بقوله قل ما سألتكم من اجرا فهو لكم وإلى هذا ذهب مقاتل والثاني أنه استثناء من غير الأول لأن الأنبياء لا يسألون على تبليغهم أجرا وإنما المعنى لكني أذكركم المودة في القربى وقد روى هذا المعنى جماعة عن ابن عباس منهم طاؤس والعوفي أخبرنا ابن حصين قال أبنا ابن المذهب قال أبنا أحمد بن جعفر قال بنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال بنا يحيى عن شعبة قال حدثني عبد الملك بن ميسرة عن طاؤس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لم يكن بطن في قريش إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة فنزلت قل لا أسألكم عليه من أجرا إلا المودة في القربى إلا أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم هذا هو الصحيح ولا يتوجه على هذا نسخ أصلا

[ 221 ]
ذكر الآية السادسة قوله تعالى والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون اختلفوا في هذه الآية فذهب بعض القائلين بأنها في المشركين إلى أنها منسوخة بآية السيف وهو مذهب جماعة منهم ابن زيد وكأنهم يشيرون إلى أنها أثبتت الانتصار بعد بغي المشركين فلما جاز لنا أن نبدأهم القتال دل على نسخها وللقائلين بأنها في المسلمين قولان الأول أنها منسوخة بقوله ولمن صبر وغفر فكأنها نبهت على مدح المنتصر ثم أعلمنا أن الصبر والغفران أمدح فبان وجه النسخ والثاني أنها محكمة لأن الصبر والغفران فضيلة والانتصار مباح فعلى هذا تكون محكمة وهو الصحيح ذكر الآية السابعة قوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها زعم بعض من لا فهم له أن هذا الكلام منسوخ بقوله فمن عفا وأصلح فأجره على الله وليس هذا بقول من يفهم الناسخ والمنسوخ لأن المعنى الآية أن من جازى مسيئا فليجازه بمثل إساءته ومن عفا فهو أفضل ذكر الآية الثامنة قوله تعالى ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل زعم بعض من لا يفهم أنها نسخت بقوله ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم

[ 222 ]
الأمور وليس هذا بالكلام من يفهم الناسخ والمنسوخ لأن الآية الأولى تثبت جواز الاتنصار عبد وهذه تثبت أن الصبر أفضل ذكر الآية التاسعة قوله تعالى فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف وقد بينا مذهبنا في نظائرها وأنها ليست بمنسوخة باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة الزخرف ذكر الآية الأولى قوله تعالى فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون زعم بعضهم أنها منسوخة بآية السيف وقد عرف مذهبنا في نظائرها وأنها واردة للوعيد والتهديد فلا نسخ إذن ذكر الآية الثانية قوله تعالى فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون يروي الضحاك عن ابن عباس قال نسخ هذا بآية السيف

[ 223 ]
وأخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال أبنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي وأبنا المبارك ابن علي قال أبنا أحمد بن الحسين قال أبنا أحمد بن الحسين قال أبنا البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال أحمد بن يحيى بن مالك قال بنا عبد الوهاب عن سعيد قال قال قتادة في قوله فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون قال قتادة نسختها براءة فاقلتوا المشركين حيث وجدتموهم هذا مذهب قتادة ومقاتل بن سليمان باب ذكر ما ادعي عليه النسخ في سورة الدخان قوله تعالى فارتقب إنهم مرتقبون قد ذهب جماعة من المفسرين إلى أنها منسوخة بآية السيف ولا نرى ذلك صحيحا لأنه لا تنافي بين الآيتين وارتقاب عذابهم أما عند القتل أو عند الموت أو في الآخرة وليس في هذا منسوخ

[ 224 ]
باب ذكر ما ادعي عليه النسخ في سورة الجاثية قوله تعالى قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله جمهور المفسرين على أنها منسوخة لأنها تضمنت الأمر بالإعراض عن المشركين واختلفوا في ناسخها على أربعة أقوال القول الأول آية السيف أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال أبنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي قال أبنا ابن شاذان قال بنا أحمد بن كامل قال بنا محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله قال كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يعرض عن المشركين إذا آذوه وكانوا يستهزئون به ويكذبونه فأمره الله أن يقاتل المشركين كافة فكان هذا من المنسوخ روى الضحاك عن ابن عباس قال نسخت بآية السيف أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين قال أبنا البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا يعقوب بن سفيان قال بنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن أبن عباس رضي الله عنهما قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ونحو هذا من القرآن مما أمر الله فيه بالعفو عن المشركين فإنه نسخ ذلك بقوله أقتللوا عليه المشركين حيث وجدتموهم وقوله قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله وباليوم الآخر

[ 225 ]
أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا عبد الرزاق قال بنا معمر عن قتادة قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله قال نسختها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم والقول الثاني أن ناسخها قوله في الأنفال فأما تثقفنهم في الحرب وقوله في براءة وقاتلوا المشركين كافة رواه سعيد عن قتادة أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة قال نسختها فأما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم والثالث قوله قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر أخبرنا ابن ناصر قال أبنا ابن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود قال بنا أحمد بن محمد قال بنا ابن رجاء عن همام عن قتادة قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ثم نسخ فقال قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله والرابع قوله أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا قاله أبو صالح ويمكن أن يقال إنها محكمة لأنها نزلت على سبب وهو أنهم نزلوا في غزاة بني المصطلق على بير فأرسل عبد الله بن أبي غلامه ليستقي الماء فأبطأ عليه فلما أتى قال ما حبسك قال غلام عمر ما ترك أحدا يستقي حتى ملأ قرب النبي وقرب أبي بكر وملأ لمولاه فقال عبد الله ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل سمن كلبك يأكلك فلبغ قوله عمر فاشتمل بسيفه يريد التوجه إليه فنزلت هذه الآية رواه عطاء عن ابن عباس

[ 226 ]
باب ذكر ما ادعي عليه النسخ في سورة الأحقاق ذكر الآية الأولى قوله تعالى وما أدري ما يفعل بي ولا بكم اختلف المفسرون في هذا على قولين القول الأول أنه راجع إلى الدنيا ثم لهؤلاء فيه قولان الأول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء فقد فقصها على أصحابه ثم مكثوا برهة لا يرون ذلك فقالوا يا رسول الله متى نهاجر فسكت فنزلت هذه الآية ومعناها لا أدري أخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أم لا رواه أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال عطية ما أدري هل يتركني بمكة أو يخرجني منها والثاني ما أدري هل أخرج كما أخرج الأنبياء قبلي وأقتل كما قتلوا أو لا أدري ما يفعل بكم أتعذبون أم تؤجرون أتصدقون أم تكذبون قاله الحسن والقول الثاني أنه راجع إلى الآخرة أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين قال أبنا البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل أبنا أبو بكر أبي داود قال بنا يعقوب بن سفيان قال بنا أبو بكر صالح قال حدثني معاوية صالح عن علي بن أبي طلحة عن أبن عباس رضي الله

[ 227 ]
عنهما وما أدري ما يفعل بي وبكم فأنزل الله بعدها ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وقال ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات فأعلمه ما يفعل به وبالمؤمنين وممن ذهب إلى نحو هذا أنس وعكرمة وقتادة وقد زعم قوم أن هذا من الناسخ والمنسوخ فروى الضحاك عن أبن عباس قال نسختها إنا فتحنا لك فتحا مبينا الآية وأخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين قال أبنا البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا محمد بن قهزاد قال حدثني علي بن الحسين بن واقد قال حدثني أبي وأبنا محمد بن أبي منصور قال أبنا علي ابن أيوب قال أبنا أبو علي بن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال بنا أحمد بن محمد عن علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما وما أدري ما يفعل بي ولا بكم نسختها الآية التي في الفتح فخرج إلى الناس فبشرهم بالذي غفر له وما تقدم من ذنبه وما تأخر قال رجل من المؤمنين هنيئا لك يا نبي الله قد علمنا الآن ما يفعل بك فماذا يفعل بنا فأنزل الله في سورة الأحزاب وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا وقال ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار قلت والقول بنسخها لا يصح لأنه إذا خفى عليه علم شئ ثم أعلم به لم يدخل ذلك في ناسخ ولا منسوخ وقال النحاس محال أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمشركين ما أدري ما يفعل بي وبكم في الآخرة ولم يزل يخبر أن من مات على الكفر يخلد في النار ومن مات على الإيمان فهو في الجنة فقد درى ما يفعل به وبهم في الآخرة والصحيح في معنى الآية قول الحسن وما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا

[ 228 ]
ذكر الآية الثانية قوله تعالى فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل زعم بعضهم أنها نسخت بآية السيف ولا يصح له هذا إلا أن يكون المعنى فاصبر عن قتالهم وسياق الآيات يدل على غير ذلك قال بعض المفسرين كأنه ضجر من قومه فأحب أن ينزل العذاب بمن أبى منهم فأمر بالصبر باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة محمد صلى الله عليه وسلم ذكر الآية الأولى قوله تعالى فأما منا بعد وإما فداء فيها قولان الأول أنها محكمة وأن حكم المن والفداء باق لم ينسخ وهذا مذهب ابن عمر والحسن وابن سيرين ومجاهد وأحمد والشافعي والثاني أن المن والفداء نسخ بقوله فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وهذا مذهب ابن جريح والسدي وأبي حنيفة أخبرنا عبد الوهاب قال أنبأ أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي قالا أبنا ابن شاذان قال أبنا أحمد بن كامل قال حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس فإما منا بعد وإما فداء قال الفداء منسوخ نسختها فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم

[ 229 ]
أخبرنا ابن ناصر قال أبنا ابن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال ابنا أبو داود السجستاني قال بنا ابن السرح قال حدثني خالد بن بزار قال حدثني إبراهيم بن طهمان عن حجاج بن الحجاج الباهلي عن قتادة فإما منا بعد وإما فداء قال كان أرخص لهم أن يمنوا على من شاؤا ويأخذوا الفداء إذا أثخنوهم ثم نسخ فقال أقتلوا المشركين حيث وجدتموهم أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة فإما منا بعد وإما فداء قال نسخ ذلك في براءة أقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قال أحمد وبنا عبد الصمد عن همام عن قتادة قال رخص له أن يمن على من يشاء منهم الفداء ثم نسخ ذلك بعد في براءة فقال أقتلوا المشركين حيث وجدتموه قال أحمد وبنا حجاج قال بنا سفيان قال سمعت السدي قال فإما منا بعد وإما فداء قال نسختها فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قال أحمد وبنا معاوية بن عمرو قال أبنا أبو إسحاق عن سفيان عن ليث عن مجاهد أنه قال هي منسوخة لا يفادون ولا يرسلون قال أحمد وبنا حجاج قال بنا شريك عن سالم عن سعيد قال يقتل أسرى الشرك ولا يفادون حتى يثخن فيهم القتل ذكر الاية الثانية قوله تعالى ولا يسألكم أموالكم زعم بعضهم أنها منسوخة بآية الزكاة وهذا باطل لأن المعنى لا يسألكم جميع أموالكم قال السدي إن يسألكم جميع ما في أيديكم تبخلوا وزعم بعض المغفلين من نقلة التفسير أنها منسوخة بقوله إن يسئلكموها فيحفكم تبخلوا وهذا ليس معه حديث

[ 230 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة ق قوله تعالى وما أنت عليهم بجبار قال ابن عباس رضي الله عنهما لم تبعث لتجبرهم على الإسلام وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم قالوا ونسخ هذا بآية السيف باب ذكر ما أدعي عليه النسخ بن سورة الذرايات أبي ذكر الآية الأولى قوله تعالى وفي أموالهم حق للسائل والمحروم الحق ها هنا النصيب وفيه قولان الأول أنه ما يصلون به رحما أو يقرون به ضيفا أو يحملون به كلا أو يغنون به محروما وليس بالزكاة قاله ابن عباس رضي الله عنهما والثاني أنه الزكاة قاله قتادة وابن سيرين وقد زعم قوم أن هذه الآية

[ 231 ]
اقتضت وجوب إعطاء السائل والمحروم فذلك منسوخ بالزكاة والظاهر أنها حث على التطوع ولا يتوجه نسخ ذكر الآية الثانية قوله تعالى فتول عنهم فما أنت بملوم زعم قوم أنها منسوخة ثم اختلفوا في ناسخها فقال بعضهم آية السيف وقال بعضهم إن ناسخها وذكره فإن الذكرى تنفع المؤمنين وهذا قد يخيل أن معنى قوله فتول عنهم أعرض عن كلامهم فلا تكلمهم وفي هذا بعد فلو قال هذا إن المعنى أعرض عن قتالهم صلح نسخها بآية السيف ويحتمل أن يكون معنى الآية أعرض عن مجادلتهم فقد أوضحت لهم الحجج وهذا لا ينافي قتالهم

[ 232 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة الطور ذكر الآية الأولى قوله تعالى قل تربصوا فإني معكم من المتربصين قال المفسرون معناها اتنظروا (في ريب المنون فإن منتظر عذابكم فعذبوا يوم بدر بالسيف وزعم بعضهم أنها منسوخة بآية السيف وليس صحيح إذ لا تضاد بين الآيتين ذكر الآية الثانية قوله تعالى فذره حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون في هذا اليوم ثلاثة أقوال الأول أنه يوم موتهم والثاني يوم النفخة الأولى والثالث يوم القيامة وقد زعم بعضهم أن هذه الآية منسوخة بآية السيف وإذا كان معنى ذرهم الوعيد لم يقع نسخ ذكر الآية الثالثة قوله تعالى واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا زعم بعض المفسرين أن معنى الصبر منسوخ بآية السيف وليس صحيح لأنه يجوز أن يصبر لحكم ربه ويقاتلهم ولا تضاد بين الآيتين

[ 233 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة النجم ذكر الآية الأولى قوله تعالى فأعرض عمن تولى عن ذكرنا المراد بالذكر ها هنا القرآن وقد زعموا أن هذه الآية منوسخة بآية السيف ذكر الآية الثانية قوله تعالى وأن ليس الإنسان إلا ما سعى روي عن أبن عباس أنه قال هذه الآية منسوخة بقوله وأتبعتهم ذريتهم بإيمان قال فإدخل ما الإبن الجنة بصلاح الآباء أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين قال أبنا البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل قال بنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا يعقوب بن سفيان قال بنا أبو صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما وأن ليس للإنسان إلا ما سعى قال فأنزل الله تعالى بعد هذا والذين آمنوا وأتبعتهم ذريتهم بإيمان فأدخل الله الأبناء بصلاح الآباء الجنة قلت قول من قال إن هذا النسخ غلط لأن الآيتين خبر والأخبار لا يدخلها النسخ ثم إن إلحاق الأبناء بالآباء إدخالهم في حكم الآباء بسبب إيمان الآباء فهم بالبعض تبع الجملة ذاك ليس لهم إنما فعله الله سبحانه بفضله وهذه الآية تثبت ما للإنسان إلا ما يتفضل به عليه

[ 234 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة القمر قوله تعالى فتول عنهم يوم يدع الداعي قال الزجاج الوقف التام فتول عنه ويوم منصوب بقوله يخرجون من الأحداث وقال مقاتل فتول عنهم إلى يوم يدع الداع وليس هذا بشئ وقد زعم قوم أن هذا التولي منسوخ بآية السيف وقد تكلمنا على نظائره وبينا أنه ليس بمنسوخ

[ 235 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة المجادلة قوله تعالى إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة أخبرنا عبد الأول ب عيسى قال أبنا ابن المظفر الداوودي قال أبنا عبد الله بن أحمد بن حموية قال أبنا إبراهيم بن حريم قال بنا عبد بن حميد قال حدثني أبي شيبة قال حدثي بن آدم قال حدثني عبيد الله الأشجعي عن سفيان بن سعيد عن عثمان بن المغيرة الثقفي عن سالم بن أبي الجعد عن علي بن علقمة الأنماري عن علي بن أبي طالب قال لما نزلت يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترى دينارا قال قلت لا يطيقونه قال فكم قلت شعيرة قال إنك لزهيد قال فنزل أشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات الآية فبي خفف الله عز وجل عن هذه الأمة أخبرنا علي بن أبي عمر قال أبنا علي بن أيوب قال أبنا أبو علي بن شاذان قال بنا أحمد بن إسحاق بن سحاب قال بنا محمد بن أحمد بن أبي العوام قال بنا سعيد بن سليمان قال بنا أبو شهاب عن ليث عن مجاهد قال قال علي بن أبي طالب آية في كتاب الله عز وجل كا عمل بها أحد من الناس غيري آية النجوى كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فكلما أردت أن أناجي رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقت بدرهم فما عمل بها أحد قبلي ولا بعدي أخبرنا ابن ناصر قال أبنا ابن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود السجستاني قال أبنا أحمد بن محمد قال حدثني علي بن

[ 236 ]
الحسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة نسختها الآية التي تليها أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا حجاج عن ابن جريح عن عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله عنهما يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة نسختها أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات قال أحمد وبنا عبد الرزاق قال بنا ابن عيينة عن سليمان الأحول عن مجاهد فقدموا بين يدي نجواكم صدقة قال أمر أن لا يناجي أحد منهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتصدق بين يدي ذلك وكان أول من تصدق علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه فناجاه فلم يناجه أحد غيره ثم نزلت الرخصة أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات قال عبد الرزاق وبنا معمر عن قتادة إذا ناجيتم الرسول إنها منسوخة ما كانت إلا ساعة من نهار أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال أبنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهر الباقلاوي قالا أبنا أبو علي بن شاذان قال أبنا أحمد بن كامل قال حدثني محمد ابن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس رضي الله عنهما فقدموا بين يدي نجواكم صدقة قال كان المسلمون يقدمون بين يدي النحوي صدقة فلما نزلت الزكاة نسخ هذا قلت كأنه أشار إلى الآية التي بعدها وفيها فأقيموا الصلاة وواتوا الزكاة قال المفسرون نزل قوله أأشفقتم أي خفتم بالصدقة الفاقة وتاب الله عليكم أي تجاوز عنكم وخفف بنسخ إيجاب الصدقة قال مقاتل بن حيان إنما كان ذلك عشر ليال وقد ذكرنا عن قتادة أنه قال ما كان إلا ساعة من نهار

[ 237 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة الحشر قوله تعالى ما أفاء اللله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول اختلف العلماء في المراد بهذا الفئ على قولين الأول أنه الغنيمة التي يأخذها المسلمون من أموال الكفار عنوة وكانت في بدء الإسلام للذين سماهم الله هاهنا دون الغالبين الموجفين عليها ثم نسخ ذلك بقوله تعالى في الأنفال وأعلموا أنما غنمتم من شئ الآية هذا قول قتادة ويزيد بن رومان في آخرين أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا بن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال أبنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا عبد الصمد عن همام عن قتادة ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى اليتامى الآية قال كان الفئ بين هؤلاء فنسختها الآية التي في الأنفال واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسة وللرسول قال أحمد وبنا معاوية بن عمرو قال أبنا أبو إسحاق عن شريك عن جابر عن مجاهد وعكرمة قالا نسخت سورة الأنفال سورة الحشر قال أحمد وبنا وكيع قال بنا إسرائيل عن جابر عن مجاهد وعكرمة قالا كانت الأنفال لله وللرسول فنسختها واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسة وللرسول

[ 238 ]
والثاني أن هذا الفئ ما أخذ من أموال المشركين مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب كالصلح والجزية والعشور ومال من مات منهم في دار الإسلام ولا وارث له فهذا كان يقسم في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أخماس فأربعة لرسول الله يفعل بها ما يشاء والخمس الباقي للمذكورين في هذه الآية واختلف العلماء فيما يصنع بسهم الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فقام قوم هو للخليفة بعده وقال قوم يصرف في المصالح فعلى هذا تكون هذه الآية مبينة لحكم الفئ والتي في الأنفال مبينة لحكم الغنيمة فلا يتوجه نسخ أخبرنا ابن ناصر قال أبنا علي بن الحسين بن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود السجستاني قال أبنا أحمد بن محمد قال سمعت علي بن الحسين يقول روى لنا الثقة أن عمر بن عبد العزيز قال دخلت آية الفئ في آية الغنائم قال أحمد بن شبويه هذا أشبه من قول قتادة وسورة الحشر نزلت بعد الأنفال بسنة فمحال أن ينسخ ما قبل ما بعد قال أبو داود وبنا خشيش ابن أصرم قال بنا يحيى بن حسان قال بنا محمد بن راشد قال بنا ليث بن أبي رقية قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمراء الأجناد أن سبيل الخمس سبيل الفئ

[ 239 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة الممتحنة ذكر الأية الأولى والثانية قوله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين الآية وقوله إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين الآية زعم قوم أن هذا عام في جميع الكفار وأنه منسوخ بآية السيف أخبرنا ابن ناصر قال أبنا ابن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا أبو داود قال بنا محمد بن عبيد قال بنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين قال نسختها فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقال غيره معنى الآيتين منسوخ بآية السيف قال أبو جعفر ابن جرير الطبري لا وجه لا دعاء النسخ لأن بر المؤمنين للمحاربين سواء كانوا قرابة أو غير قرابة غير محرم إذا لم يكن في ذلك تقوية لهم على الحرب بكراع أو سلاح أو دلالة لهم على عورة أهل الإسلام ويدل على ذلك حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها لما قدمت عليها أمها قتيلة بنت عبد العزى المدينة بهدايا فلم تقبل هداياها ولم تدخل منزلها فسألت لها عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تدخلها منزلها وتقبل هديتها تكرمها لا وتحسن إليها

[ 240 ]
ذكر الآية الثالثة والرابعة قوله تعالى إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الآية وقوله وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم الآية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صالح مشركي مكة عام الحديبية على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم ومن أتى أهل مكة من أصحابه فهو لهم وكتبوا بذلك الكتاب فجاءت امرأة بعد الفراغ من الكتاب وفي تلك المرأة ثلاثة أقوال الأول أم كلثوم بنت عقبة والثاني السبيعة بنت الحارث والثالث أميمة بنت بشر فنزلت فامتحنوهن وفيما كان يمتحنهن به ثلاثة أقوال الأول الإقرار بالإسلام والثاني الاستحلاف لهن ما خرجن من بغض زوج ولا رغبة عن أرض ولا التماس دنيا وما خرجن إلا حبا لله ولرسوله والثالث الشروط المذكورة في قوله إذا جاءك المؤمنات يباعنك أن فإذا أقررن بذلك لم يردهن إليهم اختلف العلماء هل دخل رد النساء إليهم في عقد الهدنة لفظا أو عموما فقالت طائفة قد كان شرط ردهن في عقد الهدنة بلفظ صريح فنسخ الله تعالى ردهن من العقد وأبقاه في الرجال وقالت طائفة لم يشرطه صريحا بل كان ظاهر العموم اشتمال العقد عليهن مع الرجال فبين الله عز وجل خروجهن عن عمومه وفرق بينهن وبين الرجال لأمرين

[ 241 ]
الأول أنهن ذوات فروج تحرمن عليهم والثاني أنهن أرق قلوبا وأسرع تقلبا فأما المقيمة على شركها فمردودة عليهم وقال القاضي أبو يعلى إنما لم يرد النساء عليهم لأن النسخ جائز بعد التمكن من الفعل وإن لم يقع الفعل فأما قوله وآتوهم يعني أزواجهن الكفار ما أنفقوا يعني المهر وهذا إذا تزوجها مسلم فإن لم يتزوجها أحد فليس لزوجها الكافر شئ والأجور المهور ولا تمسكوا بعصم الكوافر وقد زعم بعضهم أنه منسوخ بقوله والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب وليس هذا بشئ لأن المراد بالكوافر الوثنيات ثم لو قلنا إنها عامة كانت إباحة الكتابيات تخصيصا لها لا نسخا كما بينا في قوله ولا تنكحوا المشركات وقوله واسألوا ما أنفقتم أي إن لحقت امرأة منكم بأهل العهد من الكفار مرتدة فسألوهم ما أنفقتم من المهر إذا لم يدفعوها إليكم وليسألوا يعني المشركين الذين لحقت أزواجهم بكم مؤمنات إذا تزوجن منكم من تزوجهن ما أنفقوا وهو المهر والمعنى عليكم أن تغرموا لهم الصدقات كما يغرمون لكم وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم أي أصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم فآتوا الذين ذهبت أزواجكم مثل ما أنفقوا أي أعطوا الأزواج من رأس الغنيمة ما أنفقوا من المهر أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال بنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن شاذان قال أبنا إسحاق بن أحمد قال بنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة قال كن إذا فررن من المشركين الذين بينهم وبين رسول

[ 242 ]
الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى أصحاب نبي الله فتزوجوهن بعثوا بصداقهن إلى أزواجهن من المشركين الذين بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فإذا فررن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كفار ليس بينهم وبين نبي الله صلى الله عليه وسلم عهد فتزوجوهن فأصاب المسلمون غنيمة أعطى زوجها من جميع الغنيمة ثم اقتسموا بعد ذلك ثم نسخ هذا الحكم ونبذ إلى كل ذي عهد عهده وأمر بقتال المشركين كافة قال أحمد وبنا أسود بن عامر قال بنا إسرائيل عن المغيرة عن إبراهيم في قوله واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا قال هؤلاء قوم كان بينهم وبين المسلمين صلح فإذا خرجت امرأة من المسلمين إليهم أعطوا زوجها ما أنفق قال القاضي أبو يعلى وهذه الأحكام من آداء المهر وأخذه من الكفار وتعويض الزوج من الغنيمة أو من صداق قد وجب رده على أهل الحرب منسوخة عند جماعة من أهل العلم وقد نص أحمد بن حنبل على هذا وكذلك قال مقاتل بن سليمان كل هؤلاء الآيات نسختها آية السيف

[ 243 ]
باب ذكر ما ادعي عليه النسخ في سورة التغابن قوله تعالى وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين قال أبنا البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا يعقوب بن سفيان قال بنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بني أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا ونحو هذا من القرآن مما أمر الله به المؤمنين بالعفو عن المشركين فإنه نسخ ذلك قوله فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قلت قد روينا عن جماعة من المفسرين منهم ابن عباس رضي الله عنهما أن سبب نزول هذه الآية أن الرجل كان إذا أراد أن يهاجر من مكة إلى المدينة منعته زوجته وولده وعلى هذا يمكن أن يكونوا قد آمنوا معه ولكنهم يمنعونه حبا لإقامته فلا يتوجه نسخ

[ 244 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة ن ذكر الآية الأولى قوله تعالى فذرني ومن يكذب هذا الحديث زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف وإذا قلنا إنه وعيد وتهديد فلا نسخ ذكر الآية الثانية قوله تعالى فاصبر لحكم ربك قال بعضهم معنى الصبر منسوخ بآية السيف وقد تكلمنا على نظائر هذا فيما سبق

[ 245 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة سأل سائل ذكر الاية الأولى قوله تعالى فاصبر صبرا جميلا قال المفسرون صبرا لا جزع فيه وزعم قوم منهم ابن زيد أن هذا كان قبل الأمر بالقتال ثم نسخ بآية السيف وقد تكلمنا على نظائر هذا ذكر الآية الثانية قوله تعالى فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف وإذا قلنا أنه وعيد بلقاء القيامة فلا وجع للنسخ

[ 246 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة المزمل ذكر الآية الأولى قوله تعالى قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا قال المفسرون المعنى انقص من النصف قليلا أو زد على النصف فجعل له سعة في مدة قيامه إذ لم تكن محدودة فكان يقوم ومعه طائفة من المؤمنين فشق ذلك عليه وعليهم وكان يقوم الليل كله مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب فنسخ الله ذلك عنه وعنهم بقوله إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي اليل هذا مذهب جماعة من المفسرين وقالوا ليس في القرآن سورة نسخ آخرها أولها سوى هذه السورة وذهب قوم إلى أنه نسخ قيام الليل في حقه بقوله ومن اليل فتهجد به نافلة لك ونسخ في حق المؤمنين بالصلوات الخمس وقيل نسخ عن الأمة وبقي فرضه عليه أبدا وقيل إنما كان مفروضا عليه دونهم أخبرنا ابن ناصر قال أبنا علي بن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال أبنا داود قال بنا أحمد بن محمد قال بنا علي بن الحسين عن أبيه عن زيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قم الليل إلا قليلا نسختها علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن

[ 247 ]
أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين بن قريش قال أبنا أبو إسحاق البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل بن العباسي قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال بنا زيد بن أخرم قال بنا بشر بن عمر قال بنا حماد بن سلمة عن علي ابن زيد عن أبي المتوكل عن جابر بن عبد الله قال كتب علينا قيام الليل فقمنا حتى انتفخت أقدامنا وكنا في مغزى لنا فأنزل الله الرخصة أن سيكون منكم مرضى إلى آخر السورة قال أبو بكر وبنا عبد الله بن محمد بن خلاد قال بنا يزيد قال بنا مبارك عن الحسن قال لما نزلت يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه كان قيام الليل فريضة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة قال الحسن أما والله ما كلهم قام بها فخفف الله فأنزل آخر السورة علم أن سيكون منكم مرضى إلى آخر الآية أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أبنا عمر بن عبيد الله قال أبنا ابن بشران قال أبنا إسحاق بن أحمد قال أبنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال بنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها قالت كان الله افترض قيام الليل في أول سورة المزمل فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم وامسك خاتمتها في السماء اثنى عشرا شهرا ثم أنزل الله آية فيها يسر وتخفيف فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة قال قتادة نسختها فاقرؤا ما تيسر من القرآن الآية قال أحمد وبنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله عنهما يا أيها المزمل قم الليل قال فلما قدم المدينة نسختها هذه الآية إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل الاية قال أحمد وبنا عبد الصمد عن همام عن قتادة قال فرض قيام الليل في أول سورة المزمل فقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتفخت أقدامهم وأمسك الله خاتمتها في السماء حولا ثم أنزل الله التخفيف في آخرها فقال علم أن سيكون منكم مرضى فنسخ ما كان قبلها

[ 248 ]
ذكر الآية الثانية قوله تعالى واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا قال المفسرون واصبر على ما يقولون من تكذيبهم إياك وآذاهم لك واهجرهم هجرا جميلا لا جزع فيه وهذه منسوخة عندهم بآية السيف وهو مذهب قتادة وعلى ما بينا من تفسيرها يمكن أن تكون محكمة ذكر الآية الثالثة قوله تعالى وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا زعم بعض المفسرين أنها منسوخة بآية السيف وليس بصحيح لأن قوله ذرني وعيد وأمره بإمهالهم ليس على الإطلاق بل أمره بإمهالهم إلى حين يؤمر بقتالهم فذهب زمان الإمهال فأين وجه النسخ ذكر الآية الرابعة قوله تعالى فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا زعم بعض من لا فهم له أنها نسخت بقوله وما تشاؤون إلا أن يشاء الله وليس هذا بكلام من يدري ما يقول لأن الآية الأولى أثبتت للإنسان مشيئته والآية الثانية أثبتت أنه لا يشاء حتى يشاء الله وكيف يتصور النسخ

[ 249 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة المدثر قوله تعالى ذرني ومن خلقت وحيدا هذه نزلت في الوليد بن المغيرة والمعنى خل بيني وبينه فإني أتولى هلاكه وقد زعم بعضهم أنها نسخت بآية السيف وهذا باطل من وجهين الأول أنه إذا ثبت أنه وعيد فلا وجه للنسخ وقد تكلمنا على نظائرها فيما سبق الثاني أن هذه السورة مكية وآية السيف مدنية والوليد هلك بمكة قبل نزول آية السيف

[ 250 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة هل أتى ذكر الآية الأولى قوله تعالى ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا زعم بعضهم أن هذه تضمنت المدح على إطعام الأسير المشرك قال وهذا منسوخ بآية السيف أخبرنا المبارك بن علي قال أبنا أحمد بن الحسين قال أبنا البرمكي قال أبنا محمد بن إسماعيل قال أبنا أبو بكر بن أبي داود قال أبنا يعقوب بن سفيان قال بنا يحيى بن بكير قال حدثني ابن لهيعة عن عطاء عن سعيد بن جبير وأسيرا قال يعني من المشركين نسخ السيف الأسير من المشركين قلت إنما أشار إلى أن الأسير يقتل ولا يفادى فأما إطعامه ففيه ثواب بالإجماع لقوله عليه الصلاة والسلام في كل كبد حرى أجر والآية محمولة على التطوع بالإطعام فأما الفرض فلا يجوز صرفه إلى الكفار ذكر الآية الثانية قوله تعالى فاصبر لحكم ربك زعم بعضهم أنها منسوخة بآية السيف وقد تكلمنا على نظائرها وبينا عدم النسخ ذكر الآية الثالثة قوله تعالى فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا قال بعضهم نسخت بقوله وما تشاؤون إلا أن يشاء الله وقال وكذلك قوله في

[ 251 ]
عبس قال تعالى فمن شاء ذكره قال وكذلك في سورة التكوير قال تعالى لمن شاء منكم أن يستقيم وقد رددنا هذا في سورة المزمل باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة الطارق ذكر الآية الأولى قوله تعالى فمهل الكافرين أمهلهم رويدا زعم زبعضهم أنه منسوخ بآية السيف وإذا قلنا أنه وعيد فلا نسخ

[ 252 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة الغاشية قوله تعالى لست عليهم بمسيطر أخبرنا محمد بن ناصر قال أبنا علي بن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال أبنا

[ 252 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة الغاشية قوله تعالى لست عليهم بمسيطر أخبرنا محمد بن ناصر قال أبنا علي بن أيوب قال أبنا ابن شاذان قال أبنا أبو بكر النجاد قال بنا أبو داود قال بنا أحمد بن محمد قال حدثت عن معاوية ابن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنه لست عليهم بمسيطر قال نسخ ذلك فقال اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قلت وقد قال بعض المفسرين في معناها لست عليهم بمسلط فتكرههم على الإيمان فعلى هذا لا نسخ باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة التين قوله تعالى أليس الله بأحكم الحاكمين زعم بعضهم أنه نسخ معناها بآية السيف لأنه ظن أن معناها دعهم وخل عنهم وليس الأمر كما ظن فلا وجه للنسخ

[ 253 ]
باب ذكر ما أدعي عليه النسخ في سورة الكافرين قوله تعالى ولكم دينكم ولي دين قال كثير من المفسرين هو منسوخ بآية السيف وإنما يصح هذا إذا كان المعنى قد أقررتم على دينكم وإذا لم يكن هذا مفهوم الآية بعد النسخ آخر الكتاب والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق